ماذا وكيف نُربّي في ظلّ جريمة العصر: سرقة فلسطين وتهجير أبنائها
د. فداء بو حيدر
بداية أذكر المؤسسّات التربويّة التي مررت بها أنا خلال نشأتي، وعرّفتني على فلسطين:
*بيئتي حيث نشأت كانت بيئة مناهضة للقضيّة الفلسطينيّة وقيل فيها التّالي: (الفلسطيني جايي ياكلنا، الفلسطيني باع أرضه، الفلسطيني بدو لبنان بدل فلسطين).
*البيت الذي تربّيت فيه: قدّم شهيداً مفقوداً إلى اليوم، ذهب ليناصر الفلسطينييّن على جبهات القتال ولم يعد).
*مدرستي في الصفّ التّاسع: أستاذ التّاريخ يُلغي درس التّاريخ المُعنون: الحركة الصّهيونيّة بحجّة أنّ «هذا الدّرس غير مهمّ».
*النّهضة القوميّة الإجتماعيّة وكتابات أنطون سعاده: فلسطين ولبنان وسورية الشّام والأردن والعراق والكويت هي بلادنا الواحدة هي آشور سورية التّاريخيّة.
تدعيم فكر النّهضة القوميّة الإجتماعيّة، بكتابات لمؤرّخين لبنانييّن قبل اتّفاقيّة سايكس /بيكو وبعدها:
المطران يوسف الدبس وموسوعته 12 جزءاً: تاريخ سورية الدّيني والدّنيوي.
المؤرّخ فيليب حتّي: History of Syria including Lebanon and Palestine
الرّابطة القلميّة وكلّ أعضائها وعلى رأسهم المبدع جبران خليل جبران.
إسم الكليّة السّورية في بيروت /خرائط وصور ووثائق تذكر سورية وفلسطين
*جامعتي: حيث حملت هذه الأفكار الموثّقة والعلميّة والمقنعة إلى الجامعة لأكتب وأبحث عن فلسطين. فقالوا لي هناك: هذا فكر عقائدي غير علمي، لكننّي أصرّيت أننّي لن أبحث ولن أدرس إلّا عن فلسطين.
من هنا كانت إشكاليّة بحثي «ما هي الأسس الشّرعيّة التي أُقيمت على أساسها «إسرائيل» على أرض فلسطين؟
للإجابة العلميّة والموضوعيّة، نحتاج إلى مقاييس لا تدخل فيها المشاعر والانتماءات.
من هنا ارتكزتُ على أربع مقاييس حول مفهوم الدّولة، يُعرّفها القانون العالمي كالتّالي:
سكّان دائمون على مرّ آلاف السّنين، إقليم محدّد، حكومة وأهليّة لإقامة علاقات دوليّة.
على ضوء أحداث قرن من الزّمن تبيّن أنّ »إسرائيل» تُخالف هذه الشّروط جميعها لأنّ:
*سُكّانها مستوردون ومُسكّنون بالقوّة، *إقليمها غير مُحدّد باعتراف »بنيامين نتنياهو«
*حكومتها لا تدخل بعلاقات دوليّة بل دعمتها وتدعمها زوراً كلّ القوى العظمى العالميّة.
المقياس العلمي الآخر الذي يشرحه عالم الاجتماع ماكس فييبر هو:
شرعيّة السّلطة من أين تُستمدُّ؟
بحسب تعريفاته المرتكزة على تاريخ الجماعات البشريّة كلّها،
لم تخلُ جماعة من وجود سلطة شرعيّة تُنظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم من حيث قبول المحكوم، الخضوع للحاكم.
يُضيف فييبر:
إنّ تبرير الخضوع في المجتمعات القديمة يعود لأمرين، لا تقبل بهما المجتمعات الحديثة بل ترفضهما وتُقاومهما إلا حيث يسود الجهل، فما هما هذان الأمران:
*الخضوع لسلطة تستمدّ شرعيّتها من الدّين (هذا ما يُفسّر تحالف السلطة السياسية مع السّلطة الدّينيّة في المجتمعات القديمة والتّقليديّة كلِّها، والخضوع لسلطة الكاريزما المتمثّلة بالقوّة النّفسيّة والجسديّة،
*أمّا في المجتمعات الحديثة يقول فييبر: إنّ الخضوع لا يكون إلّا للسلطة المُرتكزة على القوانين، لكنّ عالم الاجتماع الأميركي روبرت مارتن يُصحّحُ ويُضيف على ماكس فييبر التّالي:
*إنّ الخضوع في المجتمعات الحديثة لا يكون أيضاً للقوانين المفروضة بالقوّة لأنّ النّاس ترفضها وتُقاومها، بل إنّ الخضوع يكون فقط للقوانين التي يتشارك بتشريعها معاً الحاكم والمحكوم.
على ضوء هذه المفاهيم العلميّة التي وضعها علماء اجتماع أوروبيّون وأميركيون، يتبيّن أنّ »إسرائيل« تستمدّ «شرعيّتها» للسيطرة على فلسطين من:
*أوهام دينيّة لا يقبل بها عقل عاقل في زمن يتربّع العلم فيه على عرش الشرح والفهم والتّفسير.
*ومن قوّة مُفرطة جداً استعملت فيها كلّ أنواع الأسلحة التي أمدّتها بها القوى المسمّاة عظمى من دون استثناء
*ومن قوانين جائرة فرضتها فرضاً المنظّمة العالميّة للأمم المتّحدة والمتمثّلة بالقرارات التي أصدرتها الجمعيّة العامة أو مجلس الأمن: 181 /194 /242/ 334 / 425/ 508… والّتي جميعها خدمت »إسرائيل» لأنّها تضمّنت بنداً يعترف بوجودها ولم يُنفّذ منها أبداً البند الذي يدعوها للإنسحاب من الأراضي التي تحتلّها.
السّؤال الآن: كيف ووجِهت هذه السّلطة المحتّلة؟
هل خضع الفلسطينيّون واللبنانيّون والسّوريّون والأردنيّون والعراقيّون والمصريّون لسلطة »إسرائيل» تلك؟
أيضاً بتتابع الأحداث على مدى قرن وعشرين سنة:
لم تخلُ سنة ولم يخلُ عقد من المقاومة المسلّحة والرّفض لكلّ ما تقوم به «إسرائيل« بالّرّغم من وجود أمرين لو استُعملا في بلاد أخرى أو مع شعوب أخرى لكانت أبيدت عن بكرة أبيها منذ زمن بعيد، والأمران هما:
*استعمال كلّ أنواع الأسلحة الفتّاكة والحديثة ومن كلّ أنحاء العالم، ومجموعة حكّام في هذه الكيانات ثبّتت مفاعيل سايكس – بيكو التّقسيميّة، وأعاقت وتُعيق كلّ تنسيق مشترك بين أبناء هذه الكيانات المُصرّين على رفض الاحتلال والسّرقة المشهودة، والمتمثّلين بالمقاومين الشرفاء بالدّم، والفكّر، والتّجذّر بأرض هذه البلاد، والذين ننحني أمام صلابتهم وإصرارهم وثباتهم.
»إسرائيل» تعرف جيّداً خطورة هذا الأمر وبأنّ شرعيّتها مُعرّضة للرفض والمُقاومة لأنّها مبنيّة على: *أوهام دينيّة *وقوّة مُفرطة *وقوانين مفروضة بالقوّة، لذلك هي تسعى للشّرعيّة التي تنبع من الاعتراف بوجودها بدءاً:
*من كامب دايفيد *مرورا بوادي عربة *ووصولاً إلى «صفقة القرن».
في كلِّ هذه الإتّفاقيّات المطلوب التّسليم والاعتراف بالسّرقة وبتزوير التّاريخ لترضى عنك كلّ القوى العظمى ولتحظى بمكانة »مرموقة»، أمّا إذا رفضت وقاومت فإنّ جميع النّعوت السّيئة ستسقط على رأسك، كما سيسقط على رأسك كلّ صواريخ القوى العظمى.
من هنا تُشكّلُ التّربية تحدّياً جدّياً وكبيراً في مُقاربة مواضيع كثيرة أبرزها: موضوع الهُويّة وموضوع التّعامل مع القوى الكبرى وأيضاً موضوع المواجهة مع »إسرائيل».
لذلك نقول في الختام: ربّوا الأجيال الجديدة على ذكر فلسطين وذكر الحقائق التّاريخيّة دون تزوير مهما كانت التّحدّيّات، لأنّ شواهد التّاريخ تقول: إنّ الحقّ ينتصر ولو تآلفت ضدّه كلّ القوى الظّلاميّة في الكون.
*دكتور محاضر في الجامعة اللبنانيّة
معهد العلوم الإجتماعيّة