… وسمعنا من فلسطين نداء اسكندرونا
81 عاماً على سلخ لواء الاسكندرون و73 عاماً على قرار تقسيم فلسطين
المحامي سماح مهدي*
اجتمعت كلمات الأمين الشاعر محمد يوسف حمود وألحان الرفيق الموسيقار زكي ناصيف لتنتج نشيد «موطني يا توأم التاريخ» الذي رافق السوريين القوميين الاجتماعيين في مخيماتهم واحتفالاتهم ومهرجاناتهم على امتداد عقود، ولا يزال.
سمعنا وردّدنا ذلك النشيد عشرات المرات، وخصّصنا له ساعات وساعات لتدريب الأشبال والزهرات على إنشاده لما يحمله بين أبياته من قيَم الحق والخير والجمال، ولما يضخّه فينا من مناقب النهضة السورية القومية الاجتماعية التي تستمدّ روحها من مواهب الأمة السورية أمثال الأمين حمود والرفيق ناصيف.
وكانت، بلا شك، قناعتنا الثابتة أنّ القوميين الاجتماعيين – كلّ في مجاله – حريصون على إظهار إيمانهم العقائدي، ونشر مبادئهم بهدف تحقيق غايتهم العظمى انطلاقاً من قاعدة أساس أرساها مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده ومفادها «كلّ عقيدة عظيمة تضع على أتباعها المهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها».
وكنا متأكدين من أنّ المبدأ الأساسي الأول من مبادئ الحزب «سورية للسوريين والسوريون أمة تامة» محفور حفراً عميقاً على لوح قلب كلّ سوري يرغب في أن يرى أمته حرة، سائدة، مرتقية، لذلك جاء النشيد القومي «موطني يا توأم التاريخ» ليربط بين فلسطين والاسكندرون.
لكن، وفي لحظة تأمّل عميقة، جاء ذلك النشيد ليلفت نظرنا إلى رابط آخر. فسلخ لواء الاسكندرون عن الوطن السوري من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي بهدف إخضاعه للاحتلال التركي كان بتاريخ 29/11/1939. وفي ذات التاريخ ولكن من العام 1947 صدر القرار رقم 181 عن جمعية الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الأمم المتحدة) الذي قسّم جنوبنا السوري – فلسطين إلى كيانين الأعظم مساحة بينهما ليكون «وطناً قومياً لليهود» كما جاء في وعد بلفور المشؤوم، والأصغر بينهما ليكون مؤجلاً إلى موعد احتلال آخر.
بالطبع ليست مفاجأة، إنه ذلك التحالف الاستراتيجي بين عدوّين تاريخيّين من أعداء الأمة السورية: الأول عدو وجودي هو «الإسرائيلي» الذي يحتلّ أرضنا في فلسطين والجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، والثاني عدو حدودي هو التركي الذي يحتلّ الأراضي السورية الشمالية من الاسكندرون إلى كيليكيا وأضنة وديار بكر وسواها.
هذا الخطر الذي كان سعاده أوّل من نبّه وحذّر منه في خطاب ألقاه بداية سنة 1933 خلال حفلة تدشين النادي الفلسطيني، مظهراً الحاجة إلى معالجة القضية السورية بكليّتها ووجوب الخروج من الدائرة الضيقة التي حصرت الشركات السياسية قضيتنا القومية فيها، مصرّحاً بأنّ الخطرين الشمالي والجنوبي ـ الخطر التركي والخطر اليهودي ـ قد أصبحا مداهمين وأنّ مواجهتهما بصورة ناجحة لا يمكن أن تتمّ إلا بدرس القضية السورية درساً جديداً شاملاً ابتداء من الأساس القومي.
وللفت النظر، ففي ذلك التاريخ كان الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يزال حديث التأسيس ولا يدري أحد بنشوئه، فاعتقد معظم الذين حضروا تلك الحفلة أنّ كلام سعاده ليس سوى كلام خطيب اجتهد في تنويع كلامه، وقليلون جداً هم الذين أدركوا أنّ كلامه كان كلام خبير بعيد النظر يدرك الأخطار قبل وقوعها ويرى الإمكانيات والطرق الناجحة.
لله درّك سعاده، أوّل سطر يقع نظرنا عليه في طلب الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي مكتوب فيه «اذكروا فلسطين وكيليكية الاسكندرون وسيناء وقبرص».
وكأنك تقول لكلّ مقبل على التعاقد معك على ذلك الشأن الخطير إنّ الأرض هي شرط أساس في ذلك التعاقد، فإنْ كنت أيها المقبل حاضراً للدفاع عنها وحمايتها وتحرير المحتلّ منها فأهلاً وسهلاً بك في رحاب النهضة. وإنْ كنت غير قادر على ذلك، فافسح الطريق للمؤمنين بأنّ الدماء التي تجري في عروقهم ليست ملكاً لهم، بل هي وديعة سورية فيهم، متى طلبتها وجدتها.
أخيراً، صحيح أنّ سعاده في نهاية بلاغه بصدد تقسيم فلسطين الصادر بتاريخ 01/12/1947 قد أعلن يوم الثلاثين من تشرين الثاني يوم حداد للقوميين الاجتماعيين، إلا أنه أيضاً أعلنه يوم عبرة للأمة السورية لتتيقن من أنّ القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره. فالحق لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما تؤيده القوة.
بهذا الإيمان لن ننتظر جيلاً جديداً ليحقق النصر، سنحققه نحن، وسنسلم الأجيال القادمة أمة منتصرة بكلّ ما تحويه العبارة من معنى.
*عضوالمجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي