تسليم المتغطرس ترامب… بلقاء نتنياهو ـ ابن سلمان!
د. جمال زهران*
أخيراً… وكما سبق أن توقعنا.. اضطر ترامب المتغطرس والمغرور، أن يستسلم – من دون إعلان رسميّ وواضح ومباشر – بإعطاء التعليمات لمسؤول البيت الأبيض بالتسليم لمسؤولي الرئيس المنتخب (جو بايدن) والتعاون معهم! ولم يكن له خيار آخر كما كان يزعم، أو يزعم أنصاره! وسيضطر لاحقاً بأن يعلن هزيمته بنفسه، والتسليم بنجاح بايدن، وهو إجراء عرفي، وليس دستورياً. وبالتالي سواء اعترف أم لم يعترف، فقد أصبح بايدن رئيساً يرتب أوراقه استعداداً لتسلم السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، ويعلن تباعاً.. عن المسؤولين عن الملفات والوزارات المختلفة ذات الأولوية، كوزير الخارجية، ومستشاره للأمن القومي، وللأمن الداخلي إلخ…
لكن هذا المتغطرس الكبير (ترامب)، يسعى لإثارة المشاكل أمام الرئيس المنتخب (بايدن)، خلال الفترة الانتقاليّة، كما شرحتُ في مقالي السابق عن زيارة بومبيو – وزير خارجية ترامب للمنطقة، خصوصاً في المنطقة العربيّة ومنطقة الشرق الأوسط. ويثبت المتغطرس الكبير، والمتغطرسون الصغار أمثال (بومبيو – وزير الخارجية)، ووزير الدفاع الانتقالي الذي عُيّن في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في حركة تلفزيونيّة لا معنى لها من ترامب، وهو (كريستوفر ميلر)، الذي هو الآخر يقوم بزيارة لم يسبق الإعلان عنها، لدولتين عربيتين وهما (قطر والبحرين)، وربما تمتدّ إلى دول عربية أخرى!
بالنسبة للمتغطرس الصهيونيّ الصغير (بومبيو)، ختم زيارته للمنطقة العربيّة، بلقاء مثير، يتناقله الإعلام الصهيونيّ ويؤكده، على حين لم تؤكده حتى الآن الأطراف الأخرى التي حضرت اللقاء وهما: بومبيو (وزير خارجية ترامب)، ومحمد بن سلمان (ولي عهد السعودية)، وذلك في مدينة (نيوم) داخل الحدود السعودية في الشمال الغربي ومجاورة إنْ لم تكن ملاصقة للكيان الصهيوني والأردن). حيث تناقلت الأنباء من وسائل إعلام عديدة شهيرة وليست مغمورة، أنّ طائرة «صهيونية» حطّت عجلاتها في أرض السعوديّة بمنطقة (نيوم)، واستمرت بين (4 – 5) ساعات، نزل منها رئيس وزراء الكيان (نتنياهو)، ليلتقي مع بومبيو، ومحمد بن سلمان! ورجّحت المصادر الإعلاميّة، أن اللقاء بين ولي عهد المملكة السعودية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، برعاية وحضور وبترتيب وزير خارجية أميركا (بومبيو المتغطرس الصغير)، هو في حدّ ذاته الخبر القنبلة، لكن ماذا دار في هذا اللقاء؟! لا أحد يعرف وهناك تعتيم رسمي على اللقاء وما دار فيه! والمؤكد أن المملكة السعودية سقطت في بحر التطبيع الهائج، الذي بدأ رسمياً من قبل حينما تسلّمت جزيرتي تيران وصنافير عام 2016، والمتبقي استكمال الإجراءات التنفيذية بتبادل التمثيل الدبلوماسي وعقد الصفقات التجارية، وإن كانت حادثة في السر، بلا شك، ومثلما تقوم بفعله وبصورة فاضحة ومزرية، تلك الدويلة الصغيرة (الإمارات)!
ولكن التكهّنات تشير إلى أن هناك ترتيبات لضربات عسكرية ضدّ إيران، أو ضدّ المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله، أو لكليهما معاً. ولو صدق ذلك، لأصبحنا أمام محور عربي خليجي صهيوني برعاية أميركية في مواجهة إيران والمقاومة بشكل رسميّ، الأمر الذي قد تكون له تداعيات خطيرة حاضراً ومستقبلاً.
ولكن من الممكن ألا يكون هناك مثل هذه الحرب أو تلك الضربات العسكرية، وهو الأمر الذي نفيته ولم أرجّحه من قبل، ولكن المهمّ هو حدوث ذلك التقارب والتفاعل الرسميين بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية سواء تمّ الترتيب ضدّ إيران أو غيرها، والمتبقي هو الإجراءات لتأكيد هذا التفاعل.. لا أكثر!!
ثم أتت زيارة وزير الدفاع الانتقالي (كريستوفر ميللر) الذي حلّ محل وزير الدفاع المُقال بأمر ترامب (مارك إسبر)، للمنطقة وبدأت بزيارة البحرين وتليها قطر. ولكن قبل بدء زيارته، قام بزيارة مهمة للقاعدة البحرية الأميركيّة في البحرين، حيث اجتمع مع (صمويل بابارو)، قائد القيادة المركزية البحرية الأميركية والأسطول الخامس والقوات البحرية المشتركة. وصدر بيان، عن الأسطول الخامس، إلى أنّ الاجتماع تطرّق إلى «العمليات والشراكات في المنطقة»، وكذلك تفقد الوزير القوات والسفن.. الأمر الذي قد يشير إلى احتمالات تصعيد عسكريّ وعمليات عسكرية كبرى!! كما أن وزير الدفاع الانتقالي، انتقل من البحرين إلى قطر، بزيارة قاعدة «العديد»، التي تستضيف حوالي (8500) جندي أميركي، واجتمع مع خالد العطية (وزير الدفاع القطري)! وتشير أحاديث الإعلام لتبرير هذه الزيارة إلى أنها أتت على خلفية، ذلك التوتر الذي حدث بين البحرين وقطر، في ظلّ حادث توقيف البحرية القطرية لزورقين تابعين لخفر السواحل البحريني في الخليج! والسؤال: هل هذا يستحق زيارة رسمية لوزير الدفاع الأميركي، خاصة أنه «وزير انتقالي»؟!
وأكاد أتصوّر أن تلاحق وتتابع زيارتي وزير الخارجية ثم وزير الدفاع، الأميركي، للمنطقة، هي محاولة لتعبيد المنطقة بالمشاكل أمام بايدن ومساعديه، وإثبات مدى الولاء المطلق للكيان الصهيوني واللوبي اليهودي الصهيوني في أميركا، بأنّ ترامب يدين لهم بالولاء الكامل، وأنه يبعث برسالة لبايدن فحواها، أنه لا يمكنك التراجع عما فعلته مع الكيان الصهيوني ولأجله!!
كما يبث ترامب وصبيانه المتغطرسون برسالة، إلى أنهم في خدمة الكيان الصهيوني حتى آخر لحظة في رئاسته لأميركا وخلال الفترة الانتقالية التي هي بطبيعتها، لا تمارس فيها نشاطات رئاسية للرئيس ومساعديه.
ولذلك فإنني أرى أنّ كلّ هذه التحركات، وإن بدت خطيرة، إلا أنها ممارسة لعلاقات عامة، لا أكثر. لأنه لو تمّ توجيه ضربة عسكرية لإيران ولحزب الله، أو أيهما، فإنّ ردّ الفعل هو دمار الكيان الصهيوني كاملاً، وكذا دول خليجية، وإشعال المنطقة بشكل يستحيل السيطرة عليها حاضراً ومستقبلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.