حتى لا يكون القرار «ضحكاً على الدقون»!
} عمر عبد القادر غندور*
كان حريٌ برئيس الجمهورية أن يقول شيئاً بمناسبة عيد الاستقلال بعد أن وصل البلد الى ما وصل اليه من بأس وفقر وانعدام المسؤولية في حدّها الأدنى، وتعهّد بالسير في التدقيق المالي الجنائي الى النهاية ووجه كتاباً بهذا الشأن الى البرلمان الذي اجتمع وسارع الى ملاقاة رئيس الجمهورية بأن أصدر قراراً بالإجماع بضرورة إجراء التدقيق المالي الجنائي ليس في المصرف المركزي وحسب بل في جميع إدارات الدولة والمجالس والبلديات بناء لاقتراح الرئيس نبيه بري.
بات بوسع حكومة تصريف الأعمال الآن ان تراجع شركة التدقيق المالي وتدعوها مجدداً الى المباشرة بمهامها بعد قرار المجلس النيابي، او أن تتعاقد مع ايّ شركة أخرى.
السؤال: ما هو السند القانوني لقرار المجلس النيابي؟ وهل يرتقي الى التوصية؟ او الاثنين معاً؟ وهل يكون ملزماً للأطراف المعنية لتقديم ما لديها من وثائق ومستندات.
وكان قانون السرية المصرفية أقرّ في أيلول من العام 1956 وكان الهدف منه تشجيع استقطاب الأموال في الداخل والخارج ليكرّس دور لبنان كنموذج اقتصادي ليبرالي حر في جوار شمولي يعتمد النموذج الذي يناسبه.
وبموجب هذا القانون تمتع 1,715,283 حساب مصرفي لبناني بحماية منعت الكشف عن عملياتهم المصرفية إلا لأسباب استثنائية.
إلا انّ المعلوم والمسلّم به انّ القرار لا يلغي قانون، ويبقى قراراً أشبه بقرارات تشكيل اللجان التي تتشكل عادة لدفن ولفلفة سرقة أو فضيحة أو ما شابه!
وفي حال الإصرار على تنفيذ قرار البرلمان ما هي آليات تنفيذه وهل يخضع لمهل زمنية؟
وفي مثل هذا الواقع يمتنع مثلاً حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عن تسليم ايّ مستندات بذريعة السرية المصرفية…لأنّ القرار لا يلغي قانوناً.
وحتى لا يكون القرار البرلماني مجرد قرار لا سند له ولا قوة قانونية، لماذا لا يتحوّل الى مشروع قانون ليس بحاجة للإحالة الى اللجان لدراسته وتحويله الى مشروع قانوني بمضمون قرار البرلمان بشأن رفع السرية المصرفية.
انّ لبنان لا يمرّ بحالة استثنائية وحسب، بل هو في جحيم فساد ارتفعت فيه نسبة البطالة الى ما يزيد على الأربعين بالمئة ويعجز المواطنون عن دفع تكاليف تعليم أولادهم وعن توفير لقمة عيشهم في ظلّ الدعم للسلع الغذائية المهدّد بالتوقف نهاية العام الحالي، ويرزح لبنان تحت ديون تصل قيمتها الى 92 مليار دولار ما يشكل نحو 170% من الناتج المحلي، فيما صادرت المصارف ودائع اللبنانيين من جنى العمر، وهو ما لم يحصل حتى في الصومال.
وحتى لا يكون قرار البرلمان اللبناني عن رفع السرية المصرفية عن المسؤولين في الدولة «ضحك على الدقون» ومجرد قرار لا مسوغات قانونية له، نتمنى على دولة الرئيس نبيه بري ان يُفعّل هذا القرار ويحوّله الى مشروع قانون يشمل كلّ من يتعاطى الشأن العام، كموظفين وغيرهم من الشركات والمؤسسات والأفراد الذين عملوا مع الإدارات الرسمية ووضع حدّ للفساد المستشري في المؤسسات العامة، وهو الذي أدّى الى الانهيار الاقتصادي غير المسبوق ولم يعد لدينا ما نرقعه.
*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي