توالي الدعوات لحوار وطنيّ لإنقاذ تونس من الوضع المتردّي
تتالت الدعوات في تونس، من أطراف سياسيّة واجتماعيّة، إلى «ضرورة عقد حوار وطني للحدّ من التوتر الذي بات يشهده المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد، وفي ظل العلاقة المتوترة بين مكونات المشهد السياسي ومؤسسات الحكم».
وتعدّدت المبادرات المطروحة في تونس لعقد مؤتمر وطني للإنقاذ أو حوار سياسي واقتصادي واجتماعي وسط تساؤلات عن جدية الدعوات ومدى جدواها خاصة أن لتونس تجارب سابقة كالحوار الوطني للرباعي سنة 2013 ووثيقة «قرطاج 1» و»قرطاج 2».
وقد اقترحت حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي على رئيس الجمهورية قيس سعيّد مبادرة لحوار وطني اقتصادي اجتماعي قصد «التوصّل إلى خطّة وطنيّة لإنقاذ البلاد من الوضع المتردّي».
وأوضح الحزبان أنهما يطمحان من خلال هذا الحوار الوطني إلى الخروج بمقترحات تقود إلى فتح الكثير من الملفّات المتعلّقة بمنوال التنمية والاقتصاد الموازي والاقتصاد الرّيعي وإشكاليّات المنظومات الصّحية والتربويّة وإشكاليّات الصناديق الاجتماعية، بهدف أن تقع ترجمتها إلى قوانين وأوامر ترتيبيّة وتبنّي سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة جديدة تؤسّس لمنوال تنمويّ على مشارف سنة 2030.بدوره يستعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق «مبادرة وطنية»، يعمل على إعدادها فريق من المختصين لتحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلاد.
وقد حظيت مبادرة الاتحاد بترحاب من رئيس الجمهورية في آخر لقاء جمعه بأمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي، كما حظيت بترحاب عدد هام من الأحزاب السياسية.
من جهته، دعا رئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى «حوار وطني واقتصادي واجتماعي يجمع الحكومة والبرلمان والمنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية من أجل تحقيق المطالب الحيوية للتونسيين، وذلك في كلمة استهلّ بها السبت خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية والموازنة العامة للدولة لسنة 2021».
وأضاف أن «هذا الحوار يمثل ضرورة ملحّة، وكفيل بوقف التدحرج ووضع البلاد على سكة الإصلاحات الكبرى»، مشدداً على «ضرورة أن يكون عنوان الحوار الوطني هو الأولويات الاقتصادية والاجتماعية».
وأكد أن «مطالب التنمية المحلية والعدالة الاجتماعية، وتحسين ظروف المعيشة مشروعة لأبناء الشعب التونسي، لكنه شدّد على ألا تخرج الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق عن إطارها لتهدّد السلم الأهلي ووحدة الدولة واستقرار مؤسساتها».
وعلى خلفيّة تواتر التّصريحات من مسؤولين في الدّولة بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار السياسي والاجتماعي والاقتصادي أكد عدد من نواب الشعب بالبرلمان أن الحوار الوطني على أهميته يجب أن يكون وفق شروط معيّنة تضمن له أسباب النجاح ويطرح حلولاً اقتصاديّة واجتماعية، إذ اعتبر النائب المستقل، حاتم المليكي، أن الحوار السياسي هو «دائماً عملية تحيّل من الأطراف السياسية، لأنّه إعادة خلط للأوراق السياسية ولتوزيع الأدوار وإيهام للمواطن بإيجاد الحلول».
من جهته، ذكر النائب عن كتلة قلب تونس جوهر المغيربي بالحوارات السابقة، على غرار الحوار الوطني للرباعي والحوارات المتصلة بوثيقة «قرطاج 1 و2»، التي قال إنها طرحت كل الحلول والمقترحات الاجتماعية والاقتصاديّة، داعياً إلى «ضرورة الذهاب اليوم، نحو تنفيذ وتفعيل ما تمّ الاتفاق بشأنه سابقاً».
أما النائب عن كتلة الإصلاح حسونة الناصفي فقد أكد أن «إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لا يكون إلاّ بحوار شامل، معنية به كل الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان وخارجه والمنظمات الوطنية والاجتماعية». واعتبر أن «الوضع الاجتماعي والاقتصادي اليوم أصعب من أي وقت مضى وقد تكون هنالك إجراءات موجعة، مما يتطلّب الجلوس إلى طاولة الحوار لتحديد الأولويات وسبل المشاركة فيه».
من جانبه قال النائب عن حركة النهضة بلقاسم حسن إنه «لا يمكن للحركة إلا أن تكون مع حوار وطني مسؤول، وأن يكون من دون شروط مسبقة وعلى أرضية وقائع حقيقية».
وكان الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أكد أن «المبادرة ستكون مغايرة للحوار الوطني، الذي رعاه الاتحاد عام 2013 مع كل من اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان، مما أدى إلى وفاق وطني».
وشدّد على أن «هذه المبادرة ترتكز على مرجعية الشرعية الانتخابية ودولة القانون والمؤسسات».
يقول في هذا السياق المحلل السياسي بولبابة سالم إن «تونس تحتاج إلى حوار وطني في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لأن هناك إجراءات وإصلاحات موجعة تتطلب توافقاً وطنياً»، وفق تقديره.
وشدّد على «ضرورة أن يكون رئيس الدولة قيس سعيد الراعي للحوار باعتباره رئيس كل التونسيين، معتبراً أن الدعوات إلى حوار وطني لقيت صدى عندما طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل من كل الأحزاب، ذلك أن التونسيين يعتبرون أن الاتحاد والمنظمات الوطنية الإنسان صمام أمان، إزاء المنزلقات السياسية الخطيرة التي تتربص بالبلاد كلما احتدت الصراعات بين الأطراف المكونة للمشهد في تونس».
في المقابل اعتبر بولبابة سالم أن «الدعوات الأخرى تحمل حسابات ومزايدات سياسية كما أن هناك أحزاباً فاشلة في الانتخابات تحاول في نظره، إرباك المشهد السياسي وتبحث عن التموقع من جديد وتريد تجاوز نتائج الصندوق».
يُذكَر أن «رئيس الحكومة هشام المشيشي أكد في كلمته بمناسبة الانطلاق في مناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 أن الشعب قد ضاق ذرعاً بسبب انعدام الاستقرار السياسي الذي يمثّل المعضلة الحقيقيّة أمام كل الإصلاحات»، واعتبر أن «الصراعات وانعدام الثقة بين الفرقاء السياسيّين، يضاعف الضغط على واقع البلاد الاجتماعي والاقتصادي».
فيما يبقى التساؤل حول إمكانية نجاح الحوار الوطني في الحدّ من توتر المناخ السياسي ويقلص من تعكر الأجواء، خاصة في ظل اتساع دائرة الخلافات وتفاقم القطيعة بين مؤسسات رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة..