د.هناء عبد الخالق لـ «البناء»: «فن التجهيز رؤية جديدة للواقع والحياة»
حوار نبيل المقدم
ولد «فن التجهيز» من خلال أعمال فنية تتميّز بروح البحث والتجريب، وتثير الدهشة لدى المتلقين. فن يضع العنصر اليومي خارج سياقه المعتاد، ليخلق له معاني جديدة، ويسلط الضوء على ما تمتلئ به الحياة من أشياء صغيرة لا تُعطيها أهمية لكنها مع ذلك تشكل جزءاً كبيراً من اهتمامنا.
حول هذا الموضوع كان هذا الحوار مع الدكتورة هناء عبد الخالق التي سلطت الضوء مؤخراُ على هذا الفن من خلال كتابها «فن التجهيز إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي».
نحن اليوم نتحدث عن موضوع قد تكون معرفته محصورة بمن يتعاطون في الفن التشيكلي أو ما شابه .
{ هل لنا أن نلقي نظرة عامة على النوع من الفنون؟
قبل دخول غمار فن التجهيز لا بد من العودة إلى الماضي، منذ التغييرات التي شهدتها الحضارة الغربية، نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم أزمة العلاقة بين الفن والمجتمع في أوروبا.. في بداية الستينيات من القرن الماضي، حين بدأ مفهوم جديد للأشياء يتشكل في ذاكرة الفن التشيكلي، وخرجت الأشياء من هدوء الطبيعة الصامتة في اللوحة التقليدية، إلى ضجيج الحياة اليومية المعاصرة. فأصبحنا نلمس الجمال المنفرد للأشياء أو الجو الخاص بها، من خلال العديد من الاتجاهات الفنية، ومن خلال أجيال شابة من الفنانين. وهذا أدى إلى التشكيك بوظيفة الفن ودوره.
{ ما هي مصادر هذا الفن وما هي فلسفته؟
فن التجهيز هو أحد فنون ما بعد الحداثة ومن أبرز اتجاهاتها المعاصرة. هو وليد كل هذه التغيرات التاريخية، السياسية، الاجتماعية والاقتصادية. هو نتيجة تطور المفاهيم والقيم الجمالية لدى الفلاسفة والمفكرين، وكذلك المجتمع ونظرته إلى الفن نظرة فنية مبنية على فكر معاصر.
فن التجهيز هو أحد المظاهر المثيرة في فنون العصر الحديث تميّز بإنشاء العمل الفني في علاقة مترابطة بالبيئات الكاملة، كأحد التطورات الهامة لمزج الفن بالحياة. فن التجهيز هو فن يرفض التركيز على أحد الأشياء كموضوع مستقل في سبيل التفكير في العلاقات القائمة بين العناصر ومصادرها وتفاعلها مع الأسس التصميميّة التي يرتكز عليها هذا الفن.
{ هل هو رؤية جديدة للواقع والحياة؟
لقد تحرّرت الفنون التي تعتمد على الوسائط المتعدّدة، ومنها فن التجهيز من كافة القيود المتوارثة، وأظهرت رؤية جديدة للواقع والحياة وتأثرت بالعلم والتكنولوجيا في نظرتهما للمكان، مما غير من طبيعة الفنون المكانية، بعدما فجرت موقعها التقليدي إلى فضاء أوسع، وبعد إضافة الزمان بوصفه بُعداً رابعاً للمكان. فأصبح يعج بالحركة وينطلق بالقوى والإمكانات، وهذا ما أدى إلى النحت الفضائي، من خلال الاعتماد على الفراغ في تشكيل علاقات مختلفة مع الكتلة، وبإضافة مواد جديدة لينتقل إلى البعد التحديثي ذي الإيقاع المتسارع للتراكم المعرفي، بحيث تخطى ما هو معهود إلى حد بات يُنعت بالضبابي واللامعقول.
{ ما هو موقع هذا الفن بين الفنون في لبنان؟
فن التجهيز بات اليوم لغة عالمية تلامس حياة الإنسان اليومية وتُحاكي تطلعاته. ولأن أهمية أي عمل فني تكمن في عملية التواصل بين طرفي المعادلة الفنية، أي بين المبدع والمتلقي، وأن الواقع في لبنان يُشير إلى وجود فجوة كبيرة بين بعض الأساليب الحديثة في الفنون البصرية، ومنها فن التجهيز وبين المتلقين. فإننا أصدرنا كتاباً بعنون «فن التجهيز إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي». وقد تبنى هذا الكتاب مرحلة ما بعد الحداثة والظروف التي قادت إليها، والتي أنبثق منها فن التجهيز وأسس هذا الفن ومرتكزاته.
لقد حفلت الخارطة التشكيلية لفن التجهيز في لبنان، بتنوع المواضيع والأشكال الإبداعية والتقنيات العملية المتنوّعة، لفنانين لبنانيين، نشروا مسيرتهم في لبنان وأماكن أخرى في العالم. هذا التوجه الجديد فرض نفسه على الفن التشكيلي، ليس في قاعات العرض فحسب. بل في الأماكن العامة في بعض الأحيان. هذه الأعمال المركبة والمجهّزة، التي تتكوّن من أجزاء عدة، تتخللها عروض فيديو ومؤثرات صوتيّة، إنها ثقافة تشكيلية ورؤية بصرية تنبض بجو فني راق.
{ أين تكمن الفرادة في فن التجهيز؟
العمل التجهيزيّ كل متكامل، كل عنصر فيه يرتبط بالآخر ليشكل جمالية وقيمته الفنية، لأن الجمال يتشكل بناء على اجتماع عناصر متعددة ويرتبط إدراكه بجملة من الظروف والمؤثرات الداخلية والخارجية، كما تشترك في إدراكه وتذوقه حواس مختلفة تتفاعل مع القلب والعقل لتخرج بالتصور الجمالي والمتعة الفنية المنشودة.
الضيفة في سطور:
– د.هناء عبد الخالق.
– فنانة تشكيلية لبنانية.
– استاذة في كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية.
– أقامت ثلاثة معارض فردية وشاركت في العديد من المعارض في لبنان والخارج.