التعليم عن بُعد: بين بثّ الحياة في الموادّ وتقليد الصف
} رامزا محمد صادق *
يشهد العالم منذ الربع الأخير من القرن الماضي سلسلةً من التحوّلات في إطار إعادة الهيكليّة والتقنيّات المستخدمة في مجال التربية والتعليم. فأصبح على المؤسّسات التربويّة أن تحيا بالكمبيوتر من حيث إدارة المؤسسة بمرافقها، والاستعانة به كوسيلةَ تواصلٍ تعليميّةً وعصرنةٍ لعملية التعلّم.
إلى أن انتشرت الجائحة بسرعة كبيرة بين الناس من خلال التواصل المباشر مع شخص مصاب ممّا استدعى تعليق الدراسة في المدارس والجامعات تجنّباً لانتشار الفايروس بين الطلّاب.
ومع بداية العام الدراسيّ 2020-2021، لا يمكن الوثوقُ بإعادة فتح المدارس والمعاهد والجامعات بشكل طبيعيّ في ظلّ توسّع رقعة انتشار الفايروس. لذلك أصبح التعليم عن بُعد أولويّةً وحاجةً ضروريّة.
لكنّ لهذا النوع من التعليم القديم «المتجدّد» نظامُه وقوانينُه ووسائلُه وأساليبُه. ويتوجّب على الإدارة والهيئة التعليمية والتلامذة والأهل احترامها، والتعاون على تطبيقها بهدف اكتساب الطالب أكبرَ قدْرٍ ممكنٍ من المعارف والكفايات.
الانضباط الذاتي
يُعنى بالانضباط الذاتي تلك التصرفات المسؤولة التي يتحمّلها الطالب اليوم في الوضع المستجد بحيث يسعى لإتمام واجباته والانتظام بساعات التعلم، بذلك هو عامل نجاح وتطوير الذات خصوصاً عبر التقنية الالكترونية.
مفاهيم الانضباط الذاتي تتلخص باجراءات محددة متوجبة على الطلاب من أجل تسهيل عملية التعلّم عن بعد ومنها:
– الديناميكية في المتابعة والتواصل الإيجابي في الطرح والشرح والفروض.
– التركيز على أهداف هذه العملية، وذلك عبر مساعدة الأهل.
– إعطاء المساحة الكاملة للدروس دون إهمالها أو الانشغال عن الدراسة.
– اعتبار نموذج التعلم عن بعد هو تجربة قابلة للتجديد والتغيير.
– وأخيراً، يقع على الطالب المسؤولية الأكبر في هذه العملية من خلال اعتماد أنماط السلوك المتعارف عليها في الصفوف الحضورية، طلب الإذن قبل الإجابة والسؤال، الابتعاد عن الأسئلة التهكمية لاضاعة الوقت، كما يتوجب عليه احترام ساعة الأستاذ ووقته والمادة.
من ناحية أخرى يرى البعض أنّ الضبط الالكتروني الأستاذ خلال التعليم عن بُعد، حيث تكمن مشكلة التوجّه المباشر إلى التلميذ بالانضباط وتعديل سلوكه. ويؤدّي ذلك إلى عدم التمكّن من إدارة الوقت بصورة كاملة، ومن ثمّ إلى فشلٍ في تحقيق الأهداف المرجوّة من الحصّة الدراسية. هنا يتبلور دورُ الطالب نفسه في العمل على تنمية مهارة الإصغاء، المرتبطة بالانضباط الذاتيّ، بحيث يصبح تدريجيّاً قادراً على تحسين سلوكه أمام الشاشة من دون ملاحظات الأستاذ.
بثّ الحياة في المواد الدراسيّة
تسيطر على مخيّلة الأستاذ خلال تحضيره الفصولَ الدراسيّةَ التقليديّةَ مشاهدُ من الحوار والمناقشاتِ الحيّة مع طلّابٍ يرفعون أيديَهم لطرح الأسئلة. لكنّه، اليوم، يواجه تحدّياتٍ تحتّم عليه أن ينتقي من الوسائل والطرائق ما يناسب التعليمَ من خلف الشاشة. من هنا، يستطيع المعلّمُ الاستفادةَ من مميّزات التعليم عن بُعد، كما يستطيع الحصول على نتائج باهرة عن طريق وسائل عمليّة مثل وسيلة العرض والفيديوهات والألعاب التربويّة الإلكترونيّة والندوات والمحاضرات وحلّ المشكلات، ومن هنا نتطرق إلى مميزات التعلّم عبر الشاشة:
تعليمياً؛ اعتماد سياسات تعليمية جديدة أكثر حيوية وانفتاح، والسماح بالتواصل عبر تقنية الشاشة بمعايير حديثة في المناقشة والشرح.
تكنولوجياً؛ أضفت هذه التقنية مفهوم العملي للتطبيق الاكتروني من خلال اعتماد الطالب بالدرجة الأولى استخدام متواصل للهواتف الذكية والكومبيوتر وبذلك يتعرف دوماً على أحدذ التقنيات التكنولجية.
نفسياً، خففت عملية التعلم عبر الشاشة وطأة الضغط النفسي الذي يعيشه الطالب ما قبل فترة التقويم.
إلى جانب ذلك يمكن استخدام طريقة «الصف المعكوس أو flipped learning» التي تعدّ طريقة فعّالة لاكتشاف القدرات المهاراتية لدى الطالب، ويمكن تعريفها هي تقنية حديثة يعتمدها الأستاذ وتكون عبارة عن فيديو، أو نص ملخص عن الشرح اليومي يسبق موعد الدرس وهي تحضيرية للطلاب. بالتالي كل هذه الطرائق التكنولوجية التربوية تسمح بدمج المفاهيم بمواقف ووضعيات أخلاقية واجتماعية بالمعرفة والخبرة وشغف التعليم،
تعزيز الدافعيّة عند المتعلّمين
تعتبر النظرية المعرفية المطبقة تربوياً أن الإنسان كائن عاقل له القدرة على اتخاذ القرارات بشكل واعي وهذا النشاط العقلي للكائن البشري يغذيه بالدافعية.
كيف يعزّز المعلّم الدافعية لدى الطالب خلال التعليم عن بعد؟
للتعليم عن بعد خصائصه في تنمية دافعية التعلّم والعطاء لدى الطالب… إذا كانت عملية التحفيز خلال التعليم الحضوري قائمة على التوجيه والحاجات الطالبية والتشجيع والسلوك..هي مبنية على العامل النفسي خلال التعليم عن بعد لان هذا النوع من التعليم يسهّل التواصل بين المعلّم والتلامذة علماً أنه لا يوفّر تواصلا حضورياً ومباشراً وهنا تكمن أهميته لماذا؟
إنّ معظم المتعلمين يواجهون صعوبة في المشاركة الصفية حضورياً لأسباب نفسية متعلّقة بالخجل أو بعدم الثقة بالنفس ولأسباب تتعلّق بشخصية المعلّم.. لذلك إنّ التعليم عن بعد يتيح الفرصة أو بمعنى آخر يحرّر التلميذ من القيود التي تمنعه من المشاركة والتفاعل وهنا دور المعلّم في التحفيز واستثارة الطالب ودفعه للإبداع تقبّل أفكاره وأجوبته وأسئلته.
إذاً يخلق التعليمُ عن بُعد عند المتعلّم حالةً من الملل. ويعود ذلك إلى الوقت الطويل الذي يقضيه أمام الشاشة من دون أيّ تفاعل يُذْكَر، بسبب انعدام التفاعل مع حركات جسدية. من هنا، فإنّ تعزيز الدافعيّة هو من مهامّ المعلّم الأساسيّة. فعند اختياره أدواتِ التقويم المناسبة لقدرات طلّابه ومهاراتهم، يكون قد ساعدهم على إظهار مميّزاتهم الإبداعيّة، ما يسهّل عليه تقويمهم.
العلامة لم تعد هدفاً
دخل التقويمُ مؤخّراً في إطار مفهوم «العلاج»، بمعنى التصحيح التعليميّ والوقاية التعليميّة والتنشيط التعليميّ. وهذه تركيبة شاملة سُمّيَت «التقويم التكوينيّ.» خلال التعليم عن بُعد، ليست العلامات هدفاً في ذاتها، وإنما هي مؤشِّرات على مستوى التعلّم والعمل على اجتياز العقبات.
كيف نقوّم عن بعد؟ يمكن الارتكاز على الاختبارات الشفهيّة عن طريق طرح أسئلة مفتوحة واختبارات الكتاب المفتوح والمقال والنقاش وحلّ المشكلات والإختبارات القصيرة. هذه الطرائق تحفِّز الطالب على التحليل والتركيب. وبذلك نعمل على تنمية المهارات الفكرية العليا التي حدّدها عالم النفس التربوي بلوم (الذي صنّف الأهداف التربوية ضمن مستويات عقلية)، وتقع في هرم العمليّات الفكريّة وتنشيط الذاكرة وتكبير مساحة الدماغ وتنمية المرونة الذهنيّة.
خلاصة
التعلّم عبر الشاشة فرض استخدام التكنولوجيا من أجل تعزيز مفاهيم جديدة، لم تكن سابقاً بعيدة عن التحقيق لكنها لم تفرض كما فرضتها جائحة كورونا، لذا يتعيّن الاستخدام الجيد لهذه التقنية في التعليم لتعزيز القدرة التعليمية على استيعاب التطور والتجديد في الحقول التربوية والتعليمية، كما أنّ استخدام التكنولوجيا للتعليم يعطيه ديناميكية لم تكن موجودة سابقاً، ويصبح البديل الأبرز في الحالات والظروف الاستثنائية التي قد تطرأ على أيّ مجتمع. ومن الضروري التشدّد في تصويب بوصلة التعلم عن البعد في السنوات المقبلة وتحسينها للأفضل لإنتاج قطاع تربوي الكتروني قائم بحدّ ذاته ويتمتع بجميع معايير التعليم الصحيحة، مع التقييم الدائم والتطوير المستمر من أجل تقديم الأفضل للطالب والأستاذ على حدّ سواء.