لقاء مفتوح مع الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في مقرّ اتحاد الكتاب في دمشق
غصن: لمضاعفة الجهود والتعاون الدولي في مكافحة كورونا والكفّ عن الاعتداء على حقوق العمال وصرفهم بحجة الوباء
} إنعام خرّوبي – دمشق
نظم اتحاد الكتاب العرب، في مقرّه في دمشق، حواراً تفاعلياً مفتوحاً بعنوان «الحوار الاجتماعي ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة» مع الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن، بحضور عدد كبير من الأدباء والكتاب والباحثين والنقابيين.
واستهلّ غصن اللقاء قائلاً: «لقد وجدت مقاربة هذا الحوار من محورين أساسيين يشغلان هموم المجتمع: الهم الأول أهمية الحوار الاجتماعي بما يتصل بواقعة جائحة فيروس كورونا المستجد وأثره على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، دون الدخول طبعا في المجال الطبي حيث لهذا الموضوع من الأطباء والعلماء والاختصاصيين ما يسبر أغواره.
أما الهم الثاني فيتناول وجوب الحوار بين شركاء الإنتاج في ظل العولمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية على العمال».
دور المنظمات النقابية
في المحور الأول، أكد غصن أهمية «دور المنظمات النقابية العمالية في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد في ظلّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وأثرها على سوق العمل والتسبب بارتفاع معدلات البطالة واتساع دائرة الفقر في المنطقة العربية الناجمة عن تفشي هذا الوباء الخطير».
كما رأى ضرورة «إبراز القصور في التعاون بين مختلف الأطراف للتصدي لهذا الوباء في كافة أرجاء المعمورة، وقد أظهرت الأزمة أنّ الإدارة المرتجلة وانعدام المشاركة في التخطيط وغياب الشفافية في الإنفاق العام وتحديد أولوياته وكذلك سوء إدارة المال العام، كلها عوامل أدت إلى سرعة تفشي هذا الوباء بل زادته انتشارا وعمقا في بعض الأحيان».
ورأى أنّ الوقت «مناسب لإعادة النظر في أولويات الإنفاق العام ووضع سياسات هادفة لتحقيق النمو الاقتصادي الكلي والتنمية الشاملة، وتطبيق سياسات مالية جديدة تهدف إلى دعم القطاعات الإنتاجية وتحفيز القروض التفضيلية وضماناتها، وإعادة النظر بالأنظمة الضريبية التي تمكن المجتمعات من مواجهة الكوارث والأوبئة والحالات الطارئة الأخرى، وقد أشار تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي لغرب آسيا «إسكوا» هذا العام (٢٠٢٠) إلى «أن من المتوقع مع تفاقم أزمة «كوفيد– 19»، لا سيما في دول المشرق العربي، أن يقع ما يقارب 8.3 مليون شخص إضافي في براثن الفقر، كما ستفقد المنطقة ما لا يقل عن 1.7 مليون وظيفة. ومن المتوقّع أيضا وصول عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 100 مليون شخص، بزيادة ما يقرب 10% على الرازحين دون هذا الخط، فيما المطلوب وفقا لبرنامج الأمم المتحدة خفض هذه النسبة، لا بل القضاء كليا على الفقر المدقع بحلول العام 2030، في منطقة تستعر فيها الحروب والنزاعات المسلحة، ما يؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في هذه البلدان، لا بل إلى ازدياد حدّة النزاعات واستدامتها في ظلّ هذا الواقع المرير».
وسأل: «كيف لغالبية الدول العربية، خصوصاً تلك التي ترزح تحت أعباء البطالة والمديونية الثقيلة، أن تتمكن من معالجة مشكلة تزايد الفقر وانعدام النمو الاقتصادي وتبعات مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا، في الوقت الذي لم نرَ تحركاً تضامنياً عربيا لإنشاء صندوق إقليمي للتضامن الاجتماعي يهدف إلى دعم البلدان الأقلّ نمواً والمعرّضة لخطر تفشي هذا الوباء، بما يوفّر لها الإغاثة في حالات نقص المواد الطبية والغذائية والطوارئ الصحية، كما لم نشهد تحركاً على مستوى الخطر الداهم من قبل الصناديق والمؤسسات المالية والإنمائية العربية القائمة، وكذلك المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، لتوجيه استثماراتها نحو القطاع الصحي وكذلك دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والعمل على المساعدة لإعادة هيكلة سداد الدين العام وخفضه، بما يسهم في تخفيف الأعباء المالية عن هذه البلدان، ويتيح لها معالجة تداعيات جائحة كورونا»؟
وتابع غصن: «رغم أن المبادرات الوطنيّة لاحتواء تفشي هذا الوباء في العديد من البلدان العربيّة كانت فورية وجديرة بالثناء، إلا أن جائحة فيروس كورونا كشفت هشاشة الأنظمة الصحية القائمة غير القادرة على التصدي لهذا الوباء، ما يستوجب مسارعة الحكومات إلى تعزيز نظم الحماية الصحية والاجتماعية، بدءاً من توسيع شبكات الأمان الاجتماعي والرعاية الصحية الشاملة وتأمين السكن بالكلفة الأدنى، ودعم المعوزين والفقراء والفئات الهشة والمهمشة والنازحين واللاجئين، والنهوض بالمشاريع الصغيرة وحمايتها من الإفلاس، ودفع عجلة الاقتصاد بما يحول دون انهيار اقتصاديات هذه البلدان».
ولفت إلى أنّ جائحة كورونا «كشفت فضيحة مدوية حيث تبين أنّ ما يزيد عن 55% من سكان العالم لا يحظون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، كما أنّ حوالي 40% من الناس لا يتمتعون بالتغطية الصحية الملائمة، ولا تتمكن النسبة العظمى من العمال والأجراء في العالم تحمّل أوزار البطالة أو العيش بنصف راتب. وبالتالي هم مجبرون على العمل حتى ولو تعرضوا وعرّضوا حياتهم وحياة من حولهم لخطر الإصابة بالمرض، فهم بكل الأحوال بحاجةٍ إلى العمل من أجل تامين لقمة العيش».
وقال غصن: «في موازاة خطر الإصابة بهذا الفيروس القاتل لا يجب الاستهانة بالضائقة الاجتماعية والمعيشية التي سوف يواجهها عالم ما بعد جائحة كورونا، حيث من الضروري استباق المرحلة وإعطاء الأولوية لصياغة أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة وإعداد برامج تسهم في التخفيف من حدّة الأزمة وتحقيق التنمية المستدامة».
وعبر غصن باسم الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب «عن تضامننا مع عمال وشعوب الوطن العربي وفي كافة أرجاء المعمورة»، مثمنا «التضحيات الجمة التي يقدمها أولئك الذين يقفون على خطوط التماس في مواجهة هذا الوباء القاتل من أطباء وممرضين وممرضات وموظفين وعمال ومتطوعين». وطالب «بمضاعفة الجهود والتعاون الدولي في مكافحة ومنع تفشي هذا الوباء وتأمين صحة وسلامة البشر والكف عن الاعتداء على حقوق العمال وأجورهم واستغلال أصحاب العمل الظروف الاقتصادية الصعبة السابقة لجائحة كورونا، ذريعة لتسريح العمال وتقويض الحقوق والضمانات الاجتماعية للأجراء وزيادة الضائقة الاجتماعية والمعيشية على محدودي الدخل، وجعل العمال يدفعون تكلفة الأزمة الاقتصادية والتداعيات الناجمة عن تفشي هذا الوباء المقيت».
كورونا والعمال… معاناة فوق المعاناة
وأضاف: «تأتي جائحة كورونا لتضيف على الطبقة العاملة، معاناة فوق معاناتها، ففي الوقت الذي توقعت منظمة العمل الدولية زيادة البطالة العالمية بنهاية العام 2020 نحو 200 مليون شخص، وأن الحماية الاجتماعية الملائمة لا تغطي سوى 27% من سكان العالم، وأنه في كل عام يفقد حوالي 2.3 مليون عامل حياتهم، فضلاً عن الأعباء الثقيلة المتمثلة في الأمراض المهنية، جاءت تحذيرات المنظمة العالمية من النتائج المدمرة التي ستخلفها الجائحة على العمال، حيث أكدت أن سوق العمل يواجه «أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية»، متوقعة أن تؤدي أزمة وباء فيروس كورونا المستجد إلى إلغاء 6.7 في المئة من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين وظيفة في الدول العربية، إذ أن الإغلاق الجبري لأماكن العمل وتوقف دورة الإنتاج في العديد من دول العالم بسبب تفشي الوباء انعكس سلباً على أكثر من 81% من القوى العاملة العالمية والبالغ عددها 3.3 مليار انسان، فخسر الملايين من العمال أعمالهم. كما أوضحت المنظمة أن أكثر العمال تأثراً يتركزون في قطاعات محددة منها: قطاع الغذاء والفنادق (144 مليون عامل)، وقطاع البيع بالجملة والتجزئة (582 مليونا)، وقطاع خدمات الأعمال والإدارة (157 مليوناً)، وقطاع التصنيع (463 مليونا)، حيث أنّ تلك القطاعات تشكل نحو 37.5% من التوظيف العالمي حسب تقارير موثوقة. بالإضافة إلى العمال في القطاع غير المنظم».
ودعا غصن العمال العرب وعمال العالم «إلى الوحدة والتضامن في مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة الناجمة عن هذه الجائحة المدمرة»، مطالبا «الحكومات ومنظمات أصحاب العمل، إلى تأمين أعلى معايير الصحة والسلامة المهنية جنبا إلى جنب مع تأمين فرص العمل اللائق والحماية الاجتماعية و تحقيق المزيد من الإنجازات والمكتسبات، لرفع مستوى المعيشة وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، تحقيقا للكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وضمانا للاستقرار والسلام العالمي».
كما دعا «عمال الوطن إلى مواصلة العمل والكفاح من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات النقابية، وتحقيق المزيد من المكتسبات لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وصيانة وحدة الحركة النقابية العربية واستقلاليتها وديمقراطيتها، وتعزيز التزامها وارتباطها بقضايا العمال والمجتمع، ومواصلة الجهود الرامية إلى تطوير الحركة النقابية العربية، وتمكينها من مواكبة التحديات التي تفرضها المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية والتكنولوجية، لمواجهة تفشي البطالة وتفاقم بؤر العوز والفقر ومستنقعات الجهل واتساع الفجوات في المجتمعات العربية.
التوازن بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية
وهذا يتطلب تعزيز وحدة الحركة النقابية العربية وتطوير بناها وشعاراتها وآليات عملها، وذلك عبر صوغ استراتيجية نقابية عربية، تهدف إلى تحقيق التكامل والتوازن بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بما يتلاءم مع المتغيرات التي فرضتها جائحة كورونا، خصوصا لجهة أنماط العمل الجديدة وأبرزها «العمل عن بعد»، خارج مواقع العمل، والذي يحتاج إلى نقاش معمق لا يتسع المجال في هذه الندوة لتناوله».
كما دعا «إلى المزيد من التعاون بين مؤسسات العمل العربي المشترك وبذل الجهود لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي وإقامة السوق العربية المشتركة، وتعزيز الدور الاقتصادي والاجتماعي للقطاع العام وتطويره وتخليصه من الشوائب والسلبيات والعوائق البيروقراطية، باعتباره ضمانة للاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني والقومي».
العولمة الاقتصادية وآثارها
في المحور الثاني، أشار غصن إلى «أن الحوار الاجتماعي حول أثر العولمة الاقتصادية والتداعيات الاجتماعية الناتجة عنها، يبقى المرتكز الأساس للبنية التنموية في الوطن العربي والمسرى الإلزامي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمعبر الأساس للشركة الاجتماعية بين أطراف الإنتاج الثلاث: الحكومات وأصحاب العمل والعمال، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم في غياب الحوار الاجتماعي».
وقال: «إدراكا لأهمية هذا الموضوع الذي لم يغب مرة عن أعمال مؤتمرات منظمتي العمل العربية الدولية منذ التأسيس، حدد مؤتمر العمل الدولي في فيلادلفيا العام 1944 أهداف المنظمة وغايتها، وقد أصبحت المشاركة المباشرة لأصحاب العمل والعمال توجها إلزاميا جديدا متقدما للمنظمة الدولية بما يضع فريقي الإنتاج في كفة متساوية مع فريق الحكومات، ويخلق الثقة بين الأطراف ويشركهم في القرار، رغم المصالح المختلفة والمتباعدة والمتضاربة في بعض الأحيان، ما يحقق نتائج إيجابية ويؤدي إلى الاتفاق في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية، لا سيما أن العولمة التي اعتنقت المبادئ الاقتصادية النيو ليبرالية وآليات «اقتصاد السوق» أدت إلى فوارق اجتماعية خطيرة، ما يستدعي حوارا اجتماعيا يحظى بالمصداقية للحد من آثارها السلبية وتحقيق عولمة عادلة تعيد التوازن بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، بما يحقق الأهداف المرجوة منها وهي الازدهار الاقتصادي ورفاه المجتمع».
واعتبر أن «لا بديل عن الحوار الاجتماعي من أجل صياغة السياسات الاقتصادية بمهارة بما يوازن بين المصالح المتناقضة لأصحاب العمل والعمال وبين مضاعفة الأرباح وتخفيض الكلفة، بين زيادة الأجور وتحسين التقديمات الاجتماعية واستخدام الأيدي العاملة المنخفضة الأجر من دون أي حماية اجتماعية، فضلا عن مراعاة المصالح المشتركة المتصلة بتشجيع الاستثمار وتحفيز الإنتاجية وزيادة فرص العمل والحد من البطالة، ذلك أن الحوار الاجتماعي البناء يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي ويحافظ على السلم الأهلي».
وذكر بأن «أجندة العمل العربية للتشغيل التي اعتمدتها كافة الدولة العربية في المنتدى العربي للتشغيل في عام 2009 تَؤكد على أولوية تعزيز الحوار الاجتماعي، والتشجع على إنشاء مجالس اقتصادية واجتماعية تحث الحكومات على إقرار اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحوار الاجتماعي وربطه بالحريات العامة وتطبيقها، وتدعو أيضاً إلى إضفاء الطابع المؤسسي عليه. وهذه «الأجندة» خير دليل على رغبة كافة الأطراف في الحوار الإجتماعي من أجل تحقيق التنمية ومواجهة التحديات في إطار الوحدة والعمل المشترك. كما أن المؤتمر الإقليمي الأول حول الحوار الاجتماعي العربي الذي استضافته منظمتا العمل الدولية والعربية في العام 2010 أعلن في اختتام أعماله عن اتفاقية لبناء أطر وطنية جديدة للحوار الاجتماعي وتطوير الأطر القائمة».
وتابع غصن: «رغم كل هذه الرغبات في الحوار وهذا التنسيق المستمر إلا أن تجارب كثيرة جرت في عدة دول عربية، قليل منها تكلل بالنجاح حيث أصدرت منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا في عام 2013 حول: «نظرة جديدة إلى النمو الاقتصادي، نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة» أظهر أن أكبر حالات العجز المسجلة في المنطقة العربية هي في مجالي الحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة معرفة مواطن الخلل لإصلاحه، لأننا في الحقيقة نمر بمرحلة دقيقة أصبحنا فيها جميعا، على يقين بأن الحوار الاجتماعي أولوية تحتاج إليه بلادنا بشدة، من أجل الإصلاح والبناء، وإن مستلزمات الحوار الاجتماعي وشروط نجاحه الأساسية تستوجب وقبل أي شيء:
– توفر الحريات النقابية
– وجود منظمات نقابية ممثلة للعمال معترف بها يحظى العمال بحق الانضمام إليها وحق التنظيم، تتمتع بحرية إدارة شؤونها والدفاع عن مصالح عمالها، حركة نقابية عمالية مناضلة موحدة مرصوصة الصفوف مؤثرة وقوية.
– وجود مصالح مشتركة متبادلة بين أطراف الإنتاج تبدأ من حاجة كل منهم إلى الآخر لتحقيق تطلعاته وأهدافه ومصالحه، يتأتى من حوار اجتماعي للحد من التوتر والنزاعات التي تنشأ فيما بينهم.
– اقتناع أطراف الإنتاج بالحوار الاجتماعي بحيث يؤدي إلى نتائج إيجابية تؤمنه اتفاقات العمل الجماعية، تنظم شروط العمل وتتوافق مع مصالحهم المشتركة وتتمتع بقوة ملزمة لمختلف أطراف الإنتاج.
– الاعتراف بحق الإضراب متى فشل الحوار الاجتماعي بما يؤدي إلى خلق توازن في علاقات العمل بين الأطراف الثلاثة».
واعتبر «أن ضمانات نجاح الحوار الاجتماعي تنطلق من كفالة حق التنظيم واستقلالية الحركة النقابية وحريتها في إدارة شؤونها والعمل على وحدتها وتكاتفها، ولا بد أيضاً من رفع الوعي لدى أصحاب الأعمال لدورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تأمين الاستقرار وتكوين منظمات تكون مهمتها رفع هذا الوعي بحيث ينخرطون في الحوار الإجتماعي، ولا يبقى هدف أصحاب الأعمال تحقيق الأرباح فقط، ولو على حساب حقوق العمال، وأن تلتزم الحكومات الحيادية والموضوعية في النقاش والحوار واحترام الاتفاقيات العربية والدولية، وأن تدرك دورها الحقيقي في الرعاية الاجتماعية، فتسعى إلى إنشاء معاهد متخصصة في مجال البحوث ودراسات العمل وتأهيل مفتشي العمل، وبذلك تتحقق التنمية المستدامة المبنية على أسس من العلم والمعرفة والحوار الحقيقي».
وشدد على «أهمية الحوار الاجتماعي في وطننا العربي، خصوصا في هذا الزمن الرديء والمرحلة الداكنة وتحدياتها الخطيرة وأثر التطرف والإرهاب والاحتلال الإسرائيلي، ومخططات الدول الاستعمارية وأدواتها الرأسمالية– صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية– من أجل السيطرة على ثروات بلداننا وإفقار شعوبها، وانعكاس ذلك على عملية التنمية والتقدم الاقتصادي في وطننا العربي وعلى العمال ومحدودي الدخل بشكل خاص.
من هنا تأتي أهمية «الحوار الإجتماعي» بين ثلاثي الإنتاج – الحكومات وأصحاب العمل والعمال– انطلاقا من:
- احترام المعايير الدولية المتعلقة بالحوار الاجتماعي.
- تحديث تشريعات العمل الوطنية وتطوير إدارات العمل.
- تعزيز استقلالية منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل من خلال بناء قدراتها الفنية وتمكينها الحصول على المعلومات.
- تحقيق المساواة بين الجنسين في جميع الميادين وكافة البرامج والأنشطة.
- وضع مؤشرات الحوار الاجتماعي، كجزء من المؤشرات العامة للعمل اللائق.
- تنظيم لقاءات ثنائية وثلاثية في العديد من المجالات المهنية والقطاعية، ذلك أن الحوار الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق دون أرضية صلبة للحوار تواجه التحديات وتزيل المعوقات، انطلاقا من احترام الحقوق الأساسية في العمل طبقا لما جاء في إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية العام 1998».
وأشار «إلى أن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي تأسس في الرابع والعشرين من شهر آذار 1956 أعلن في مقدمة دستوره عن تمسكه بالحوار الاجتماعي ودعمه العمل العربي المشترك وأنه مستمر في حمل رسالته السامية والنضالية، كإطار يعبّر عن وحدة الطبقة العاملة العربية وكفاحها من أجل إقامة المجتمع العربي الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية»، معتبرا أن ذلك «مرهون بتحرير الأرض العربية من قوى الاستعمار والهيمنة والاستغلال بكافة مظاهرها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة من العدو الإسرائيلي، وترسيخ التضامن العمالي العالمي والدفاع عن حقوق العمال، منطلقا من ترسيخ مؤسسات العمل العربي المشترك والتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية ذات الصلة بقضايا العمل والعمال وانطلاقاً من دوره كعضو فاعل في منظمتي العمل العربية والدولية من خلال تمثيل أكثر من مئة مليون عامل عربي».
واعتبر «أنّ التحديات التي تواجه العالم اليوم من إرهاب واحتلال وهجرة وبطالة ونزوح تتطلب منا المزيد من التعاون والتحالف من أجل مواجهة السياسات الرأسمالية النيو ليبرالية المتوحشة والعولمة الاقتصادية الجائرة التي تقود الكرة الأرضية إلى الدمار والضياع، كما تتطلب وضع الخطط اللازمة لمواجهة تلك التحديات من أجل تحقيق العمل اللائق وتأمين الحماية الاجتماعية والصحية والسلامة المهنية والحفاظ على البيئة،
والنضال من أجل ضمان حقوق العمال وكرامة العامل وحقّ التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجه الحركة النقابية العمالية العالمية على مختلف المستويات لا سيما البطالة والهجرة والنزوح».
الإرهاب الاقتصادي
وأكد أنّ الإرهاب «لا يتمثل فقط بسفك دماء الأبرياء بل يتمثل أيضاً بالحصار الاقتصادي والمالي والعقوبات الجماعية وهو أسوأ أشكال الإرهاب الذي تمارسه الدول الاستعمارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها من الدول الغربية على الدول المستقلة الحرة التي تأبى الانصياع لإملاءاتها والخضوع لهيمنتها وإذلال شعبها»، لافتا إلى أن قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي «استنبط من باطن العقل الإمبريالي الارهابي».
وختم الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن اللقاء المفتوح بالتأكيد على «التمسك بحق الشعوب في تقرير مصيرها وخيار المقاومة لتحرير أرضها والدفاع عن سيادة وحرية واستقلال بلدانها».