السعودية تقترب من صفحة جديدة مع قطر وتركيا…
أثارت المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الكثير من التكهنات والتساؤلات حول ما إذا كانت حجراً سيحرك المياه الراكدة في العلاقات بين البلدين، خاصة أنها تزامنت مع تصريحات سعودية تكشف انفتاح الرياض على تحسين العلاقة مع قطر.
وقالت تقارير إعلامية، في الأيام القليلة الماضية، إن هناك رغبة سياسية لدى أنقرة لاستعادة وإصلاح العلاقات مع الرياض، رغم سلسلة من القضايا المتلاحقة التي أضرت بالروابط بين الجانبين.
ونقل موقع «ميدل إيست آي» عن مسؤولين أتراك قولهم، إن تركيا تسعى لإصلاح العلاقات مع السعودية، والمضي قدماً بعيداً عن خلاف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وذلك عبر اتصالات رفيعة المستوى بين قادة البلدين.
تدهورت العلاقات بين القوتين الإقليميتين بعد خلافات خلال السنوات الماضية، أبرزها الموقف التركي الداعم لقطر في الأزمة الخليجية، لكنها بلغت أسوأ مرحلة لها منذ مقتل الصحافي السعودي في إسطنبول قبل عامين.
ومع ذلك، بدا أن هناك فرصة سانحة لتركيا لطي صفحة الماضي، يوم 20 تشرين الثاني الماضي، عندما تحدّث العاهل السعودي الملك سلمان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف لمناقشة تفاصيل إعلان قادة قمة مجموعة العشرين في الرياض.
وقال مسؤول تركي: «كان الملك سلمان يحاول تخفيف حدة المعارضة التركية للغة المستخدمة بشأن تغير المناخ في الإعلان».
لكنه أضاف أن «أردوغان أثار خلال المكالمة مسألة المقاطعة غير الرسمية للحكومة السعودية للبضائع التركية والمطبقة منذ بداية الصيف الماضي. واقترح الملك تنظيم اجتماع بين وزيري الخارجية لحل القضية».
عقب الزلزال الذي ضرب إقليم إزمير التركي، في تشرين الأول الماضي، وجّه العاهل السعودي مركز الملك سلمان للإغاثة «بإرسال المساعدات الطبية والإنسانية والإيوائية العاجلة للمتضررين من الأشقاء في تركيا جراء الزلزال الذي ضرب بحر إيجه مؤخراً مخلفًا أضراراً مادية بالغة بولاية أزمير التركية»، حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية، لكن محللين قالوا إنه لا يمكن اعتبار أن لهذا الموقف طابعاً سياسياً.
في الشهر الماضي، دعت 8 مجموعات أعمال تركية كبرى المملكة إلى إنهاء الحظر غير الرسمي المفروض على السلع والشركات من تركيا وتحسين العلاقات. وفي وقت سابق من هذا العام، أخبرت مصادر عدة الموقع البريطاني، أن مسؤولي الحكومة السعودية وجهوا دعوة فردية لأصحاب الشركات السعودية لحثهم على عدم التجارة مع تركيا.
رغم أن أحدث البيانات الرسمية من كلا البلدين لا تظهر انخفاضاً كبيراً في التجارة حتى الآن، إلا أن الأشخاص المعنيين بالمسألة قالوا إن المقاطعة اشتدت في تشرين الأول. تجاوزت الصادرات التركية إلى المملكة 3.1 مليار دولار في عام 2019.
وفقاً لأحدث البيانات المتاحة من وزارة التجارة التركية، تراجعت صادرات البلاد إلى السعودية بين كانون الثاني وآب من العام الحالي، بنسبة 18% على أساس سنوي، وبلغت 1.9 مليار دولار. بلغت 3.1 مليارات خلال عام 2019 بأكمله.
قال مسؤولون أتراك للموقع إن «تركيا لم تكن تنوي قط الإضرار بالعلاقة مع الرياض، لكنها أرادت فقط رؤية المجرمين الذين يقفون وراء مقتل خاشقجي يواجهون العدالة».
كما دعمت تركيا قطر، ونشرت قوات في الدولة الخليجية الصغيرة بعد أن فرضت الرياض وحلفاؤها (الإمارات والبحرين ومصر) حظراً ومقاطعة للدوحة في 2017.
هناك توترات بين الرياض والدوحة بسبب السياسات المتباينة تجاه الربيع العربي عام 2011، لكن الأمور ساءت للغاية عندما فرضت الرياض حصاراً على قطر في حزيران عام 2017 وقطعت العلاقات الدبلوماسية.
فيما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، مؤخراً، إن الرياض تسعى إلى إنهاء الحصار المفروض على قطر، في تصريح أثار تكهنات بأن المملكة يمكنها أخيراً تطبيع العلاقات مع تركيا وقطر.
ووفقاً لوكالة «الأناضول» التركية، فإن التصريحات السعودية جاءت، بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو ما وضع الرياض تحت ضغط لإصلاح سياستها الخارجية.
خلال حملته الرئاسية، تعهّد بايدن بـ»إعادة تقييم» العلاقات مع الرياض، لا سيما في ما يتعلق بمقتل الكاتب الصحافي في «واشنطن بوست»، جمال خاشقجي، إلى جانب الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، بحسب الوكالة التي قالت إن «الملك سلمان والرئيس أردوغان اتفقا على «إبقاء قنوات الحوار مفتوحة».
رغم أن الاتصالات الأخيرة كانت علامة إيجابية، لا تزال تركيا تشعر بالتشكك في إمكانية تحوّل الموقف السعودي، وقال مسؤول تركي «للأناضول»: «المكالمة الهاتفية لم تفتح صفحة جديدة. علينا أن نرى إلى أين ستذهب. ومع ذلك، ونظراً لأن تركيا استجابت للمكالمة الهاتفية من الملك سلمان، فإن أنقرة أكثر استعداداً لاستعادة العلاقات مع الرياض».
وبالمثل، قد يكون من السابق لأوانه افتراض انفتاح المملكة على إصلاح العلاقات مع قطر. على الرغم من أن وزير الخارجية السعودي قال إنه يتقبل إعادة بناء العلاقات، إلا أنه أضاف أن هذا يعتمد على المفاوضات التي تتناول «المخاوف الأمنية».
أصدرت دول المقاطعة 13 مطلباً، بما في ذلك إغلاق وسائل الإعلام مثل الجزيرة، وإنهاء العلاقات مع إيران، وتقليص التعاون العسكري مع تركيا، وقطع العلاقات مع «الجماعات الإرهابية». لكن قطر رفضت الاتهامات والمطالب واستمرت التوترات داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
قد تجبر رئاسة بايدن المقبلة الرياض على سياسة خارجية أكثر براغماتية، تدفعها نحو إنهاء أزمة الخليج. لكن هذا يتوقف على تمسك بايدن بوعوده الانتخابية، لذلك من السابق لأوانه حالياً معرفة ما إذا كانت استعادة العلاقات بين الرياض والدوحة وأنقرة أمراً ممكناً، وفقاً «للأناضول».
كما أن الرياض قد تواجه أيضاً ضغوطاً من الإمارات التي قد تعارض إعادة العلاقات مع قطر وتركيا، إذ لا تزال أبو ظبي معارضة لتوجهات الدوحة وأنقرة.
قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة مؤخراً للقناة 12 الإسرائيلية: «لا أعتقد أنه سيتم حلها في أي وقت قريب (الأزمة الخليجية). كما اتهم العتيبة قطر «بلعب دور الضحية».