أبيض وأسود ..نحتاج للوسطية
كثير من شباب الألفية الحالية يعانون من نمطية التفكير القطبي، الذي نعني به تفكير الأبيض والأسود، وأحد أهم الأسباب المؤدية إلى الشعور بالتوتر والدونية يكمن في هذا النمط الأحادي من التفكير والذي يميل إلى التطرف، فإما أن تكون ناجحاً تماماً وإما أن تكون فاشلاً تماماً، إما أن يكون صديقك ملاكاً وإما أن يكون شيطاناً.
وتطلق جمعية علم النفس American psychological Association على هذا النوع من التفكير مصطلح ( التفكير ثنائي التفرع)، وذلك لكونه يعمد إلى تشويه الإدراك ويمنع صاحبه من رؤية العالم كما ينبغي، فالعالم مليء بالتعقيدات، وهذا ما يرفضه صاحب التفكير القطبي، لأن عقله يعمل بأسلوب كل شيء أو لا شيء.
إن نمط التفكير الأبيض والأسود لا يتيح لنا إيجاد حلول وسطى، ولذا تصير الحياة لمستخدميه بالغة الشقاء، لأنه من العسير البقاء دوماً بمحاذاة الحدود القصوى، فلا بد أن تكون هناك فسحة مرنة نستطيع المرور عبرها حينما لا يكون هناك مفرّ آخر. يقول أينشتاين: «الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه، مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة». مَن يستخدم هذا النمط من التفكير لا بد أن يصل لطريق مسدود في جل طرق الحياة التي تحتاج للمرونة في التعامل وفي الحديث وفي مجاراة وتيرة الحياة المتسارعة.
مرحلة التنقيب عن الثروات الحقيقية، عن الطاقات التي دفنتها البيئة المحيطة في الأعماق، ثم إخراجها للسطح حتى تسطع بنورها على وجود الإنسان بأسره ما نحتاجه وليس التفكير النمطي القطبي الجامد. فأصحاب هذا النمط من التفكير يميلون إلى حسم القضايا الشائكة بوسائل أقرب إلى العنف، كما يهملون البحث عن الحلول الواقعية، وعندما يتطلب العمل نوعاً من التعاون وتبادل الأدوار، فإن صاحب هذا النوع من التفكير يصنع لنفسه حدوداً صارمة لا يتجاوزها ويتشبث بمهنات وظيفته وبدوره فيها غير عابئ بسياسة شركته أو مؤسسته ولا بأهدافها.
من يجد نفسه يفكر ضمن هذا النمط من الاستقطاب الذي لا يقبل إلى لونين فحسب متجاهلاً سائر الألوان الأخرى، فإنه من الأهمية بمكان أن يحاول جاهداً الاستفادة من باقي الألوان وتجربتها لكي تتلوّن حياتك بالأبهى والأجمل ولا أحد بمقدوره أن يساعدك على فعل ذلك غير نفسك، نعم اصنع نفسك بنفسك، فإذا انتصرت على نفسك ستفتح لك أبواباً كثيرة لم تكن تحلم بها وسترى العالم بواقعية وإيجابية كما أنت تريد لا كما يريد الآخرون..
صباح برجس العلي