الأمين محسن نزهة ورفقاء أبطال من النبي عثمان
الأمين كمال نادر
نشكر الأمين كمال نادر(1) وكلّ رفيق ينشر معلومات ومرويات تصبّ في خدمة تاريخ الحزب، فننشر ذلك تعميماً للفائدة.
الكلمة الغنية بمعاني البطولة كان نشرها الأمين كمال نادر على موقعه الفايسبوك، نعيد نشرها، مع الكثير من محبتنا وتقديرنا للأمين – الصخرة محسن نزهة، وللرفيقين البطلين خليل نزهة وعلي طي، آملين من منفذية البقاع الشمالي أن تكتب ما يفيد مسيرة حضرة الأمين محسن، والرفيقين المذكورين فننشر ذلك.
ل. ن.
* *
هذه صور للأمين محسن نزهة وللرفيقين خليل نزهة وعلي طي وهم من بلدة النبي عثمان قلعة البطولة والرجال للنهضة القومية الاجتماعية. سأروي لكم قصة من تاريخ البطولة والعذاب تعود أحداثها إلى سنة 1962، فقد شارك أكثر من 17 شاباً من مديريات المنطقة في الانقلاب الذي قام به الحزب القومي لتصحيح وضع النظام السياسي في لبنان. يقول الأمين محسن نزهة إنهم نزلوا من النبي عثمان ومن قرى البقاع الشمالي وجاؤوا إلى بيت الأمين أسد الأشقر في ديك المحدي وهناك تلقوا من عميد الدفاع بشير عبيد المهمات، وكان دورهم ان يعتقلوا الضباط الكبار من مساكنهم الواقعة في شارع محمد الحوت بمنطقة رأس النبع والبسطة في بيروت. أما الأمين ديب كردية فأخذ مهمة أخرى. كما كان بينهم أحمد مهدي وأحمد علي حسن وآخرون. تمّت العملية وأخذوا الضباط وارسلوهم بسيارة إلى ديك المحدي ولكن حصل بعد ذلك أنّ الانقلاب فشل بعدما عجز النقيب فؤاد عوض عن السيطرة على وزارة الدفاع كما اصطدم الملازم الأول علي الحاج حسن ومجموعته بدبابات عند ممر نهر الكلب وفشلوا في الوصول إلى قصر الرئيس فؤاد شهاب في منطقة صربا. بات عليهم الخروج من بيروت فاتجه الأمين محسن إلى الضاحية الشرقية وهناك اعتقله الجيش، أما خليل نزهة وعلي طي فدهبا مشياً بين الأحراش إلى ديك المحدي ثم استعانا بسيارة عابرة حتى وصلا إليها. لكن الجيش كان يطوّق المكان فوقعا أيضاً في الأسر وتمّ حجزهم في ثكنة الفياضية وكان فيها معتقلون قوميون كثر وكان بينهم الأمين محسن من جديد. بعد يومين وجد خليل «مهدّة قرب باب السجن فضرب بها قفل الباب وهرب هو ورفاقه وتاهوا بين الأحراش وأسعفهم الحظ بأن وجدوا وفداً قادماً من البقاع لتهنئة الدولة بفشل الانقلاب فصعدوا في أحد الباصات وحماهم الناس حتى اجتازوا كلّ الحواجز ولم يخنهم أحد من أعضاء الوفد حتى وصلوا إلى بعلبك ومنها ذهبوا مشياً إلى النبي عثمان. ظلوا أسبوعاً مختفين بين البساتين إلى أن داهمهم الجيش فتمّ اعتقال الأمين محسن بينما نفد خليل وعلي طي وصعدا إلى الجبل وهناك احتموا في مغارة اسمها «مغارة علي سعدية»، وكانت أم خليل توصل إليهما الطعام بطريقة سرية ومموّهة. بعد أسبوع جاءت ليلى كرم وهي ممثلة معروفة وتشتغل كعميلة للمكتب الثاني وقالت لأمّ خليل أنها تعرض عليها بأن يسلم خليل وعلي نفسيهما وهي تتعهّد بأن تخفف الحكم عنهما. أجابت الوالدة بأنها لا تعرف أين هو ابنها. ثم انها أخبرت خليل بالأمر فقال لها: «إذا عادت ليلى قولي لها إننا في الجبل وننتظرها بزيارة وبدي أقبرها بهالمغارة». وبالفعل عادت ليلى وأبلغتها أم خليل بالعرض فقفلت راجعة خائبة. أصبح البقاء في المغارة غير آمن فقال علي طي لرفيقه بأنه يعرف اناساً من عرسال «فلنذهب إليهم وهم يساعدوننا بالعبور في الجبال إلى الشام»، وبالفعل سارا إلى عرسال وساعدهم هؤلاء الأصدقاء واوصلوهم إلى البر السوري وأمّنوهم عند جماعة من البدو لكي يوصلوهم إلى حدود الأردن. تمّت الرحلة بنجاح وبدون خيانة حتى وصلوا إلى نقطة «الشَفور» إذ انه من غير الممكن أن يمرّوا على الحدود الرسمية في درعا والرمثا. في بر البادية تسلمتهما جماعة من البدو واستضافوهما يومين إلى أن أتت سيارة تخصهم فأرسلوهما الى عمان مقابل أجر زهيد للسائق لكنه في منتصف الطريق أنزلهما وقال لهما بأن يسيرا مع اتجاه الشمس. كانت البادية مُحرقة والمسافة طويلة وقد نفد الماء والطعام الذي كان معهما وصارا يركضان وراء السراب الذي يبدو في الصحراء لامعاً حتى يظنه المرء بأنه ماء، وتعب علي طي فلم يعد يقوى على السير، فحمله خليل على ظهره مسافات طويلة، وكان علي يقول له اتركني واذهب لكنه لم يقبل. كان خليل قوي البنية طويلاً فتحمّل شظف المسير ستة أيام إلى أن صادفوا غرفة برية فيها مضخة مياه كبيرة على بئر ارتوازية، وقربها غرفة للناطور فشربا وناما نوماً عميقاً حتى جاء الناطور وفوجئ بهما فأبلغ فرقة الهجّانة وجاءت واعتقلتهما فعرّفا عن نفسيهما وعن اشتراكهما بانقلاب في لبنان، وبعد تحقيق قصير تمّ إرسالهما إلى فرع المخابرات في عمان. هناك طلب خليل وعلي اللجوء السياسي فقبلت السلطات الأردنية بذلك. ثم إنّ الأمين الدكتور سامي الخوري(2) دبر لهما عملاً يعيشان منه حتى صدر العفو عن الحزب سنة 1969 فعاد علي إلى قريته اما خليل فبقي في الأردن لأنه كان قد تزوّج سيدة أردنية ورزق منها بأبناء وبنات وصار يتردّد إلى لبنان إلى أن كبر أولاده فعاد نهائياً إلى قريته وعاش فيها حتى وافاه القدر هو وعلي ورفاقهم وتركوا للوطن شباباً قوميين وصبايا وتراثاً من البطولة والرجولة يرقى إلى مستوى الأسطورة.
وماذا بعد؟ خليل وعلي والأمين ديب ورفقاؤهم صاروا في تراب الأرض التي أحبوها، اما الأمين محسن فما زال على قيد الحياة وما زال بكامل وعيه وهو على التسعين من العمر وكنت أحرص على أن ازوره كلما ذهبت إلى البقاع الشمالي. هذه قصة رويتها لتكون زاداً للأجيال وهناك قصص كثيرة يمكن أن تروى لتكون جزءاً مشرقاً من تاريخ الحزب النضالي.
هوامش
كمال نادر: تولى في الحزب مسؤوليات عديدة، محلياً، ومركزياً، أكثرها في عمدة الإذاعة. من بلدة قلحات، وله عنها دراسة تمّ نشرها في مرحلة سابقة، للإطلاع عليها مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
الأمين سامي خوري: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.