لبنان وسورية والمنطقة بعد العودة للتفاهم النوويّ
ناصر قنديل
– بعد إعلان الرئيس الأميركيّ المنتخب جو بايدن عزمه العودة الى التفاهم النوويّ مع إيران، وبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب قبوله تسليم الرئاسة بعد اجتماع المجمع الانتخابي ونطقه بفوز بايدن، وهو ما بات محسوماً، صار العالم والمنطقة في دائرة البحث عن التداعيات التي ستلي العودة الأميركية للتفاهم النووي، طالما تراجع بايدن عن شروط مسبقة تتصل بالتفاهم على ملفات خلافية أخرى رفضت إيران أي بحث فيها، وصار التطابق الأميركي الإيراني على معادلة، عودة غير مشروطة مقابل التزام إيراني بموجبات التفاهم، وبعدها يكون التفاوض من داخل أطر التفاهم نفسه.
– لو لم يكن للتفاهم من تداعيات خطيرة على كل من كيان الاحتلال وحكام الخليج، لما كان هذا الاستنفار الذي جمعهم مع ترامب على قرار الانسحاب من التفاهم وتصعيد الضغوط على إيران، ومعلوم أن العودة للتفاهم ستعني حكماً رفع العديد من العقوبات الرئيسية التي تستهدف الاقتصاد والأموال الإيرانيّة، والقدرة الإيرانيّة على المتاجرة بنفطها وغازها وسائر مصادرها الاقتصاديّة، والمعلوم أيضاً أن إيران ستقوم بمد يد العون بصورة أقوى لقوى المقاومة في المنطقة كلما انفرجت اوضاعها المالية والاقتصادية. وهذا كان إحدى الذرائع التي أوردها ترامب للانسحاب من التفاهم.
– الأسئلة تطال ملفات المنطقة الإقليمية، حيث يتمّ تداول تقارير وتحليلات تطمئن جماعات أميركا الى ان العودة للتفاهم لا تعني تغييراً في الاوضاع في لبنان وسورية وسائر ساحات الاشتباك الإقليميّة. وهنا يتم التداول بثقة بأن القوات الأميركية باقية في سورية، وأن مشروع بايدن لتقسيم العراق عائد الى الواجهة، وأن تقسيم سورية سيليه، وأن الضغط على حزب الله في لبنان سيتزايد لصالح تعويض “إسرائيل” خسائرها من العودة للتفاهم بمكاسب من رصيد مكانة حزب الله ومصادر قوته، وبالمثل تتحدّث التقارير ذاتها عن تعويض الخسارة الخليجيّة بعودة التفاهم بحل سياسي للأزمة اليمنية تكون يد السعودية والإمارات هي العليا.
– التدقيق في هذه التقارير يكشف بسرعة سطحيتها او انتماءها الى مدرسة حرب نفسيّة هشّة تريد رفع معنويات جماعة أميركا في المنطقة، أو إصابة معنويات جمهور قوى المقاومة، فالتفاهم النووي لم يكن يوماً نووياً، بقدر ما كان محور ومركز ملفات التصادم في المنطقة، ولذلك عندما بلغت الإدارة الاميركية في عهد باراك اوباما وجو بايدن الى طريق مسدود في المواجهة في سورية، ذهبت الى توقيع التفاهم النووي. فالحرب ليست فصولاً منفصلة، بل هي جسد واحد، لأنه في نهاية المطاف كل ملف من ملفات المنطقة يوصل الأمور الى واحد من خيارين التسوية أو الحرب. ومَن يعود للتفاهم النووي وهو الحلقة الأصعب لأنه اختار التسوية بدلاً من أن يختار الحرب، فلن يفعل شيئاً آخر غير الذهاب للتسويات في سائر الملفات، مادام خيار الحرب مغلقاً، ولو كان متاحاً لما كانت العودة للتفاهم.
– السعي الأميركي يبدأ مع العودة للتفاهم الى البحث عن مسارات مناسبة لملاقاة خيار العودة للتفاهم في ملفات النزاع. ففي العراق سيكون السؤال هل هناك من يحمي التقسيم الذي كانت فرصه الأفضل عندما أعلنت كردستان العراق انفصالها وتراجعت لأنها تبلغت قراراً أميركياً بعدم القدرة على الذهاب الى حرب، وهذا في عهد ترامب، فكيف في عهد بايدن، وفي سورية سيكون الأسهل الذهاب للوقوف وراء روسيا لترتيب توزيع الأوراق والأدوار مع الأكراد والأتراك تمهيداً للخروج من سورية، وفي لبنان سيكون سهلاً التموضع وراء فرنسا وتسهيل فوزها بفرصة إنجاح المبادرة التي قدمها الرئيس امانويل ماكرون، على قاعدة الانفتاح على حزب الله وتحييد الخلاف الأميركي معه عن إعادة تكوين السلطة عبر حكومة تتولى قيادة مرحلة إنقاذية بدعم مالي دولي. أما في اليمن فالكلام واضح عن سعي بايدن لوقف الحرب من موقع اعتبار العدوان السعودي جريمة يجب أن تتوقف.
– التراجع في الملف الأصعب يعني التراجع في الأقل صعوبة، ومرحلة جديدة كلياً توشك أن تبدأ في المنطقة.