اغتيال فخري زادة يفاقم الشكوك في المنطقة ويجعل مهمة بايدن أصعب
أثار اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة تساؤلات حول كيف ومتى ستردّ فيه إيران، كما أثار مخاوف بشأن حالة عدم اليقين فى الشرق الأوسط، لكن التصعيد الفوري غير محتمل، وفقاً لعدد من المحللين.
وأكدت معظم ردود الأفعال الرسمية على اغتيال العالم الإيراني، على الطبيعة الإرهابية لهذه الجريمة وأشارت إلى الاستخبارات «الإسرائيلية» كمتهم رئيسي.
لكن يبدو أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي كان أكثر حذراً في رسالته ، حيث لم يشر إلى أي شخص مشتبه به، قائلاً إنه تجب «معاقبة» الجناة وقادة هذه الجريمة.
وتوعّد مسؤولون إيرانيون بالانتقام، وأوضح الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه سيتم الردّ «في الوقت المناسب» حتى «لا نقع في فخ المؤامرات الصهيونيّة».
وفي هذا الصدد، ذكر نبيل شعث مستشار العلاقات الدولية للرئيس الفلسطيني أنه «ربما يكون من حق إيران أن تتهم «إسرائيل» بارتكاب هذه الجريمة الشنيعة، حيث أن «إسرائيل» اعتادت خلال السنوات الماضية أن تقوم باغتيالات ضد أعدائها، ليس ضد إيران فقط».
وقال شعث إن «المحرك الرئيسي وراء عملية القتل هذه هي إثارة التوتر بين إيران والدول العربية المجاورة، خاصة السعودية، بالإضافة إلى خلط الأوراق في الشرق الأوسط في ظل الانتقال الوشيك للسلطة في الولايات المتحدة».
وقال محمد محسن أبو النور المحلل المصري في الشؤون الإيرانية إن «إيران لن تلجأ إلى التصعيد مع «اسرائيل» قبل أن يتولى جو بايدن الحكم، مع مراعاة الأوضاع الإقليمية المعقدة، من بينها تحرّك التشكيلات العسكرية الأميركية في الخليج والتمركز الإسرائيلي الجديد في بعض دول الخليج بالقرب من إيران».
وقالت بيلغهان الأغوز، الخبيرة في شؤون إيران في جامعة مرمرة في تركيا، إن «توقيت عملية الاغتيال مهم، حيث إنها تمت بعد الانتخابات الأميركية وقبل تولي الإدارة الجديدة شؤون البلاد»، مضيفة «ربما تنتظر الحكومة الإيرانية رداً من بايدن بعد توليه الحكم».
وتابعت الخبيرة أن «عدم اتخاذ رد فعل حقيقياً يخلق ضغطاً عاماً واضحاً في إيران. لا أحد يعرف كيف ستوازن الحكومة الإيرانية بين خطتها وبين الضغط المحلي، لكن أي خطوة ستتخذها إيران، سوف تؤثر على المنطقة بأسرها».
من الواضح أن الحفاظ على «الصبر الاستراتيجي» ليس أمراً سهلاً. ففي ليلة حادث الاغتيال، طالبت مجموعات طالبية داعمة في العادة سياسات الحكومة، برد فعل قوي في تظاهرات في طهران ومدينتي مشهد وقم المقدستين.
وصدقت الأغلبية الساحقة في البرلمان الإيراني على التماس يضمّ مجموعة اقتراحات تحديد عمليات التفتيش على الأنشطة النووية الإيرانية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتفويض لزيادة تخصيب اليورانيوم في إيران.
وفي الحقيقة إن الحاجة إلى معالجة «الانتهاكات الأمنية» التي كشفها هذا الحادث تمثل مصدر قلق كبير في طهران، إلى جانب الرد المناسب، حسبما ذكر المحللون.
وقال أبو النور إن «عملية الاغتيال هذه كشفت ثغرة استخبارتيّة إيرانيّة ومخاطر أمنية عالية المستوى».
وأضاف أبو النور «لقد استطاع الجناة اغتيال فخري زادة وستة أشخاص آخرين، ما يكشف قصور التدابير الأمنية الإيرانية»، واستطرد أنه «خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كانت إسرائيل قادرة على تنفيذ عمليات في إيران، ما يفسّر مدى قصور الاستخبارات الإيرانية».
وقارن أبو النور عملية القتل هذه، باغتيال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مطار بغداد يناير الماضي، قائلاً «إيران لن تردّ على عملية الاغتيال قبل يناير المقبل، خاصة في ظل أوجه القصور الواضحة في الجهاز الأمني».
بدورها، نشرت صحيفة الغارديان مقالاً كتبه محمد بزي عن اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، وتأثيره على مهمة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
ويقول محمد إن «اغتيال محسن فخري يرجح أن يكون على يد «إسرائيل» بهدف عرقلة احتمال عودة سريعة للتقارب بين إيران والولايات المتحدة، وهو محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب لمنع إيران من استئناف المفاوضات مع إدارة بايدن والعودة إلى اتفاق 2015 النووي».
ويضيف أن «الاغتيال موجه إلى الداخل أيضاً من أجل إذكاء الخلاف بين المحافظين الموالين للحرس الثوري، والإصلاحيين الداعمين للرئيس حسن روحاني».
ويذكر الكاتب أن «اغتيال الأميركيين الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي كشف ضعف الأجهزة الأمنية الإيرانية»، مشيراً إلى أن «طهران كذلك لم تنفذ تهديدها بالانتقام لمقتل المسؤول العسكري الكبير».
فقد أطلقت صواريخ على قواعد أميركية في العراق، لكنها كانت عمليات رمزية، ولم تستهدف مسؤولين أميركيين في مكانة سليماني ورتبته العسكرية، مثلما توعدت.
ويتوقع الكاتب أن «يدفع الشعور بالضعف النظام الإيراني إلى شنّ سلسلة من العمليّات الانتقاميّة على مصالح إسرائيلية وأميركية، أو رفع درجة تخصيب اليورانيوم، أو استعمال الميليشيا التابعة له في العراق لضرب قوات أميركية هناك، أو الدخول في مناوشات مع قوات أميركية في الخليج».
وهذا من أجل إظهار القوة أمام العالم وإرسال إشارة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، قبل أي مفاوضات محتملة، مفادها أن إيران «ليست ضعيفة». ويرى محمد أن «هذه العمليات كلها تحمل مخاطر توسيع المواجهات المسلحة، خاصة إذا تمت في أيام ترامب الأخيرة».
ويذكر الكاتب أيضاً أن «طهران لم تتمكن من تنفيذ وعيدها بالانتقام على الرغم من أنها تتهم إسرائيل باغتيال أربعة من علمائها منذ 2010 في إطار حملة لتقويض البرنامج النووي الإيراني».
ويشير إلى أن عين المحافظين في إيران على الرئاسة بعدما سيطروا على البرلمان في انتخابات شباط الماضي التي مُنع فيها كثير من الإصلاحيين من الترشح. وهناك من المحافظين من يدفع إلى أن يكون الرئيس المقبل من الحرس الثوريّ.
وعليه فإن الرئيس بايدن ستكون أمامه أشهر قليلة، بحسب الكاتب، لإجراء مفاوضات مع الرئيس حسن روحاني من أجل العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015.