تأليف الحكومة لن يكون هدية الأعياد للبنانيين بل رفع الدعم…!
} علي بدر الدين
طمأن الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري الشعب اللبناني، أنه سيزور اليوم قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حاملاً معه، هذه المرة، «ما لذ وطاب»، من المواقف «الإيجابية»، والكلام المعسول، والوعود التي تشفي غليل هذا الشعب، الذي لطالما انتظرها وتفاءل بها، وقد تأخذ طريقها قريباً، إلى الترجمة الفورية أو البعيدة المدى، بعد أن سلك التأليف، الطريق الوعرة، وتجاوز العقد والشروط والضغوط، التي وضعتها ومارستها القوى السياسية والطائفية، التي تعرقل عملية التأليف، في نطاقها الداخلي استجابة، واستكمالاً للخارج الإقليمي والدولي، وتحديداً الإدارة الأميركية، التي تضع شروطاً صعبة لإزالة ألغامها التي تعيق عملية التأليف.
الثقة بالنفس وبالمعطيات التي قدّمها الحريري أو خرج بها في زيارته الإثنين الماضي، إلى القصر الجمهوري، هل تؤشر إلى أنه آن أوان الوصول إلى الخواتيم السعيدة للملف الحكومي، بعد أن بات الشغل الشاغل للقوى السياسية، وأنهكها وصرف نظرها واهتمامها، عن مصالح الناس وهمومهم ومشاكلهم، وأنّ عيونها لا تعرف النوم قبل الاطمئنان عليهم، على طحينهم وخبزهم ودوائهم. لا بدّ والحال هذه من إضاءة شمعة الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، وتقديمها هدية من هذه القوى السياسية والطائفية الحاكمة إلى الشعب اللبناني العظيم.
إنه سيناريو غير واقعي، لما هو متوقع من زيارة الحريري، إلى القصر، الذي حكماً سيحمل معه التشكيلة ذاتها، مع تعديلات شكلية بسيطة باستثناء أسماء الثنائي الشيعي التي تمّ التوافق عليهم وحقائبهم وخاصة المالية، تحت عنوان الميثاقية. يعني سيقدّم أسماء ويتمّ إسقاطها على الحقائب، وفق المتفق عليها فقط، من دون التي لا تزال غير محسومة، وتخضع للمساومة والابتزاز والتحاصص، ورفض الحقائب التي يعتبرها البعض غير مؤاتية، ولا تناسب تاريخه وحجمه السياسي والطائفي والمذهبي.
لن تنتج الزيارات المتكرّرة ولا اللقاءات والمشاورات أية حكومة، ولن تكون هدية الأعياد للبنانيين.
الهدية الفعلية التي تخطط لها المنظومة السياسية من تحت الطاولة، ومن فوقها، وعلى عينك يا شعب، هي هذه الحركة السياسية لحكومة تصريف الأعمال، وللقوى السياسية والمالية والاقتصادية والنقابية، التي هبّت فجأة، وعادت لها حيويتها ووطنيتها ومسؤوليتها، لتكون مفاجئة، بل صدمة، بعنوان ترشيد الدعم وليس رفعه، وهم في حال إرباك فعلي، وخوف من ردّ فعل الناس الذي سيكون على مستوى وحجم الخطر المتربّص بهم والذين سيحرمونهم من لقمة عيشهم وحقوقهم أو ما تبقى منها، بعد أن نهبتها المنظومة السياسية الحاكمة.
بعد كلّ القلق الذي أصاب الشعب، من الهمروجة الإعلامية المقصودة، حول رفع الدعم، تحرك تجار الجشع والمافيات الاقتصادية والمالية والتجارية، لتخزين المواد الغذائية الأساسية، واحتكارها ورفع أسعارها، ليتبيّن لاحقاً، أنّ هذه الاجتماعات، التي شغلت الرأي العام وفتحت المجال لأبواق الشائعات، ولاستغلال المواطن، ما هي سوى تحضير الأرضية الترشيدية للدعم بانتظار، تأليف الحكومة الموعودة. يعني هذا أنّ الأمور إلى تفاقم، وإلى الأسوأ، وإلى أنّ الضغط الاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي سيزداد، و «يبطش» بالشعب، ويقضي عليه بالضربة القاضية، لأنّ الحكومة المنتظرة لن تبصر النور، لمجرد تكثيف الزيارات واللقاءات، والتسويات الجانبية والسرية والمعلنة، لأنّ سياقها معقد وصعب، وقد تجاوز المحلي إلى الإقليمي والدولي، وإلى أنّ قرار المنظومة السياسية الحاكمة، بات في مكان آخر من دونه لا حكومة، مهما طال الوقت، وتأليفها خرج عن السيطرة والقرار الداخليين.
إنّ أحد المخارج من أزمات لبنان وسوداوية واقعه ومستقبله، وحتى لا يكتمل مشهد الجوع الذي أصبح واضحاً، وينذر بالشر المستطير، لا بدّ من أن يأخذ الشعب دواء الشجاعة، الذي ورد في حكاية يوسف السباعي، وينتفض على جلاديه ومغتصبي حقوقه، وناهبي أمواله، والإطاحة بهم وبنظامهم السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي والتحاصصي، الذي أنتجهم وسلّطهم على اللبنانيين وأفقرهم وجوّعهم، من دون ان يرفّ لهم جفن، ومن دون رأفة أو رحمة، أو القليل من ضمير ذهب مع الريح.