التصعيد في إثيوبيا.. هكذا تحوّل الوضع في إقليم تيغراي إلى أزمة إنسانية
نشرت جين كيربي، مراسلة الشؤون الأمنية والخارجية، بموقع ڤوكس الأميركي مقابلة أجرتها عبر الهاتف مع يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين حول أزمة اللاجئين الناجمة عن الصراع في منطقة تيغراي الإثيوبية.
وفي البداية أشارت المراسلة إلى ما أعلنت عنه الأمم المتحدة من أن قرابة 50 ألف لاجئ من إثيوبيا فرّوا إلى السودان خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. ويعبر هؤلاء اللاجئون الحدود من منطقة تيغراي الإثيوبية، التي تعجّ بالقتال وأعمال العنف منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، بعدما نشرت الحكومة الإثيوبية قواتها في المنطقة.
إثيوبيا وتصعيد الصراع
لفتت المراسلة إلى أنّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، قد أرسل قواتٍ حكومية إلى تيغراي بعد أن زعمَ أنّ هجوماً وقع على قاعدة عسكرية فيدرالية من جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الحزب الحاكم في المنطقة الذي كان يسيطر أيضاً على السياسة الإثيوبية حتى تولى آبي أحمد السلطة في 2018.
ونفَتْ الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ضلوعها في الهجوم، واتهمت آبي باختلاق القصة لوضع المنطقة المضطربة تحت سيطرته الكاملة. وكانت التوترات بين حكومة آبي والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي محتدمة منذ شهور، لكن هجوم آبي أدَّى إلى تصعيد الصراع على نحو كبير.
وزعم آبي أن القوات الفيدرالية «تسيطر سيطرة كاملة» على ميكيلي عاصمة تيغراي. لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تعهدت بمواصلة القتال، مهددةً بأنها ستحوِّل الصراع إلى حرب عصابات. وقد يتحول الصراع أيضاً إلى حريق إقليمي؛ مما قد يجتذب إريتريا المجاورة.
إنّ تتبُّع ما يحدث على الأرض أمر صعب للغاية، فقد أدَّى التعتيم الذي تفرضه الحكومة على الاتصالات إلى قطع خدمة الإنترنت وخطوط الهاتف؛ مما يحد من معرفة الصحافيين والجماعات الإنسانية بحقيقة ما يجري على الأرض.
لكن التقارير المباشرة عن أعمال العنف راحت تتدفق من عشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا عبر الحدود إلى السودان – بمتوسط 3 آلاف شخص يومياً وفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين. كذلك يُعد الوضع الإنساني في تيغراي مثيراً للقلق: فقد قُطِعت إمدادات الطعام والمساعدات الأخرى لأسابيع بسبب القتال عن حوالي 100 ألف إريتري ممن يعيشون في مخيمات اللاجئين القائمة منذ مدة طويلة في المنطقة.
إنّ هناك أزمة لاجئين وأزمة إنسانية تتكشف في الوقت الحقيقي، وسط جائحة وأزمة جوع تفاقمت بسبب الجفاف والجراد. ولمعرفة المزيد تحدثتُ إلى يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، الذي يقدّم المساعدة للاجئين الذين فروا إلى السودان. وكان إيغلاند قد زار للتو مخيم أم راكوبة، وهو مخيم للاجئين في الجزء الشرقي من السودان، ومن خلال اتصال هاتفي مشوش إلى حد ما شارك معنا ما رآه هناك وأفصح عن مخاوفه بشأن احتمال حدوث كارثة عميقة في المنطقة.
إقليم تيغراي: أوضاع صعبة
وفي سؤاله عن مخيم أم راكوبة الواقع شرق السودان، يقول إيغلاند، الذي كان قد غادر لتوه ذلك المخيم الواقع بالقرب من الحدود مع منطقة تيغراي الإثيوبية: إن المخيم يضم حتى الآن 10 آلاف من أبناء تيغراي، وأن العدد يزداد كل يوم، ويتعرّض مجلس شؤون اللاجئين النرويجي لضغوط وأعباءٍ جسيمة؛ لأنه واحد من جماعات الإغاثة القليلة التي تعمل هناك.
غير أنه أشار بقدر من التفاؤل إلى أن أعضاء المجلس النرويجي تمكنوا خلال خمسة أيام فقط من إقامة مدرسة كاملة تضم خمسة فصول دراسية، زادت الآن إلى 10 فصول، يتردد عليها التلاميذ من الصف الأول للعاشر في مُدَّتين دراسيتَيْن. وقال إنه حضر بعض الفصول، حيث يقوم المعلمون اللاجئون الآن بتدريس الأطفال اللاجئين بلغة تيغراي. وهم الآن يعيدون وضْع المناهج بمساعدة المجلس النرويجي. وأوضح إيغلاند أن الطلاب كانوا يتعلمون الطرح والجمع والضرب اليوم في الصف الثالث على ما يبدو. واعتبر إيغلاند أن ذلك مؤشر على وجود أمل في قدوم أوقاتٍ أفضل.
وقال إيغلاند: «إن الناس تأتي كل يوم إلى المخيم، ولكنهم يأتون الآن بأعداد أقل مما كان عليه الوضع منذ أسبوعين، بعدما أصبح عدد الأشخاص الفارين إلى السودان أكبر من العدد الذي يصل إلى أي بلد أوروبي في عام واحد. لقد استقبل السودان من تيغراي في غضون ثلاثة أسابيع عدداً أكبر من اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة خلال عام واحد».
الدول الفقيرة توفر الملاذ للاجئين
وأشار إيغلاند إلى أنّ الوقائع والأحداث تثبت أنه في زماننا يأتي جميع اللاجئين تقريباً من بلد فقير إلى بلد فقير آخر، وأنّ الدول الفقيرة هي التي توفر الحماية، وتوفر الملاذ الآمن للاجئين في عصرنا هذا.
وفي ما يتعلق بروايات مَنْ وصلوا إلى المخيم، قال إيغلاند: إنهم بلا شك فروا من العنف، أو فروا خوفاً من العنف، ورواياتهم بشأن ذلك موحدة، إذ إن بلداتهم وقراهم ومجتمعاتهم تتعرض للهجوم.
الرجال يفرون لأنهم مستهدفون
وقال إيغلاند إنه لم يرَ قط مخيماً به كثير من الرجال مثل أم راكوبة، حيث تبلغ نسبة النساء والأطفال في مخيم اللاجئين العادي حوالي 80٪، وتبلغ نسبة الرجال 15 إلى 20 بحد أقصى. ولكن غالبية مخيم أم راكوبة من الرجال. هذا لأنهم مستهدفون بالقتل والقمع لأنه من المفترض أن يكونوا مرتبطين بقوات تيغراي المقاتلة. «لكن معظم الأشخاص الذين التقيت بهم كانوا طلاباً في الهندسة الميكانيكية، ومن أماكن خارج تيغراي. وكان منهم معلمون، وممرضات، ومزارعون».
وشدّد على أن العنف يجب أن ينتهي، وأنه يجب أن تكون هناك حماية فعالة للمدنيين حتى يتمكن الناس من التفكير في العودة إلى أوطانهم. ويبدو أنّ ما نواجهه هو أزمة أخرى للاجئين طويلة الأمد، وهو ما لا يجب أن يحدث حقاً في السودان، حيث يوجد بالفعل مليونا نازح داخلياً بسبب العنف، ومليون لاجئ، وأزمة اقتصادية هائلة.
موظفونا فرّوا ولا يمكننا الاتصال بهم
وأوضح إيغلاند أنه لا يريد أن ينقل المزاعم حول الأشخاص الذين هاجموا سكان المخيم في تيغراي قائلاً: «نحن نعمل في منظمة إنسانية، ونحن محايدون ونسعى للوصول إلى تيغراي. والمجلس النرويجي واحد من المنظمات القليلة التي كانت تعمل بنشاط في تيغراي. وكنا نخدم الإريتريين في تيغراي. والآن لا يمكننا حتى الاتصال بموظفينا هناك، الذين فر كثير منهم أيضاً. ولدينا نحو 100 موظف إغاثة في جنوب تيغراي، فر كثير منهم أيضاً من القتال الذي كان شرساً في بعض المناطق».
وفي ما يتعلق بوضع اللاجئين الإريتريين في تيغراي، قال إيغلاند: «إن هناك احتمالاً بأنهم يتعرضون للنزوح أيضاً». وأضاف: «هناك مزاعم بوجود قوات إريترية داخل تيغراي، وهؤلاء أشخاص فروا من إريتريا. ولكن مرة أخرى أهم نقطة هنا هي أننا بحاجة إلى الوصول إلى هناك. ونحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على إرسال الإمدادات إلى عمال الإغاثة لدينا، والإمدادات إلى اللاجئين الإريتريين الذين نخدمهم، ونحتاج إلى التواصل مع عمال الإغاثة المحليين في تيغراي، ولم نحصل على ذلك حتى الآن».
إلى متى ننتظر؟
أوضح إيغلاند أنهم لا يريدون أن ينتظروا حتى يأتي اللاجئون إليهم في السودان للحصول على المساعدة، «بل نريدهم أن يبقوا في تيغراي، ونحن على استعداد، وقادرون على توسيع نطاق عملنا داخل تيغراي».
وقال: «إنّ مجلس اللاجئين النرويجي يقدم الآن مساعدات نقدية لكلّ أسرة لاجئة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي بما يعادل 24 دولاراً للشخص الواحد و48 دولاراً للعائلة، وهو تبرّع كبير للغاية يمكن للعائلة نفسها أن تقرر استخدامه في أكثر ما يحتاجون إليه».
التعامل مع كوفيد– 19
وقال: «إنّ العاملين في المجلس أثناء قيامهم بالعمل يرتدون اللُّثُم والأقنعة ويحافظون على التباعد الجسدي ونظافة اليدين دائماً. وبالرغم من أن اللاجئين لا يرتدون اللُّثُم أو الأقنعة، إلا أنه لا توجد مؤشرات على الإصابة بكوفيد-19 بينهم حتى الآن. ولكن هناك انتشار متزايد للفيروس في السودان بوجه عام. ولذا يتعين على العاملين في المجلس الحرص الشديد حتى لا ينشروا المرض بين المجتمعات الضعيفة التي تعيش مكتظة للغاية هنا».
وفي الختام أعرب إيغلاند عن أمله في ألا تتحول أزمة اللاجئين إلى أزمة دائمة، وألا يظل تلاميذ مدرسة مخيم أم راكوبة في هذا المكان عندما يكبرون. غير أنه قال إنهم بحاجة إلى أن يناقشوا مع السودان إمكانية إيجاد حلول دائمة؛ حتى يتسنى لهم الحصول على فرص عمل في السودان. ولكن الحل طويل المدى – كما قال – هو أن يتمكنوا من العودة طوعاً في ظل الحماية والأمان إلى تيغراي. وهذا يتطلب حلاً سلميّاً للنزاع.
“ساسة بوست”