الجيش السوريّ الأبيض في مواجهة كورونا.. أسطورة صامتة تكتب بالشهداء والجهود والدموع
} إيناس سفان وراما رشيدي
ليس هيّناً أن تقاتل عدواً. تلبس الأقنعة والقفازات وتغطي معظم وجهك خوفاً من ان يتسل إلى جسمك، ورغم ذلك قلة الذين نجحوا بالتخفي عنه.
سورية التي تقاتل دفاعاً عن وجودها، بكل الوسائل والميادين والجبهات، لها جيوشها العتيدة والأسطورية كذلك، ليس فقط في حرب النار، بل في حرب كورونا. حرب دفاع مقدس من نوع آخر.
ووفق الدكتور مزهر سلطان لا يقع على عاتق الكوادر الصحية العاملة في مراكز العزل الطبي مسؤولية تقديم العلاج للمرضى فحسب إنما حماية أنفسهم وأسرهم من انتقال العدوى وهم يقومون بواجبهم المهني والوطني باعتبارهم الجيش الأبيض المعني بالتصدي لأي جائحة أو وباء.
ويستذكر الدكتور سلطان في حديثه لـ سانا صعوبة العمل خلال الذروة الأولى من انتشار الفيروس حيث وصل عدد الساعات التي ارتدى فيها اللباس الواقي إلى 14 ساعة متنقلاً بين المرضى الذين بلغ عددهم آنذاك 120 مريضاً متوقعاً أن تكون الذروة الجديدة لانتشار الفيروس قوية لأن معظم الحالات التي تصل إلى المشفى حالياً هي بدرجة شديدة.
“الواجب الإنساني والمهني أولوية بالنسبة لنا وهو ما أبعد عنا حالة الخوف من عدوى الإصابة بالفيروس وفي حال حدوثها نتقبّل الأمر بشكل طبيعي لأنها من تداعيات عملنا المتوقعة” هكذا لخصت خولة مراد الممرضة في قسم العزل الطبي في مشفى الزبداني طبيعة عملها في تقديم الرعاية للمصابين بفيروس كورونا.
والممرضة مراد تعمل حالياً مع 184 شخصاً من الكوادر الطبية من مختلف الاختصاصات لعلاج مرضى كورونا وكانت من أحد الكوادر الـ11 في المشفى الذين أصيبوا بالفيروس رغم اتخاذهم كل الإجراءات الوقائية وفق مراد، التي أكدت في تصريح لـ سانا أنها بعد الشفاء عادت لعملها، لأن سعادتها في المساهمة بشفاء مريض لا تضاهيها سعادة.
ويستقبل مشفى الزبداني المخصص لمصابي كورونا منذ آذار الماضي الحالات المثبتة نتيجة اختبار الـ PCR ومن الحالات المتوسطة والشديدة وفق رئيس الأطباء المقيمين في المشفى الدكتور مزهر سلطان والذي أصيب بالفيروس وشفي منه، مبيناً أن فترة ارتداء الكادر الصحي الألبسة الواقية ووسائل الحماية خلال وجودهم بمركز العزل تصل من 5 إلى 7 ساعات إلا أن احتمال الإصابة وارد بشكل كبير نتيجة ما يعرف طبيا بـ “حمل الفيروس” بسبب الوجود بشكل مباشر مع المرضى.
وفي السياق نفسه وبروح المسؤولية العالية تواصل الكوادر الصحيّة العاملة في مشفى قطنا الوطني والذي خصص كمركز للعزل الطبي منذ الـ 19 من حزيران الماضي أداء واجبها بعلاج مرضى كورونا إضافة إلى تقديم الدعم النفسي لهم وفق مدير المشفى الدكتور بسام الموعي الذي أكد أنه خلال ذروة انتشار الفيروس الصيف الماضي وصل عدد المرضى الذين يتلقون العلاج إلى 60 مريضاً، وهي الطاقة الاستيعابية لمشفى قطنا ولم يصب أحد من الكوادر الصحية، مبينا أنه لا يوجد حاليا أي مريض في المشفى وأن الكوادر جاهزة بكل وقت لتقوم بواجبها في تقديم الرعاية والعلاج للمرضى.
وأشارت رئيس قسم التمريض في مشفى قطنا شهناز تهوان إلى أن الكادر التمريضي تلقى دورات تدريبية للتعامل مع مرضى كورونا، ولا سيما أن مرضى كورونا في العزل لا يمتلكون أي مرافق ومعظمهم من كبار السن فكان الممرضون بمثابة الأصدقاء والأبناء للمرضى ورعوهم نفسياً وعلاجياً.
وجود أطفال لديها وكبر سن والدتها التي تعاني من مرض مزمن لم يمنع الممرضة منى حسين رئيس قسم العزل في مشفى دمشق المجتهد من أداء واجبها المهني تجاه مرضى كورونا فكانت من أوائل الكوادر التي رغبت بالعمل في القسم لتكون ضمن الجيش الأبيض الملقى على عاتقه مهمة التصدي لهذا الوباء.
ولفت الطبيب المقيم في المشفى الدكتور بلال حيروقة إلى أن الشعور بالواجب والقدرة على تقديم الرعاية الطبية لمصابي كورونا هما سبب اختياره الوجود في قسم العزل رغم أن ذلك منعه من زيارة أهله خشية نقل العدوى، مبيناً أنه رغم كل الإجراءات الوقائية العالية وارتداء بدلات الحماية لفترة تتجاوز الـ 8 ساعات إلا أنه أصيب بالفيروس، لكن ذلك لم يثنه عن العودة للعمل بعد شفائه.
وبعبارات ملؤها الحزن يستذكر حيروقة لحظات سماع وفاة أحد زملائه أو أساتذته من الأطباء العاملين في مراكز العزل في المشافي أو العيادات نتيجة إصابتهم بكورونا، موضحاً أنهم شهداء الواجب قدوة لنا لمزيد من العمل للحد من انتشار الفيروس ووقوع إصابات ووفيات أكثر.