فخامة الرئيس: إلى متى!؟
د. عدنان منصور _
دولة تترنّح، ونظام يحتضر، اقتصاد منهار، وخزينة منهوبة، وودائع مسروقة، وشعب يئن ويجوع. لصوص المال يسرحون، وفجّار البلد يمرحون. على أبواب دول العالم نستعطي ونستجدي، يُملُون علينا ويشترطون،
يجتمعون بنا وعلينا يُملًون. يعرفون طينة وعجينة كلّ واحد فينا، سلوكه ومعياره، صدقيته أو نفاقه، نزاهته أو فساده، حافظاً للمال العام ومصالح الشعب، أو مبدّداً لثروة الوطن وعابثاً بحقوق المواطن.
بعد هذا الواقع المميت الذي لم يشهد لبنان مثله، حتى في أحلك ظروف الحرب، في ظلّ عدم الاستقرار السياسي، والفراغ الحكومي، وشدّ الخناق على شعب له كرامته وعزة نفسه، والتحلل البطيء لدولة قبيحة تفتقر لاحترام نفسها، واحترام دول العالم لها، دولة مترهّلة، فاشلة بكلّ المقاييس، والمعايير، بمسؤوليها الظاهرين، والمستترين داخل الدولة العميقة، يتساءل المواطنون الشرفاء الأحرار:
ما الذي يجعلنا ننتظر يا فخامة الرئيس، لنخرج من هذا المستنقع الذي وضعت فيه منظومة سياسية فاسدة شعباً بأكمله؟! وإلى متى سيظلّ المسؤولون يتلذذون بإذلال وقهر شعبهم، وكأنهم على كوكب آخر، لا تعنيهم حاجات
مواطن، ولا نداءات فقير. آذانهم صماء عن سماع صرخات طالب في الخارج ضاع مستقبله، بسبب امتناع الجهة المعنية عن تحويل القسط الجامعي، بسبب سياسات فاسد مشارك في نهب أموال البلد والناس.
الى متى يا فخامة الرئيس، ستستمرّ الدولة الفاشلة، في إذلال المواطن وتجويعه وتركيعه، وأرباب الحكم ما زالوا يتنافسون على هذه الوزارة أو تلك، على حصة أو أخرى، يفتحون شهيتهم على وزارة دسمة، ويغلقونها على وزارة مفلسة، ومن نصيب أيّ طائفة ستسند اليها! مركب لبنان يغرق بشعبه، والمسؤولون فيه يتلهّون بوجبة تشكيلة وزارية، وهندسة تكوينها وتركيبتها. بين مَن يُعيّن ومَن يسمّي، بين مَن يظفر بالعدد الأكبر، ومَن يحصل على الثلث المعطل، بين مَن يثق بالآخر أو لا يثق؟
الى متى يا فخامة الرئيس، سيظلّ الشعب اللبناني الأبي، رهينة للعناد، والمماطلة، واللامبالاة، وعدم احترام الوعود التي أعطيناها للآخرين، حتى يستمرّ البلد في الانهيار السريع، الذي نعيشه جراء الفراغ في السلطة، وعقول المسؤولين؟!
إنّ سلوك المسؤولين في التعاطي حيال الانهيار الحاصل على مستوى الدولة والمؤسسات، وتقاعسهم وإهمالهم وفشلهم في إيجاد الحلول العاجلة، إنما يعجل لثورة جامعة جارفة، تضمّ هذه المرة كلّ فئات الشعب بكلّ طوائفه، ولن يستطيع بعد ذلك أرباب المنظومة السياسية الفاسدة الفاجرة، التي دمّرت شعباً بأكمله على مدى عقود، أن يجعلوا محازبيهم والدائرين في فلكهم، والمنتفعين منهم لوقت، ليبقوهم داخل جلابيبهم. فهذه المنظومة ستدفع الثمن الباهظ، على ما اقترفته وتقترفه أياديها الملوّثة بسرقة شعب ونهب بلد.
فيا فخامة الرئيس، وإنْ كنا لا نأمل خيراً من أيّ حكومة مقبلة، لكونها تعكس نظاماً طائفياً رجعياً متخلفاً، ولطالما أنّ السارق لا يزال طليقاً، والفاسد لا يزال سارحاً، والمختلس لمال الدولة بعيداً عن المساءلة والمحاكمة،
وكلّ الذين هرّبوا الأموال العامة والخاصة، من مصرفيين، ومختلسين، ومستفيدين من هندسات ماليّة مشبوهة تستدعي المراجعة والتحقيق، ومعرفة ما وراء الأسباب الحقيقية لهذه الهندسات، التي أنعمها عليهم حاكم لا مثيل له في العالم، أوصل نظام البلد المالي الى الحضيض الذي نحن فيه.
يا فخامة الرئيس! هل وصل صوت الشعب إليكم الذي يصرخ اليوم قائلاً: أتضحّون بالوطن من أجل تأليف حكومة ومكاسب وزاراتها، أم تتنازلون عن بعض المكاسب لإنقاذ وطن وشعب على السواء؟!
هل تسمعون صوت المواطن المعذب المسحوق، أم يضيع صوته في الأثير، أثير مَن يبحث عن المغانم، والمناصب، والمكاسب، والتمسك بأنانيته، والإصرار على عناده، وعنجهيته؟!
فخامة الرئيس!
انكم أمام الاستحقاق، وحكم التاريخ!
فلتشكل الحكومة اليوم قبل الغد، لأنّ الوطن كما الشعب لم يعد يتحمّل الانتظار. وهما فوق المصالح والحسابات الخاصة، واعتبارات المسؤولين الضيقة مهما علا شأنهم..
احذروا صولة الجياع، ولا تستخفوا بهم، فقد مضى زمن الإذلال، والتخويف من الغير، والاحتماء بالطائفة والزعيم. المواطن يريد اليوم الاحتماء بوطن يليق بأبنائه، وقضاء نزيه، شفاف، مرفوعة اليد السياسية عنه، يسوده العدل الحقيقي، ويحقق العدالة على الأرض، ومسؤولين شرفاء لا يخرجون من السلطة فاسدين بثروات غير مشروعة، لتشير عليهم الناس في ما بعد، بالبَنان وتلوك سمعتهم، وتلعنهم وذريّتهم، وتشتمهم في كلّ مناسبة تأتي على ذكرهم، وما أكثر المناسبات في هذا المجال!
*وزير الخارجيّة والمغتربين