لماذا تشويه التحقيق بانفجار المرفأ؟
} أحمد بهجة*
الأكيد أنّ أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت هم حزينون جداً اليوم، ومعهم طبعاً كلّ الضحايا، الجرحى والمنكوبين وكلّ الذين خسروا منزلاً أو عملاً أو مصدر رزق… وكذلك معهم كلّ لبناني قلبه على بلده وناسه ومستقبل أبنائه.
المؤسف جداً أنّ الحزن مصدره قصر العدل، حيث المفترض أن يكون مصدر الأمان والطمأنينة وإحقاق الحق.
أما على مَن الحزن فهو على الحقيقة التي كان ينتظرها هؤلاء جميعاً من التحقيق، وكانوا يأملون أن تأتي منصفة لذكرى الشهداء ولأوجاع الجرحى ولأنين الموجوعين والمنكوبين، فإذا بالمفاجأة تأتي من المحقق العدلي نفسه الذي وجّه للتحقيق ضربة تكاد تكون قاضية، حيث لن يكون هذا التحقيق بعدها كما كان قبلها.
قبل أيام أرسل المحقق العدلي كتاباً إلى مجلس النواب ضمّنه أسماء 4 رؤساء حكومات و11 وزيراً، وهم الذين توالوا على المسؤوليات منذ دخول باخرة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت عام 2013 حتى وقوع الانفجار الكارثي في 4 آب الماضي، فأتاه ردّ سلبي من مجلس النواب كونه تجاوز صلاحياته وخاطب المجلس مباشرة، بينما المفروض أن يخاطبه من خلال وزيرة العدل.
هذا كان في أواخر الشهر الماضي، فما الذي تغيّر في أسبوعين حتى طارت أسماء وحطت أسماء، وأصدر المحقق العدلي قراره بالادّعاء فقط على الرئيس حسان دياب دون غيره من رؤساء الحكومات السابقين، وعلى 3 وزراء فقط من أصل 11 تضمّن أسماءهم كتابه المذكور إلى المجلس النيابي؟
والمفارقة الغريبة العجيبة في بلد الغرائب والعجائب ان الادّعاء على الرئيس دياب لم يشمل أيّ وزير من حكومته، فيما الادّعاء على الوزراء السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس وعلي حسن خليل لم يشمل رؤساء الحكومات التي كانوا وزراء فيها، أيّ لم يشمل أسماء الرؤساء نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري؟!
هناك بلا شكّ قطب مخفية ستظهر تفاصيلها وحبكاتها مع الأيام، لكن بلا شكّ أيضاً أنّ مسار التحقيق تعرّض لنكسة كبيرة بمجرّد الإعلان عن قرار الادّعاء، لا سيما أنّ قراراً كهذا لا يُقنع الرأي العام العارف بالتفاصيل والمعطيات والمطّلع على القصة الكاملة لباخرة نيترات الأمونيوم وكيف وصلت إلى مرفأ بيروت ومن أين أتت ومتى دخلت وأفرغت حمولتها وكيف جرى تخزين الحمولة في العنبر رقم 12، ثمّ كيف تمّ إغراق الباخرة، ومَن هم المسؤولون الذين تناوَبوا على كلّ المواقع السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية والقضائية الذين كانت لهم صلة بهذا الملف.
كلّ هذه المعلومات وكلّ الوجوه والأسماء معروفة ومكشوفة أمام الجميع. لذلك لا يجوز التعاطي مع هذه القضية بأيّ نوع من أنواع الاستنسابية، ومن الضروري أن يطال التحقيق الجميع وعلى ضوء نتائجه الواضحة والشفافة والمعلنة يتمّ توجيه الادّعاء إلى مَن تدور شبهة حول تورّطه أو تقصيره، وإلا يكون المعنيّون بالتحقيق قد جعلوه موضع شكوك وأسئلة لها أول وليس لها آخر.
ثمّ هناك ملاحظة لا بدّ من ذكرها في هذا السياق… وهي أنّ كلّ الأشخاص الواردة أسماؤهم في قرار الادّعاء هم من لون سياسي واحد، بمعنى أنّ جميعهم من حلفاء وأصدقاء المقاومة، وهذا يستدعي سؤالاً كبيراً حول علاقة قرار الادّعاء بمسار تشكيل الحكومة الجديدة التي يريدها الرئيس المكلّف من لون واحد مناهض للمقاومة، في وقت يتمّ استهداف المقاومة وحلفائها وأصدقائها بالعقوبات من قبل الولايات المتحدة وبعض مَن معها من حلفاء وأتباع في أوروبا وفي المنطقة؟
لعلّ ما تقدّم يجعلنا نعبّر عن الأسف الشديد، لأنّ ما حصل ليس فقط استهدافاً للرئيس حسان دياب بشخصه وموقعه، خاصة أنه نزيه ونظيف الكفّ وقادر على الدفاع عن نفسه وعدم السماح لأحد مهما كان أن يمسّ بموقع رئاسة الحكومة، بل لأنه أيضاً شاء المعنيون أم لم يشاؤوا يشكل مساهمة في طمس الحقيقة وعدم وصول التحقيق إلى الخواتيم المرجوّة!
وختاما سؤال آخر… لمصلحة مَن ومِن أجل مَن اتخذ المحقق العدلي قراراً بإنهاء مهمته؟ لا بدّ أن يأتي الجواب يوماً ما…
*خبير اقتصادي ومالي