هل يحمل ماكرون مشروع تسوية لمقايضة الادّعاء بتأليف الحكومة؟
} علي بدر الدين
يروى أنّ ضابطاً سأل جندياً قناصاً على الجبهة، عن قناص العدو، المقابل له، فأجابه، انّ قناص العدو فاشل، فهو يرميني كلّ يوم، من دون أن يصيبني، فقال له الضابط، لماذا إذن لا ترميه أنت وتصيبه وتنتهي منه؟ أجابه القناص، أخشى أن أرميه، ويتمّ استبداله بقناص أفضل منه، قد يرميني، وينتهي مني.
هكذا هو حال واقعنا في لبنان، في مكافحة الفساد المتفشي في الوزارات والإدارات والمؤسسات والمصالح المستقلة، وفي الاقتصاد والمالية العامة والخاصة، وفي القطاع المصرفي، وفي كلّ جزء من جسد، هذا الوطن، حيث تحوّل الفساد، إلى ثقافة عامة، والى أمر واقع، وممرّ إجباري، للنهب والتحاصص والتسلط، والأهمّ إلى الثراء السريع والضخم. وأتاح لأعداء لبنان وشعبه، من الداخل والخارج، حماية الفاسدين، وعدم السماح لأيّ كان بالرمي عليهم واستهدافهم، في أيّ موقع كانوا، لأنهم خط الدفاع الصلب، عن مصالحهم وأطماعهم، وما يخططون له، وقد يقضي عليهم، والانتهاء منهم، وهذا يعني حتماً، استبدالهم بآخرين، قد يكونون أفضل منهم، ويملكون القدرة على تقويض الفساد، وكشف الفاسدين ومن يوفر لهم الحماية والغطاء واستمرار البقاء في مواقعهم السلطوية والوظيفية، حيث يعيثون فساداً ونهباً واهتراء، في كلّ القطاعات الإنتاجية، وباتوا مرتهنين وتابعين وخاضعين، ومحكومين وغير قادرين على التمرّد والخروج من جلابيب مشغليهم.
لا بدّ والحال هذه من الحفاظ عليهم، حتى لا يأتي بأفضل منهم، فيخرّبون منظومة الفساد المتماسكة منذ ثلاثة عقود.
الفساد المستشري أصبح ظاهرة سياسية واقتصادية واجتماعية في لبنان، ولم يعد أحد في أي موقع سياسي أو رسمي، أو خاص يستحي به، أو يسبّب له إحراجاً، أو قلقاً أو خوفاً أو خجلاً، من الاتهام والمساءلة والمحاسبة والعقاب، أو أن يخشى على عدم نظافة سجله العدلي، وحرمانه من الأهلية المدنية والوظيفية والسياسية، ما أدّى إلى تمادي الفاسدين، في فسادهم، وفي توسع مروحته، علنا، وعلى عينك يا شعب لبنان العظيم.
كلّ الفاسدين والمتهمين والمشتبه بهم، يبدو أنهم بدأوا، يتحسّبون لنهايات غير سعيدة لا يريدونها، «لأنه طفح الكيل»، داخلياً وخارجياً، بعد استفحال الفساد، وبلوغ لبنان وطبقته السياسية مرتبة الأكثر فساداً بين دول العالم، وقد طارت شهرتهما، وذاع صيتهما، و»ملآ الدنيا وشغلا الناس»، وقد وصل «الموسى» إلى الذقون والرقاب، وآن أوان هبوب العاصفة، لمكافحة الفساد واجتثاثه وكشف الفاسدين، وفضحهم ومحاسبتهم، من جميع الذين تناوبوا عليه ومارسوه، وجنوا منه الكثير من الأموال والعقارات والنفوذ والاستبداد والظلم الظاهر والمقنع، ومن نتائجه وتداعياته، انهيار البلد وإفقار شعبه وتجويعه وحرمانه من كلّ حقّ له، وتحويله إلى متسوّل ينتظر، على مفترقات الخطر الفعلي المتربّص به، مساعدات إنسانية وغذائية وعلاجية، وهبات وقروض عاجلة من دول خارجية، من دون طائل، لأنّ الثقة الدولية، كما المحلية، انعدمت بالسلطة السياسية، لعدم التزامها بشروط الإصلاح الحقيقي.
انكشف الفساد المستور المعلوم، مع أنّ أحداً لم يكن يجرؤ على الاقتراب من الفاسدين ومواقعهم، لا في السر ولا في العلن، ولا حتى همساً أو بالإشارة.
لكن، على ما يقول المثل الشعبي «كثرة الدقّ بتفك اللحام»، وبقدرة وقادر، أو لاعتبارات سياسية أو لطغيان المصالح والحسابات الخاصة، بات هو الحدث المزلزل، الذي قد يطيح بالرؤوس الحامية، أو على الأقلّ يفضحها، ويسحب البساط من تحت أقدامها، وقد طغى على ما عداه من أحداث وكوارث ومآس، و الشغل الشاغل، لكلّ اللبنانيين من دون السلطة، الذين لطالما انتظروا هذه الفرصة الثمينة، بل هذه اللحظة التاريخية، التي ستضرب الفاسدين بالفاسدين، والظالمين بالظالمين، حتى لو أنها قد لا تصل إلى الخواتيم السعيدة، لأنّ منظومة الفساد، لا تزال تملك الكثير من الأوراق المستورة و «الأسلحة « الطائفية والمذهبية والسياسية والزعائمية، ووسائل الترهيب والترغيب والتهديد، بما لا يحمد عقباه، أقله التلويح بالفتن وتفاقم الصراعات والنزاعات والحرب الأهلية، لو اقتضى الأمر، لقطع الطريق على كلّ من يحاول الإيقاع بها، واتهامها وتحميلها المسؤولية عن كارثة مرفأ بيروت، وعن نهب المال العام والخاص، والسطو على أموال المودعين في المصارف من مقيمين ومغتربين، وتمرير رفع الدعم عن السلع الضرورية. غير انّ فصول ردود فعل المتهمين، بدأت تتوالى مع ادّعاء المحقق العدلي القاضي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء السابقين النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل ويوسف فينيانوس، حيث هبّت عاصفة رفض الادّعاء والاستدعاء والاستجواب، وسيل من تساؤلاتها، لماذا هؤلاء وليس غيرهم؟ ولماذا في هذا التوقيت، وهذه الاستنسابية والانتقائية؟ ونسأل، هل التحقيق في انفجار المرفأ سلك مساره الجدي استجابة للمبادرة الفرنسية لإقرار قوانين إصلاحية حقيقية وإنقاذية كشرط فرنسي أوروبي لمساعدة لبنان؟
ما أعقب ادّعاء القاضي صوان من مواقف مؤيدة ومعارضة وكيدية سياسية، لا يبشر بالخير ولا بالتفاؤل ولا بالإصلاح، وقد تعرقل التحقيقات، لمعرفة المسؤول عن انفجار المرفأ، لأنّ اتهامات التسييس ستتوسع دائرتها، والضغوط ستبلغ حداً من الخطورة على الوضع العام برمته، وهذا ما أوحت به ردود الفعل الأولية، وأولى شظاياها وضحاياها تعثر ولادة الحكومة التي طويت صفحتها، وأصبحت في ذيل الاهتمام، وفي مهبّ المصالح والعواصف، وما لها من ارتدادات مدمّرة، على حقوق الذين استشهدوا، في انفجار المرفأ والذين أصيبوا وتعوقوا وتشرّدوا ودمّرت بيوتهم وخسروا أملاكهم وموارد رزقهم، وكذلك الشعب اللبناني، الذي تبخرت أحلامه أو طمست، إلى غير رجعة.
السؤال المستجدّ، هل يتابع القاضي صوان مهمّته، ويدّعي على آخرين، ويصرّ على مواقفه وعلى قناعته بما قرّره وسار به؟ أم أنه قد يتراجع، وربما الاستقالة من مهامه، تحت الضغط السياسي والاحتشاد الطائفي والمذهبي والسلطوي، خاصة أنّ القوى السياسية المسؤولة والمعنية، عن الذين ادّعى عليهم او الذين يقفون في صف انتظار دورهم؟ وماذا لو قرّر المدعى عليهم عدم المثول أمامه؟ وماذا لو انسحب هذا الموقف، على من هم على لائحة الادّعاء والإستدعاء؟ خاصة أنّ القوى المعنية بالادّعاء، حشدت جهابذة القانون والدستور للدفاع عن المدّعى عليهم اليوم وغداً وبعد حين، وكلّ يدلي بدلوه، ويجتهد ويفتي، وفق ما يخدم توجهاته وانتماءاته ومرجعيته، ومدى قانونية ودستورية قرار الادّعاء، لأنه كما اجتهد البعض هو من اختصاص وصلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
هل هذه العاصفة القضائية الاستباقية، على علاقة بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان قبل الميلاد، عله يوفق في تهدئة خواطر الشباب، وينجح بإيجاد حلول ومخارج وسطية إرضائية وعقد تسوية، «لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم ولا يخسر الراعي»؟ وهل يكون الثمن، مقايضة تأليف الحكومة، بطي صفحة الادّعاء أو تأجيله، حتى إشعار آخر، أو أجل غير مسمّى؟ ورحم الله شهداء المرفأ والشفاء العاجل للجرحى، والتعويض على الله؟