هل هناك تحالف تركيّ ـ «إسرائيليّ»؟
} د.وفيق إبراهيم
التموضعات الإقليمية لكل من تركيا و»إسرائيل» تثير الدهشة لتوافقهما الكامل من دون أي استثناءات.
يتّحدان في سورية معتبرين الدولة السورية عدوهما المشترك، ويؤيدان في العراق إقليم كردستان بالسلاح وسرقة النفط العراقي واحتلال قسم من أراضيه، كما يؤازران التحاالف السعودي ـ الإماراتي في اليمن بالمشروع السياسي والسلاح، ولديهما حلفاء متعاونون معهم في تونس وليبيا والمغرب.
هذا ما ورد في مقابلة حديثة للمبعوث الأميركي الى سورية وممثل التحالف الدولي فيها جيمس جيفري الذي جزم بأن الدور التركي في الإقليم يحظى بتأييد مفتوح من الأميركيين والإسرائيليين.
قد ينبري معترضون على هذا التقييم يزعمون ان الأميركيين ينفذون عقوبات بحق تركيا لشرائها صواريخ 400SS من روسيا لكن الإجابة هنا حاضرة، وتؤكد أن هذه العقوبات سطحية ومعنوية، تبدو وكأنها احتجاج أميركي خجول لا يريد الإساءة الى مقترف الذنب بل مجرد تنبيهه، والدليل أن تركيا لم تذهب ناحية روسيا لشراء الصواريخ إلا بعد يأسها من شراء سلاح أميركي مماثل ومقاتلات 35SS التي كانت واشنطن قد وعدتها بالسماح بتعاون تركي في التصنيع.
لمزيد من البرهنة، فإن مشروع العقوبات الاوروبية على تركيا، أجهضه الأميركيون بالتعاون مع دول اوروبية مثل إيطاليا والمانيا والنمسا التي تلتقي مع تركيا في تأييد دولة السراج الإخوانية في ليبيا، لذلك أطلق الأوروبيون عقوبات على رجلي اعمال تركيين مهددين بعقوبات اكثر قسوة بعد عدة اسابيع.
هل هذا حدود الاندماج التركي ـ الإسرائيلي وبالتالي الأميركي؟
بداية تجب الإشارة إلى وجود ثلاث قوى إقليميّة في الشرق الاوسط هي ايران وتركيا و»إسرائيل»، لجهة إيران فإنها تؤدي دوراً قوياً في إسناد حلفائها في العراق ضد الإرهاب والاحتلال الأميركي، كما تشارك عسكرياً واقتصادياً وسياسياً في دعم الدولة السورية في وجه الإرهاب و»إسرائيل» والنفوذ الأميركي ومعها حزب الله الطرف الاساسي في الدفاع عن الدولة السورية، بالمقابل تدعم تركيا الإرهاب وتحتل منطقة ادلب والشمال السوري..
أما «إسرائيل» فهي تطلق غارات جوية متعددة ضد مواقع الدولة السورية وحلفائها. بما يكشف انقسام القوى الأساسية في الاقليم بين إيران الداعمة للدولة السورية في ما «إسرائيل» وتركيا تعملان على إسقاطها، وبوسائل عدة منها الاحتلال المباشر ودعم التنظيمات الإرهابية والغارات الجويّة الدائمة.
هذا الوضع ينطبق أيضاً على العراق، هناك دعم تركي ـ إسرائيلي في إسناد إقليم كردستان، على مستوى الرعاية الإسرائيلية لقواته العسكرية والأمنية وتصدير نفط كردستان كركوك الى تركيا وبعضها يذهب الى الكيان الإسرائيلي، وتحتلّ تركيا جزءاً كبيراً من أراضي العراق بتغطية من الاحتلال الأميركي وموافقة مسبقة منه.
فيتبين مدى الانسجام الكامل بين الأدوار الاحتلالية لإسرائيل وتركيا في العراق وسورية مقابل دور إيراني مؤيد للدولة السورية من جهة ودولة العراق وحشده الشعبي من جهة ثانية.
فيتضح مدى التناقض الحاد بين ادوار القوى الإقليمية الأساسية في الشرق الاوسط، أي بين إيران بمفردها مقابل تحالف غير معلن من «إسرائيل» وتركيا برعاية أميركية كاملة ومن دون أي تباين ولو قيد أنملة واحدة.
هذه الوضعية تنقل تموضعاتها الدقيقة وبشكل حرفي الى اليمن، فهناك أيضاً تدعم تركيا حزب الإصلاح الاخواني اليمني بالسلاح والمال والمدربين كجزء من المشروع السعودي ـ الإماراتي الذي يهاجم اليمن منذ ست سنوات، هنا أيضاً تدعم البحرية الإسرائيلية التحالف السعودي بنصب حصار على دولة صنعاء من جهة البحر الأحمر وتشارك بتكتم شديد في بعض الغارات الجوية الى جانب أسراب جوية بريطانية وسعودية.
هذه التقاطعات تنسحب ايضاً على ليبيا، لكنها تقتصر على التقارب السياسي كحالها في تونس، ويكفي أن تركيا التزمت صمتاً إيجابياً من التطبيع المغربي ـ الإسرائيلي حتى يتبين مدى العمق في التفاهمات الإسرائيلية ـ التركية غير المكتوبة.
كيف يتفاهم هذان البلدان من دون نص مكتوب؟
هذا أمر ترعاه وسيلتان: الاستخبارات في البلدين المطبعين اصلاً مع بعضهما بعضاً منذ أكثر من ستة عقود، ويقيمان منذ تاريخه علاقات اقتصادية واسعة جداً واستخبارية أمنية عميقة يتبادلان فيها المعلومات عن الدول العربية المجاورة لهما في سورية بشكل أساسي والمقاومات في لبنان والاردن..
أما الوسيلة الثانية فهي تموضعهما لدى راعيهما الأميركي الذي يستشيرانه في كل شيء تقريباً، وهو الذي يملي عليهما ما هو الحد الأقصى او الأدنى مع تحديد الخطوط الحمر.
بتبين بالاستنتاج ان تنبؤات جيمس جيفري حول تفاهمات روسية ـ تركية وشيكة لتدمير النفوذ الإيراني في سورية ليست صحيحة.
فالروس متيقنون ان الدور التركي المتحالف مع «إسرائيل» هو دور أميركي كامل يستهدفهم مع الإيرانيين على حد سواء، لأن المشروع الأميركي يريد تفتيت سورية ولا يزال، كما ان «إسرائيل» تعمل من أجل هذا التفتيت بدعم كانتون من منظمات ارهابية في مناطق يحتلها الجيش التركي، ودويلة للاكراد شرقي الفرات، وإسقاط الدولة السورية لتأسيس دولة جديدة من معارضات محسوبة على السعودية وتركيا، تذهب نحو الاعتراف بـ»إسرائيل» بعد أول بيان تأسيس يصدر عنها وبموافقة تركية.
لقد بات هذا السيناريو مجرد أحلام صبيان خسروا المعركة ولا يريدون الاعتراف، ولا شك في أن الدولة السورية بالتعاون مع الروس ذاهبان الى إدلب لإنهاء الدور التركي، ومعه الدور الإسرائيلي الأميركي على الرغم من إرهاصات جيمس جيفري التي لا تستند على حقائق الميدان والتطورات السياسية.