شهادة تخرّجها ممهورة بشهادة وفاتها: إسراء أيوب شهيدة الجسر المفقود
} نزار قانصوه
استفاق طلاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الفرع الرابع في زحلة على خبر وفاة زميلتهم في الجامعة اللبنانية إسراء أيوب، جرّاء محاولة عبورها أوتوستراد زحلة أو ما يسمّى طريق الموت أثناء خروجها من الجامعة بعد تسجيلها في السنة الأولى لتخطيها الخطوة الأولى في أدراج مستقبلها، ولكنّها لم تكن تعلم أنها الخطوة الأخيرة من سلّم عمرها.
لطالما سقط العديد من الضحايا على هذه الطريق نتيجة تقاطع مرور الطلاب الذين يسافرون رحلة الشتاء والصيف في النقليات العامة، قد تمتدّ أحياناً إلى ثلاث ساعات كي يصلوا إلى جامعة الوطن الوحيدة في محافظة البقاع من شرقه إلى غربه مروراً بأوسطه، كلّ هذا العناء من مسافة السفر إلى مزاج سائق النقل العام بين وقفة هنا وارتفاع صوت «المسجلة» من هناك كأنك في مهرجان أو حفلة غنائية، حتى يصل الطالب في نهاية المطاف إلى جامعته بعد أن عثر على أجرة نقله من عرق جبين أبيه وأنين أمه التي حرمت نفسها كي تسجّل ولدها في الجامعة، حاملاً بيده اليمنى محفظة للكتب كان قد استعار بعضها من زملائه لتعذّر شراء نسخة كاملة من الكتب المطلوبة، وبيده اليسرى يخبّئ وثيقة وفاته الممهورة بحبر الألم ورحيق الدمع.
ويبقى السؤال هنا: هل جسر المشاة يكلّف الدولة أعباء كثيرة؟ أم أرواح الطلاب لا قيمة لها؟
معاناة يوميّة يعيشها طالب الجامعة اللبنانية في كليتي الآداب والعلوم الإنسانية والحقوق والعلوم السياسية في زحلة، كلّ ذلك رهن وعود الدولة بإنشاء جسر للمشاة يساهم في حجب مسلسل القتل اليوميّ على طريق الموت المفتعل، على الرغم من المناشدات الحثيثة للطلاب منذ سنوات ببناء هذا الجسر الذي يؤمّن لهم سلامة العبور إلى صرحهم العلمي ذهاباً وإياباً، وهذا لا يكلّف الدولة أعباء طائلة أو تكاليف باهظة الثمن، فيمكن لمتبرّع واحد أن يتكفّل لوحده ببناء الجسر، ولكن الإهمال المزمن والنسيان المتكرّر للمنطقة يسرق كتب المتعطشين ويفتت أوراق الراغبين في العلم والمعرفة.
أهكذا نكافئ طلابنا! في قتلهم واحداً تلو الآخر على الطرقات لمرورهم بأكثر من ٢٠ منطقة أو ضيعة قبل وصولهم الجامعة او جراء عبورهم طريقاً دوليّاً غير مخصص للمشاة.
إلى متى سيبقى طالب العلم مهمّشاً من أدنى حقوقه، (الحق في اكتساب العلم والحق في الأمان)، فهل هذا مستحيل!؟
من يعيد إلى إسراء أحلامها في بناء وطن النجوم، في بناء وطن يقوم على مبدأ الكفاءة، مرتكزاً على جيل الشباب المتعلّم المثقف الذي لم يكلّ ولن يملّ عن خدمة وطنه آملاً منه خلع رداء الفساد ليحلّ محله رداء النزاهة والعدل.
نعم، اليوم استشهدت إسراء وقبلها فقدنا الكثير الكثير من الضحايا منهم من قضى شهيد العلم والأقلام الصارخة ومنهم من تعرّض للأذى نتيجة كسور ورضوض في جسمه، وغداً لا نعرف اسم من يسطّر على وثيقة الوفاة الجديدة.