لبنان والتدمير الذاتي
لا تبدو الأزمة المتعدّدة الوجوه التي تعصف بلبنان في طريق الانحسار، مع تراجع الاستقطاب التقليدي الذي حكم لبنان لزمن طويل على أساس السياسات، وعرف بثنائية 8 و14 آذار، التي تنمّر وتندّر عليها الكثيرون، لكنها شكلت أساساً لانتظام السياسة وقواعد ممارستها على أساس الخلافات والتفاهمات تجاه القضايا الكبرى، وجاء تخلخل الجبهتين لحساب تحالفات أو خصومات جعلت الساحة السياسيّة تنتظم على قاعدة خصم خصمي حليفي وصديقي بدلاً من معادلة حليف حليفي حليفي، والخصم الذي صار حليفاً هو حليف الحليف.
لا يبدو أن الانهيار الاقتصادي الذي يدخل مرحلة القفزات الكبرى حافزاً كافياً لخطوات سياسية إنقاذيّة. فالحسابات الخاصة للأطراف تجاه بعضها البعض لا زالت كفيلة بخلق مناخات وتوترات تحول دون الاجتماع حول مبادرات تلاقي الحد الأدنى لمنح الأولوية لمخاطر محدقة تحتاج الى مبادرات جامعة لا تبدو في الأفق، وفي مقدمتها تشكيل حكومة جديدة.
لا يبدو أن الانطلاق من حسابات المصلحة الوطنية متقدم على حسابات التعامل مع الخارج، خصوصاً بالنسبة للذين يأخذون الخوف من العقوبات الأميركية أساساً للكثير من مواقفهم، بحيث يتكفل هذا القلق برسم ضوابط تتحول الى موانع دون القيام بمبادرات أو دون القدرة على التأقلم الواقعي مع شروط إنجاح مبادرات الآخرين.
لا تبدو الظروف الإقليميّة والدوليّة التي كانت دائماً أساس خلق الظروف المؤاتية للتسويات الداخليّة في مرحلة تتيح تجاوز خلط الأوراق والانتظار الناجمين عن غموض سيبقى مسيطراً حتى ربيع العام المقبل في ظل متاعب مرحلة الانتقال التي تشهدها أميركا رئاسياً وتنعكس على أغلب اللاعبين الكبار دولياً وإقليمياً.
لا تبدو القوى التي تقدّم نفسها كمشاريع تغيير قادرة على تقديم نماذج مختلفة عن قوى السلطة التقليدية في تعاملها مع مسائل كالتحرر من التأثيرات الخارجية أو البحث عن المشتركات أو القدرة على مغادرة الشعارات التي تؤسس للانقسامات الداخلية وتبتعد بكل طرح سياسي محكوم بحضورها عن فرص الواقعية السياسية التي تشكل شرطاً لتحقيق أي تقدم راهن.
لا يبدو القضاء قادراً على تقديم نموذج مخالف عن الواقع السياسي لجهة النجاح في تقديم مثال عابر للانقسامات أو تشكيل كتلة داعمة في الرأي العام عابرة للطوائف تحدث الانقلاب في الموازين لصالح الثقة بأنه يمثل الضمير الجمعي للبنانيين ولفكرة الدولة التي خانها السياسيون وابتعدوا عنها كثيراً، فبعيداً عن تحليل الأسباب تقع الملاحقات القضائيّة على خطوط الانقسام التي تعيشها الحياة السياسيّة والطائفيّة.
لبنان ينتظر تسوية سياسية خارجيّة تنقذه من التدمير الذاتي.