الوطن

لا أمل في إستفاقة الطبقة السياسية والمالية من غيبوبتها عن الوطن والشعب

} علي بدر الدين

يُقال إنّ الديكتاتور الاسباني فرانكو الذي حكم اسبانيا ما يقارب الأربعين سنة، انتكست صحته في أيام حياته الأخيرة، ودخل في غيبوبية متقطعة، وكان أتباعه، يتوافدون كلّ يوم إلى باحة قصره للإطمئنان عنه. وفي أحد الأيام استفاق من غيبوبته لدقائق، فسمع ضجة خارج القصر، وسأل: ماذا يحصل؟ فقالوا له، إنّ الشعب الاسباني، جاء لتوديعك، فقال لهم، لماذا، إلى أين ذاهب هذا الشعب العظيم؟

هذا ما ينطبق تماماً على لبنان، لأنّ الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، تعتقد وتزعم، بل متأكدة أنها مخلدة، ومحصّنة من المرض والموت والرحيل الأبدي، وتتصرف كأن لا نهاية حتمية لها، مع أنها تعلم جيداً إذا لم يكن اليوم، قد يكون غداً أو بعد غد لأنّ «الساعة آتية بلا ريب».

ورغم ذلك، لا تزال ممعنة في ممارسة سياستها الإفسادية والإلغائية والاستبدادية والظالمة، ومُصرّة على عقد الصفقات وتقاسم الحصص والمغانم، في كلّ قطاعات البلد والدولة، والمؤسسات والإدارات، وفي الاقتصاد والمال العام والخاص، وفي النفط والغاز.

الأنكى، من هذا وذاك، أنها ترسم الخطط وتضع البرامج، وتتصارع، وتختلف في هذا الملف وتتفق في غيره، وفق الحصة والمكسب والمصلحة.

المهمّ عندها ان تبقى ممسكة بالسلطة، ومتحكمة بكلّ صغيرة وكبيرة فيها، وقابضة على مواقعها حتى رمقها الأخير، وكأنها ستعيش الدهر كله من دون نقصان.

 يبدو من مسار سلوكها السياسي، وعقلها المتفلّت من عقاله، وشهوتها القاتلة في حب السلطة والمال، أنها فقدت مقوّمات الإنسانية وما جاءت به الرسالات السماوية السمحاء، التي تحضّ على الرحمة والرأفة والمحبة والتسامح، وإنّ «أقربكم إلى الله أنفعكم لعياله». وإلا لماذا استمرارها في جمع المال الحرام، وفي ظلم الناس، والسطو على حقوقهم وأموالهم، وحرمانهم منها؟ ولماذا الإصرار على إفقارهم وتجويعهم وتقويض أسس ومقوّمات حياتهم في العيش الكريم الذي يليق بهم كبشر؟ وفي حرمانهم من الحدّ الأدنى من الأمن والأمان والسلام والإستقرار، في وطن معافى، وفي دولة تحكمها الأنظمة والقوانين والعدالة والمساواة والمؤسسات، وليس الأشخاص، والقوة والنفوذ، والأزلام الذين يأكلون من خبز السلطان الحاكم ويقطعون الرقاب والأرزاق؟

هل يُعقل، أنهم لم يقرأوا التاريخ حديثه وقديمه، ولم يتمعّنوا فيه جيداً، ليأخذوا منه عبرة أو نصيحة تصحّح لهم مسار حكمهم، وتدلّهم على الطريق المستقيم في إدارة شؤون البلاد والعباد؟

ولم يتعظوا بما حلّ بمصير كلّ الديكتاتورات والحكام والملوك والسلاطين الظالمين، وكيف كانت نهاياتهم، إنْ لم يكن بثورة الشعوب المظلومة والمنتهكة حقوقها وحرماتها، فبالقدر المتربّص الذي يتدخل عند خط النهاية المحتومة؟

كيف لهذه الطبقة السياسية والمالية الحاكمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود متتالية، من دون انقطاع، ان تستمرّ في ممارسة نهجها وفرض سلطتها، من دون تغيير أو تبديل، أو رحمة بلبنان وشعبه، ومن دون أن يرفّ لها جفن، وهي دائماً في صراعات ونزاعات وخلافات وتوافقات وتناغمات وتقاسم. مثلها، كمثل صراع الفيلة التي اذا تعاركت خلفت وراءها الخراب، وإنْ توافقت أو هدأت تفتك بالأخضر واليابس معاً، والثمن الباهظ والمدمّر يدفعه الشعب المسكين، من لقمة عيشه وأمانه وحاضره ومستقبله.

الأخطر في كلّ ما يحصل أنها، بحكم الخبرة والتجربة، برعت في معرفة من أين تؤكل الكتف، ومتى تفتح ملفاً خلافياً، ومتى تؤجّله، ومتى تطويه إلى الأبد، المعروفة النتائج والتداعيات، ليس عليها، بل على الوطن والناس والمجتمع، وآخرها، تأليف الحكومة، التي لن تؤلّف بقرار داخلي، رغم «الحرب» الإعلامية العالية السقف والمنسوب بين مستشاري ومكاتب قصري بعبدا وبيت الوسط نيابة وبالوكالة، من دون أفق أو هدف نبيل أو من أجل ولادة الحكومة، ولا تعدو كونها مجرد سجالات بالهواء، لأنّ الجميع يعلم أنّ قرار التأليف خارج الحدود، وليس وارداً الإفراج عن هذا القرار.

ما يحصل هو شراء للوقت وإلهاء للناس، وانتظار الترياق الذي تنعدم مؤشراته.

الكلّ ضدّ الفساد، والكلّ مع القانون والدستور والمحاسبة، وعندما ادّعى القاضي فادي صوان على البعض، هبّت ردود الفعل، من كلّ ناحية وصوب وطائفة ومذهب، واشتعلت النار في هشيم البعض ومغاراته وأنفاقه ومزاريب فساده، خوفاً من أن تلحقها كرة النار، إلى أوكار فسادها، وكثرت التساؤلات، وتنوّعت الفتاوى، وأصبح الجميع فجأة يفقهون بالقانون والدستور، وعادت الاصطفافات والمزايدات، لمجرد الادّعاء، لوأد الخطوة الأولى، في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، أياً كانوا.

ربما استعجل القاضي صوان في حصر قرار ادّعائه بالمسؤولين الأربعة، وكان الأفضل لمسار الادّعاء والاستدعاء لو تضمّن، كلّ الأسماء المدرجة على اللائحة، لكان خفف من وطأة الهجمة السياسية والطائفية والمذهبية، وحال دون استفاقة رؤساء الحكومات السابقين من غيبوبتهم عن الشأن العام، وكأنهم في مواقع الاحتياط وغبّ الطلب، لإصدار مواقف حصرية شعبوية على علاقة بإرضاء بيئاتهم الحاضنة، اسوة بالمشهد السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي العام في البلد الذي تحوّل إلى لازمة طبيعية، كلما شعر البعض «بخطر خارجي».

الديكتاتور الإسباني فرانكو استفاق من غيبوبته على صوت الشعب، سائلاً عن سبب تجمهره، وإلى أين سيرحل، وإنْ كان عن سوء نية ومقصد، في حين أنّ الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، في لبنان في غيبوبة دائمة، عمرها 30 سنة عن الشعب، وحقوقه، لا تستفيق إلا عندما تشعر أنّ مصالحها في خطر، ومن أجل أن تراكم ثرواتها وتؤمّن لها الحماية، وللتصدي لكلّ من يحاول المسّ بها، ويدعوها إلى الرحيل قبل فوات الأوان.

وهنا تصحّ المقاربة بين الشعب الاسباني، الذي يريد الاطمئنان إلى فرانكو الديكتاتور، والشعب اللبناني او معظمه أو بعضه، الذي هو فعلاً، في غيبوبة مماثلة، عن حقه المنهوب والمهدور والمصادر، الذي يستحق الدعاء له بالشفاء العاجل حتى لا يطول أمدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى