هل استهداف دياب موجهٌ فعلاً لطائفته؟
} د. وفيق إبراهيم
الرؤساء والوزراء السابقون ومعظم المرجعيّات والنواب السنة، ودور الإفتاء في بيروت والمناطق، اعتبروا أن التحقيق مع رئيس الحكومة حسان دياب هو رمي بمدفعيّة ثقيلة على موقع رئاسة الحكومة المخصص للسنة.
فبدا وكأن مذكرة التحقيق التي وجّهها المحقق صوان مستدعياً فيها رئيس الحكومة للتحقيق معه في انفجار مرفأ بيروت وكأنها إهانة للدور السياسي السني في لبنان.
لكن هذا النمط من الاستنتاجات لم تتوصّل إليه مثلاً الطائفة الشيعيّة التي لزمت الصمت على توجيه التهمة نفسها لوزيرين منها هما غازي زعيتر وعلي حسن خليل. واكتفت بتوضيحات للوزيرين نفسيهما من دون الإشارة لأي ضرر لحق بمذهبهما الشيعي.
هناك أيضاً الوزير فنيانوس المطلوب للتحقيق بالمذكرة نفسها ولم تعتبر الطائفة المارونية انها معنية بالأمر، وصولاً الى تيار المردة الذي تجاهل الأمر على الرغم من انتماء فنيانوس اليه.
لماذا اذاً هذه الضجة التي أثارها منذ انطلاقتها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وفريقه السياسي والديني وحزبه المستقبل ورؤساء الحكومات السابقون والمرجعيات والافتاء ووجهاء المناطق وقادة الأحياء؟
لا بد في المنطلق من اعتبار مذكرة صوان «ملغومة» لأنها سددت على بريء هو حسان دياب المطلوب للتحقيق في تخزين أطنان من نيترات الامونيوم في عنابر مرفأ بيروت منذ 2014.
اي قبل تسلمه رئاسة الحكومة بست سنوات تعاقبت فيها اربع حكومات هي للحريري وميقاتي وسلام، فيما كان دياب في حينها استاذاً جامعياً أو مترحلاً يبحث عن رزقه في عواصم أوروبية.
هذا يؤكد أن اختياره جرى بعد دراسة عميقة أراد منها المستهدفون قياس ردات الفعل الشعبية والسياسية، فإذا كانت خفيفة ومقبولة فإن اتهام الحريريّة السياسيّة بشخص سعد الحريري تصبح مسألة سهلة.
بذلك يتبين ان الصراعات بين التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل صهر الرئيس عون وبين الحريري وحزبه المستقبل، تدخل في حركة الاستدعاءات القضائية.
كذلك فإن استدعاء وزيرين لحركة امل التي يترأسها بري تندرج ايضاً في ابواب الصراعات بين الطرفين السياسيين.
هذا لا يعني أن السياسيين اللبنانيين أبرياء من تهم الفساد في تفجير مرفأ بيروت بأطنان من نيترات الامونيوم. فهناك طبقة سياسية من مختلف أحزاب السلطة والمعارضة متورطة في أكبر فساد يصيب بلداً بحجم لبنان، سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً وثقافياً.
لقد أدرك هؤلاء السياسيون السابقون المنتمون الى الحريرية وشركائها بين 1990 – 2020 من كل الطوائف ان لعبة الصراعات السياسية بين محور عون باسيل ومحاور الحريري – بري – جنبلاط قد تؤدي الى الانكشاف التدريجي لسطوتهم على الموازنات والديون والاقتصاد والإدارة والجيش والقضاء والجامعة والمجالس المتنوّعة والديون، لم يوفروا شيئاً مستفيدين من تغطيات سياسية دائمة حمتهم في تلك المرحلة وتعاونت معهم على نسف النقابات والأحزاب والإمساك بالإعلام.
فأصبحت الوظائف في إدارات الدولة مع الطائفية أفضل السبل لفكفكة المجتمع اللبناني وتحويله إلى جبهات متحاربة كلما أرادت قوى النظام الطائفيّ أو احتاجت إليه.
لذلك أعقب إطلاق مذكرة صوان استنفاراً أراده الحريري سنياً وجنبلاط درزياً يستهدف وزير التربية، فيما تظاهرت حركة أمل من أجل تطبيق سريع للدولار الطالبي، والعجيب أن هذه التظاهرة جرت أمام وزارة التربية في حين أن الذي يعرقل تنفيذ مشروع الدولار الطالبي هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبالتالي السلطة اللبنانيّة.
هذه هي الردود الأولى من أطراف من قوى الدولة على محاولات قوة أخرى من الدولة أيضاً هي العونيّة برئاسة جبران باسيل للسيطرة على الوضع العام الداخلي.
هناك ملاحظة لا بدّ من ذكرها وتتعلق بإدراك الوضع اللبناني مرحلة الانفجار والتشظي وسط لامبالاة من القوى السياسية الموجودة في السلطة او تلك التي تقدّم نفسها على أنها معارضة.
فهم يظهرون وكأنهم ينتظرون غيثاً من مكان ما، فهل يحمل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حلولاً للنجدة، أما الزعم بأنه مستاء ولا يريد مقابلة قادة القوى السياسية أو حتى الرئيس عون فهو مردود لسبب أساسي، هو لماذا يأتي اذا كان لا يريد مقابلة السياسيين اللبنانيين؟ هل للسياحة؟ او لتفقد الجنود الفرنسيين العاملين في الناقورة ضمن قوات الطوارئ؟
لذلك يعوّل السياسيون اللبنانيون الغارقون في مصالحهم الشخصية على مسألتين: حاجة ماكرون الى حلّ يعيد الإنعاش الى الدور الفرنسي في لبنان ومنه الى الإقليم المجاور.
أما المسألة الثانية، فهي انتهاء عصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان المجمع الانتخابي فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، وهذا يجعل من اعتراضات ترامب وهلوساته مجرد ترهات لرئيس محبط يريد مغادرة البيت الأبيض وكأنه منتصر.
وهذا غير ممكن لأن المجمع الانتخابي أي أعلى سلطة في النظام الانتخابي الأميركي أعلن عن فشله.
لذلك كان ماكرون ومعه لبنان مستفيدين من هذا الرحيل ويريدان تشكيل حكومة برعاية فرنسية ماكرونية تعاود فتح صندوق النقد وأبواب المصارف الدولية والمؤتمرات امام لبنان.
بذلك تحتفظ الطبقة السياسية بما نهبته من المال العام، وتعود الى اقتسام الإدارات والسياسات كجاري عادتها، والسبب هو تلك الطائفية التي حولت اللبنانيين أدوات في خدمة الاحزاب السياسية.
فهل ينقلب هذا المشهد الرتيب ويستيقظ اللبنانيون؟
هناك مَن يراهن على انفجار الوضع الاجتماعي نتيجة لازدياد حركات الإفقار. ما يعني إسقاط الفاسدين وإنقاذ لبنان قبل الانهيار الكياني الخطير.