دونالد ترامب والإرث السام.. التحديات الشرق أوسطية
} أمجد إسماعيل الآغا
ترقب محفوف بالمخاطر والتحديات. في العشرين من كانون الثاني 2021، سيغادر دونالد ترامب البيت الأبيض، لكن برحيله سيترك إرثاً ساماً ستبقى تداعياته تُرخي بظلال تأثيراتها على مشهدية الشرق الأوسط، وحتى التاريخ المذكور آنفاً، يستمرّ ترامب بمحاولاته لإحداث أكبر قدر ممكن من التوترات في المنطقة، فقد شهدت سنوات حكمه خضات داخلية ومنعطفات إقليمية ودولية، وقرارات من العيار الثقيل في المنطقة كـ الانسحاب من الاتفاق الدولي مع إيران، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضمّ الجولان، والمباشرة ببيع طائرات أف–٣٥ إلى الإمارات العربية المتحدة والانسحاب جزئياً من سورية.
في جانب موازٍ، فإنّ المعطيات السياسية في المنطقة لا توحي بمواجهة واسعة بين واشنطن وطهران، وكلّ ما يحدث يأتي في إطار القرارات الوداعية لـ ترامب، والتي لن تتجاوز حدود المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على دول المنطقة المناهضة للسياسات الأميركية. هذه القرارات يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً– انسحاب جزئي من العراق، وتسريع عودة 500 جندي من الساحة العراقية قبل منتصف كانون الثاني 2021، ما يتيح إبقاء 2500 جندي في كلّ من العراق وأفغانستان، إذ أنّ زيارة وزير الدفاع المؤقت كريستوفر ميلر إلى المنطقة في وقت سابق، تصبّ في هذه الخانة فقط، دون تهيئة مسرح حرب واسعة النطاق.
ثانياً– المزيد من العقوبات ضدّ سورية وإيران ولبنان، إذ تهدف هذه العقوبات إلى حشر إدارة بايدن في واقع نظمه ترامب، ولن يكون من السهل تجاوزه، خاصة أنّ إدارة بايدن تنوي العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران. في جانب آخر، فإنّ هذه العقوبات ستجد سبيلاً لها خارج إطار الاتفاق النووي، وهي بدأت عملياً على المستويات كافة، إذ فُرضت عقوبات على ضدّ قطاعات مصرفية ونفطية في إيران، وضدّ شخصيات وسياسيين لبنانيين وبعض المؤسسات، وفي سورية ضمن قانون قيصر. هذه القوانين محمية من أكثرية ساحقة في الكونغرس وسيكون من الصعب جداً رفعها في أي إدارة مقبلة.
ثالثاً– محاولة الإفراج عن عدد من الرهائن في إيران وسورية وهي أولوية للرئيس الحالي إنما مستعصية مع تضاربها بمسار العقوبات على دمشق وطهران وتردّدهما اليوم في التفاوض مع إدارة ترامب.
رابعاً– إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن بين الحوثيين والرياض بوساطة أميركية تمنح وزير الخارجية مايك بومبيو إنجازاً أخيراً قبل نقل المهام لخلفه أنتوني بلينكن. من هنا يتمّ الحديث عن إمكانية إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب الأميركية كورقة ضغط للوصول لهذا الاتفاق.
هذه هي البنود الأهمّ لترامب في الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة له في الحكم، وبشكل يرسّخ أولويات الانسحاب العسكري وحشر بايدن في ملف العقوبات، فقد بات واضحاً أنَّ الثوابت التي هندسها ترامب خلال سنوات حكمه، سيعمل في المرحلة المقبلة على توظيفها في سياق ترشحه للرئاسة مرة أخرى في 2024.
بلا ريب، سيكون خروج ترامب من البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل موضع ترحيب لدى الكثيرين، لكن سياساته المدمّرة وإرثه السام، سيكون من الصعب تجاهلهما أو الالتفاف على تداعيات سياساته في المنطقة، والتي ستستمرّ في إلحاق الضرر والمعاناة، فالإرث السام الذي خلفه ترامب سيبقى يؤطر الشرق الأوسط بتحديات غاية في الخطورة.