الوطن

هل تختلف سياسات بايدن
في لبنان عن سابقاتها؟

} د. وفيق إبراهيم

السياسة الأميركية هي محصّلة خبرة تتوارثها المؤسسات الأساسية في الدولة، لكنها تضيف إليها ما يطرأ من مستجدات.

بما يعني أن كل رئيس أميركي جديد يستقي سياساته الخارجية من تراكمات وزارة الخارجية والأمن القومي على اساس تحديد صارم لموقع البلد المعني في الصراعات القطبية العالمية وتجاذبات الأقاليم والمصالح الاقتصادية الأميركية.

قد يضيف الرئيس الجديد بعض لمساته الخاصة من خلال اهتمام إضافي بالبلد المعني، لكنه لا يغير أبداً في أسس سياسات بلاده، الا اذا حدث طارئ يستدعي ذلك، او انبثقت موازين قوى لمصلحة الأميركيين او مناوئة لهم، فتحاول الاستفادة منها او التعامل معها إذا كانت بنيوية وصولاً الى حدود الانكفاء في مراحل معينة.

هذه الأساسيات لا يبالي بها السياسيون اللبنانيون يعتقدون بأن الأميركيين قادرون على تغيير الكون بكامله من أجلهم.

أما الحقيقة فإنهم يتعاملون مع بلاد الأرز وفق معطيات عدة: الصراع الداخلي بين الدولة الموالية دائماً للغرب وحزب الله بما هو قوة داخلية إقليمية تعتبر أن الدور الغربي في لبنان والإقليم يعمل دائماً من أجل مصلحة الكيان الإسرائيلي.

لجهة العامل الثاني فهو الدور السوري في لبنان. هنا يبذل الأميركيون جهوداً جبارة لنسفه من خلال تقاطعاته الداخليّة وأثره السياسي، بالمقابل يرى الأميركيون أن مجابهة «إسرائيل» في لبنان مناوئ لسياساتها وهذا يستدعي عملها الدؤوب على تجريد حزب الله من سلاحه، بما يشكّله من آلية وحيدة ومتمكّنة في مقاتلة الكيان المحتل.

لذلك فإن «إسرائيل» هي من العوامل القوية والمتصاعدة في تركيب السياسة الأميركية في لبنان لأنها متداخلة بقوة مع ثلاثة عناصر: المحافظة على لبنان غربي الاتجاه وضعيف، تحديد علاقته بسورية جغرافياً وليس سياسياً أو ايديولوجياً، وهذا يعني إضعاف حزب الله والسيطرة على آبار الغاز اللبنانية عند حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة.

هناك دليل سريع على هذه السياسات الأميركية وهو الإنذار العالي اللهجة الذي طلبت بموجبه «إسرائيل» من شركات الطاقة الغربية عدم التنقيب عن النفط والغاز جنوبي لبنان.

وهذا موقف خطير، ما كان ليظهر لولا وجود تأييد أميركي مفتوح له، وقد يكون المرتكز لسياسات أميركية مقبلة للتفاوض مع لبنان على وقع التهديد وإلا فالمناوشات او منع الاستثمار بالغاز على أقل حد ودفع لبنان نحو مزيد من الفوضى والإفقار والتجويع، مع تبني خيار المفاوضات مع ايران التي قد يتبين على اساس نتائجها نوعية الوجهة التي تتبناها السياسة الأميركية في لبنان.

هنا يدرك الأميركيون جيداً أن حزب الله يعرف مدى الصمود الايراني، بما يتيح له بناء سياسات شديدة اللبنانية بمعزل كبير عن تطورات الإقليم، علماً أن إيران صامدة منذ اربعين عاماً وسورية حليفتها الاستراتيجية نجحت في تحرير سبعين في المئة من أراضيها. أليس هذا كافياً لحزب الله حتى يعزل الكثير من الأمور اللبنانية عن تطورات الإقليم، باستثناء مسألة التطبيع مع «إسرائيل» التي يعتبرها من «الكبائر» التي لا يجوز حتى مقاربتها لغوياً.

لكن مواضيع الاقتصاد والعلاقات السياسية الداخلية قابلة للحوار بالنسبة إليه وعلى قاعدة التوازن الداخلي وعدم إلغاء أحد.

المشكلة اذاً ليست عند حزب الله وحلفائه، وانما لدى الأحزاب الداخلية المغرومة بالنظام الغربي الأميركيالاوروبي الذي يحمي هيمنتها على الدولة منذ تأسيسها لبنان في 1943 وغطّاها بشكل كامل في مرحلة رفيق الحريري في 1990 المستمرّة عبر ورثته حتى اليوم.

هذه هي الأسس التي يحملها الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الى لبنان ولا تختلف بعمق مع سابقاتها خصوصاً لجهة الأهداف العميقة، فهناك إصرار أميركي على السيطرة الجيوبوليتيكية التي تعني هيمنة سياسية واقتصادية.

لكن ما هو واضح، يتعلّق بمحاولات مرتقبة لفتح مفاوضات مع غيران قد تؤدي الى توفير نفقات المجابهات المستمرة منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018. وهذا يمنح الأميركيون مزيداً من الطاقة للدفاع عن أحاديّتهم القطبية زمناً أطول.

لبنانياً، فإن التغيّرات في موازين القوى الداخلية مستبعدة، فحتى لو لم تثمر المفاوضات الإيرانيةالأميركية، فإن الاستمرار في الضغط الأميركي لاستيلاد فوضى عميقة وجوع وإفقار، مسألة مطروحة، لكنها تصيب كامل اللبنانيين وفي طليعتهم الأحزاب المؤيدة للغرب خصوصاً أن الحسم السياسي او العسكري مستحيل وبشكل تبدو فيه الخطة الأميركية وكأنها أمر عميق بتدمير الكيان السياسي اللبناني هذه المرّة وليس النظام.

فهل يذهب بايدن نحو هذا الاتجاه؟

هناك مَن يعتقد ان التراجع الاقتصادي الأميركي هو من العوامل التي ترغم الأميركيين على مفاوضات منطقية غير متشنجة تقوم على العودة الى الاتفاق النووي والمحافظة على توازنات القوى الحالية في العراق وسورية ودعم تسوية داخلية في لبنان تتكئ على صندوق النقد والبنك الدوليين وعائدات المؤتمرات وآبار الغاز اللبنانية القريبة من الحدود مع فلسطين، لكنها لا تشكل جزءاً من مناطق النزاع.

فهل هذا ممكن؟

يحتاج الأميركيون الى سنتين تقريباً لإدراك مرحلة التعافي الاقتصادي. وهذا غير ممكن من دون التأسيس لمرحلة هدنة مع إيران، خصوصاً وعلى اساس ضبط المحور الخليجيالإسرائيلي.

لذلك يتحول السؤال ليصبح تساؤلاً عن مدى قدرة المحور الخليجي المتقاطع مع «إسرائيل» على الانضباط الكامل في سياسات بايدن، وقدرته الإضافية على ضبط جماعاته في لبنان.

لكن القوة الأميركية لن تسمح لهذا الخليج وجماعاته في الإقليم بإثارة ضجيج ليست بحاجة اليه في هذا الزمن الرديء الذي تتعرّض له اقتصادياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى