العراق وأدوار الوسط أو الوساطة
ناصر قنديل
– أعلن قبل يومين عن تشغيل خطوط النقل البرّي بين بغداد وعمان والقاهرة كتتمة لقمة ثلاثيّة أردنية مصرية عراقية عُقدت قبل شهرين، وترجمة لمثلث اقتصادي أمني يضم العراق ومصر والأردن، من ضمن السلة الأميركية لتدعيم التطبيع الخليجي الإسرائيلي، عبر السعي لتأمين حزام أمان لموقع الأردن كممر إلزامي لمخرجات التطبيع من أنابيب نفط وقوافل تجارية، وتعويض مصر عن النقص الذي سيصيب قناة السويس بالخسائر ببيع الغاز والكهرباء للعراق عبر الأردن، والسعي الأهم لعزل العراق عن نظام المصلحة مع إيران كمصدر للغاز والكهرباء وعزل العراق عن سورية ببناء مثلّث يحمل اسم الشام الجديد من دون الشام الأصيل ويضم اثنين من جيرانها العرب اللذين يرتبطان معها بتداخلات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وأمنيّة تجعل الفصل استحالة.
– في التوقيت ذاته أعلن قبل أيام في بغداد عن زيارة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تبدأ اليوم الى تركيا، بجدول أعمال حافل أمنيّ واقتصاديّ، يهدف الى إنهاء الارتباك الأمني الناجم عن التوغل التركي في شمال العراق، ولتعزيز التبادل التجاري الذي يقارب ستة عشر مليار دولار بين البلدين، خصوصاً في مجال تصدير النفط العراقي عبر الموانئ التركية، واستخدام المصارف التركية في التجارة العراقية، فيما العلاقات المصرية التركية في ذروة التوتر، وفيما تركيا تدخل منطقة العقوبات الأميركية الجديدة بعد شرائها منظومة صواريخ الأس 400 الروسية الصنع والتي كان العراق قد أعلن عزمه على امتلاكها أيضاً، وليس خافياً أيضاً أن تركيا التي تشكل الشريك الثالث لإيران وروسيا في منظومة أستانة التي ترعى المسار السياسي الأمني في سورية منذ خمسة أعوام، كما ليس خافياً أن الرئيس التركي ليس في أحسن أيامه وهو أشدّ ما يكون بحاجة للربط الاقتصادي والسياسي مع العراق كمدخل لتشكيل منطقة اقتصادية وأمنية تضمّ تركيا والعراق وسورية برعاية روسية إيرانية جواباً على التصعيد الغربي الأميركي والأوروبي بوجه تركيا رداً على تصاعد نفوذها الإقليمي، واستحالة الحفاظ على هذا النفوذ، ولو بسقوف دنيا إلا في ظل تفاهمات تكون إيران وروسيا طرفاً فيها، وتستدعي مزيداً من التواضع والتموضع التركيين في سورية، لكن على خلفية إشارات ينتظر العراق أن تبدأ مع زيارة الكاظمي.
– الاستعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي يُشغل بال المسؤولين العراقيين، وملء الفراغات تحت سقف الاستقرار، يبدأ بعدم استفزاز قوى المقاومة وتفادي الانضواء في حلف حماية التطبيع الذي يرعاه وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي سيصير وزيراً سابقاً بعد أسابيع قليلة، وسيواصل رعايته من موقع رجل أعمال بعد مغادرة السلطة، وهذا ما يفسّر الحركة المتعددة الاتجاهات لحكومة الكاظمي، نحو تركيا والسعوديّة ومصر، ومن ضفة موازية نحو سورية ولبنان، تحت عناوين نفطيّة وأمنيّة، بينما تبدو أي مخاطرة بالعبث بالعلاقة مع إيران في زمن العودة الأميركية إلى التفاهم النوويّ، حماقة غير مسبوقة، لا تبدو القيادة العراقية غافلة عنها وقد حافظت على هذه العلاقة في الظروف الأشدّ قسوة، إدراكاً منها لكون هذه العلاقة بوليصة تأمين أي حكم في العراق.
– بالرغم مما يبدو عليه مسار التطبيع بالنسبة للكثيرين، كعنوان للمرحلة المقبلة، فإن العودة للتفاهم النووي من الجانب الأميركي وقد باتت مؤكدة، ستكون هي العنوان الحاكم، ليصبح التطبيع ومن خلاله صفقة القرن كما الإجراءات الأميركية التي ترجمت مضمون الصفقة بقرارات أحاديّة داعمة لكيان الاحتلال، الأثمان التي ستقول إدارة الرئيس جو بايدن أنّها تسدّدها تعويضاً للثنائيّ الخليجيّ الإسرائيليّ عن خسائره من العودة الأميركيّة للتفاهم، ولأن العراق يدرك أن التصادم بين نظامين إقليميين في الشمال وفي الجنوب، نظام الشمال يضم إيران وسورية وتركيا وروسيا، رغم ما بين أطرافه من خلافات يمثلها النتوء التركي العدوانيّ على سورية والذي لا إمكانية لمواصلته في المرحلة المقبلة، ونظام الجنوب الذي يضمّ الخليج وكيان الاحتلال ويسعى لضمّ مصر والأردن، سيعني تحوّل العراق الى خط الاشتباك الأول بين النظامين، لذلك يسعى العراق لتحويل موقعه وعلاقاته الى التمهيد للعب دور الوسط والوسيط، وهو ما لن يكون موضع اعتراض من النظامين، لكنه سيعني انتقال خط التوتر العالي للأزمات إلى الأردن.