الحرب الناعمة للنيل من نموذج المقاومة المنتصرة واستهداف الوعي… وسبل إحباطها
} حسن حردان
منذ الانتصار التاريخي للمقاومة المسلحة والشعبية على جيش الاحتلال الصهيوني وتحطيم أسطورته بإجباره على الرحيل، تحت ضربات المقاومين، عن معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها بلا قيد أو شرط ولا ثمن مقابل، ومن ثم تكرار هذا الانتصار في قطاع غزة، بدأت حرباً شرسة ضدّ هذه المقاومة المنتصرة التي غيّرت المعادلة في الصراع العربي الصهيوني وكسرت شوكة العدو وأحدثت زلزالاً في الوعي العربي ونقلته من مرحلة اليأس والإحباط والهزيمة، والنظريات التي كانت تعظم من قوة العدو وجبروته وتدّعي استحالة هزيمته لتبرير السير في سياسات الخنوع والاستسلام… إلى مرحلة سيادة القناعة والإيمان بقدرة المقاومة على تحرير الأراضي العربية المحتلة وإلحاق الهزيمة بكيان العدو الصهيوني.
لقد اتخذت هذه الحرب ضدّ المقاومة أبعاداً غير مباشرة اندرجت في إطار ما سُمّي بالحرب الناعمة الأميركية الصهيونية، التي استخدمت فيها الأسلحة الإعلامية والاقتصادية والثقافية والأمنية ورصدت في خدمتها مئات الملايين من الدولارات، وهي استهدفت وعي الجمهور العربي، لا سيما في دول المقاومة، أو التي توجد فيها مقاومة مقتدرة وقادرة، أو في الدول التي حظيت فيها المقاومة بتأييد ودعم شعبي كبير…
غاية هذه الحملة شيطنة المقاومة من خلال تزوير الحقائق بشأنها، والإساءة إلى سمعتها للنيل من المثال والنموذج الريادي الذي جسّدته في عقل المواطن العربي ووعيه، وبالتالي تشويه الصورة الناصعة التي قدّمتها المقاومة من خلال نجاحها في إلحاق الهزيمة القاسية بجيش العدو الصهيوني، وإعادة إدخال اليأس والإحباط إلى نفوس وعقول الناس.. وقد رافق ذلك عمليات اغتيال وإثارة للفوضى واتهام المقاومة بالوقوف ورائها، ومن ثم شنّ الحرب الإرهابية بالوكالة للقضاء عليها ومحاصرتها بالفتنة المذهبية.. والقول للرأي العام بأنّ الأزمات التي يعاني منها، على كلّ الصعد، سببها حكومات وقوى المقاومة، وانه إذا كان الناس يريدون الخروج من هذه الأزمات عليهم التخلص من حكومات وقوى المقاومة باعتبارها مسؤولة عن هذه الأزمات.. وانّ الإرهابيين إنما هم ثوار حرية وإصلاح…
ووُظفت في هذه الحملة، وسائل إعلام وقوى سياسية وكتاب وصحافيون ونخب ثقافية واجتماعية عملت على تزوير الحقائق وتضليل الرأي العام وشيطنة الحكومات والمقاومات الرافضة للاحتلال والهيمنة الاستعمارية وتصويرها بأنها هي العقبة أمام حلّ هذه الأزمات، لتصل في نهاية الأمر إلى القول للناس بأنّ الحلّ إنما يكمن بالخضوع للشروط الغربية مقابل رفع الحصار الاقتصادي والمالي وتقديم المساعدات المالية…
في هذا السياق يمكن إدراج ما حصل ويحصل من حروب ناعمة تتعرّض لها إيران وسورية ولبنان وقطاع غزة إلخ…
غير أنّ ما يجب أن ننتبه إليه هو أنّ السقوط في فخ هذه الدعاية المعادية المضللة، عدا عن انه لن يقود إلى الخلاص المزعوم من الأزمات التي تعاني منها مجتمعات دول وقوى المقاومة وعموم الرأي العام العربي والإسلامي، فإنه يقود إلى السقوط مجدّداً في شباك التبعية لقوى الاحتلال والاستعمار، والقضاء على النهج التحرري الذي يشكل أمل دول وشعوب المنطقة في سلوك دروب تحقيق الاستقلال الحقيقي والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والتقدم والتطور الحضاري، فهذه الآمال والتطلعات هي نقيض التبعية المنتجة للتخلف والعبودية لقوى النظام الرأسمالي الغربي المستغِلّ والناهب لثروت الشعوب والدعم لكيان الاحتلال الصهيوني.
هذا هو الجوهر الحقيقي لما يجري من حروب ناعمة تستهدف دول وقوى المقاومة وبيئاتها الشعبية.
لكن ما يجب التأكيد عليه في هذا السياق هو أنّ قوى الاستعمار، وأدواتها الداخلية المتعاونة معها، تستغل، في حربها الناعمة، الثغرات العديدة، وفي مقدّمها قصور السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفاسدين والتوزيع العادل للثروة الوطنية، فمثل هذه الثغرات والسياسات القاصرة جعلت من الحروب الناعمة تؤثر بشكل ملموس على الواقع الاقتصادي والمعيشي للناس…
من هنا يجب مواجهة هذه الحروب الناعمة من خلال العمل على ما يلي: أولاً، فضح طبيعة الحرب الناعمة وأدواتها وأهدافها للرأي العام حتى لا يسقط في فخ الدعاية المعادية التي تستهدف تأليب الناس ضدّ تحالف دول وقوى المقاومة.
ثانياً، العمل على سدّ الثغرات وتحصين مجتمعات دول وقوى المقاومة، عبر تعزيز صمودها الاقتصادي الاجتماعي، لأنّ مقاومة الحروب الناعمة وإحباط مخططاتها الاستعمارية إنما يستدعي المزيد التماسك في الجبهة الداخلية المستهدفة، والتفاف الجماهير حول تحالف دول وقوى المقاومة، وهذا الالتفاف يزداد عندما يتمّ سدّ الثغرات وقطع الطريق على الفتنة والدعاية المعادية…
على أنّ المعاناة الناتجة عن الحروب الاستعمارية طالما كانت تدفع إلى تعزيز نهج المقاومة المتنامية، أليست هي الصورة التي كانت قائمة في فيتنام والجزائر وكوبا وغيرها من الدول التي واجهت الحروب الاستعمارية المتعدّدة الأشكال… ونجحت مقاومتها المسلحة والشعبية في تحقيق الانتصار عليها.
دائماً ما يولد الانتصار من رحم المعاناة والظروف والتحديات الصعبة، لكن مع توافر مقاومة شعبية مسلحة على رأسها قيادة ثورية لا تهادن ولا تساوم في مواجهة المستعمرين، وتعمل على رفد هذه المقاومة بسياسات تنموية واجتماعية تحقق العدالة في توزيع الموارد المتوافرة، وزيادتها بما يعزز التفاف الجماهير حول المقاومة ونهجها التحرري في مواجهة الحروب الاستعمارية المتعددة…