هل يُصلح «الراعي» أم فالج لا تعالج؟
} علي بدر الدين
لم يعد مفيداً ولا مجدياً، الركون إلى وعود الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، ولا الرهان عليها في أية قضية، وفي أيّ استحقاق وطني أو دستوري، كبيراً كان أو صغيراً، لأنها، فقدت ثقة اللبنانيين، والمجتمع الدولي، بعد أن باعت قرارها للخارج القريب والبعيد، مقابل السطة والمال، لحماية مصالحها والحفاظ على مكاسبها، وحصصها وثرواتها المكدّسة، وإصرارها على الاستمرار في القبض على مواقعها في السلطة، مهما كان الثمن الذي دفعه الشعب ولا يزال، وأدّى إلى إفقاره وتجويعه وتحويله إلى عاطل عن العمل، وإلى استنزاف الدولة ومؤسساتها وأموالها ومقدراتها، وزعزعة مقومات وجودها وديمومتها.
هذه الطبقة بكل مكوناتها، ليست صالحة لإدارة شؤون البلاد والعباد، لأنها منذ إتفاق الطائف، وهي تعيث نهباً وفساداً وظلماً واستبداداً، كأنّ هذا الوطن ملك خاص لها، تديره، كما تدير شركة أو قطاعاً، وفق مقتضيات مصالحها وأرباحها، من دون الاحتكام إلى دستور أو قانون أو انظمة، تنظم عمل الدولة والشعب والمؤسسات.
إنها تفعل ما تشاء، فتشكل حكومات، وتضع قوانين انتخابية على قياسها لتؤمّن إعادة إنتاجها، وتتقاسم الحصص والحقائب الوزارية والتعيينات الإدارية، وفي كلّ الفئات الوظيفية من مدير عام حتى آخر فئة، وكذلك تنشئ صناديق الهدر التي تدرّ عليها الأموال، بإسم الطوائف والمذاهب والمصالح، وليس هناك من مؤسسة او قطاع او مصلحة عامة او خاصة، إلا ولها فيها حصة أو نسبة او شراكة، لجني المزيد من الأموال، وحرمان الشعب وخزينة الدولة منها.
ليس مفاجئاً، والحال على هذا الشكل والنهج والسياسة المعتمدة منذ ثلاثة عقود، أن ينهار الاقتصاد، وتفلس الدولة، ويفقر الناس ويجوعوا، ويُقضى على وطن بكامله، بجولات متتالية، التي أدّت إلى سقوطه المدوّي بالضربة القاضية، بعد ان أفرغت الخزينة من الأموال العامة، ومن أموال المودعين اللبنانيين المقيمين والمغتربين في المصارف، التي تاجر فيها مصرف لبنان مع المصارف الخاصة والسلطة السياسية والمالية. بعد أن «ذاب الثلج وبان المرج»، وسقوط الأقنعة عن الوجوه الكالحة، وظهور فسادها إلى العلن، وتورّطها في هدر مال الدولة والمؤسسات والشعب، وتجلجل فضائحها في الداخل والخارج.
منذ ذلك الانكشاف المزلزل، يحاول السارقون والفاسدون، «ضبضبة» الفضائح المخجلة، والتستر عليها، بأيّ وسيلة ممكنة لحفظ ماء وجهها، وتبييض صفحاتها الملوّثة السوداء، ولكن من دون طائل، أقله أمام بيئاتها الحاضنة، التي كانت «مغشوشة» بالشعارات والعناوين، وبنصاعة كفّ من كرّرت انتخابهم على مساحة الوطن، بعد أن أغرت البعض بهذه الشعارات التي تمّ تسويقها، على أنها لحماية الطائفة والمذهب والحقوق، و «طلعت فاشوش» لا ترجمة لها ولا أثر.
كلّ ما يمكن أن تفعله لإعادة تحسين صورتها البشعة، والحفاظ على بعض من هيبة وثقة، هو رفع منسوب نهجها الذي اعتمدته منذ تسلّمها السلطة، لأنّ عقليتها السياسية في إدارة الحكم لم ولن تتغيّر، كلّ ما في الأمر، تفتعل الخلافات مع شركائها الذين تتقاسم معهم كلّ شيء، وتتلاعب بالغرائز الطائفية والمذهبية، وإثارة نعراتها، ودقها لناقوس الخطر المتربص بها من الأخرين، علها تنجح ألاعيبها وأساليبها عند البعض وتفشل عند البعض الآخر، الذي هاله ما يحصل، وخرج مصدوماً من شرنقة الارتهان والتبعية والخوف.
لا عجب من حال الاضطراب والضياع والقلق الذي ينتاب السلطة الحاكمة، حيال ما آلت إليه الأوضاع المأساوية والكارثية في البلد، وخاصة بعد كارثة انفجار المرفأ، والتداعيات الخطيرة التي شكلت مقتلاً للبنانيين، وأصابتهم في الصميم، ودمّرت أملاكهم وبيوتهم وشرّدتهم في المجهول، لا سيما في ظلّ التخبّط الذي يعيشه التحقيق لمعرفة من المسؤول عن انفجار العصر القاتل والمدمّر.
أما تأليف الحكومة، حدث ولا حرج، لأن لا حكومة في الأفق، وقد اختلط حابل الطبقة السياسية والمالية بنابلها، ولم يعد يعرف اللبنانيون مَن مع مَن، ولا مَن ضدّ مَن، ومَن يقاتل لتأليفها، ومَن يقاتل كلّ محاولة جادة للتأليف. انها سياسة المراوغة والاحتيال التي تتبعها مكونات السلطة عند كلّ استحقاق، حيث تستعر «المعارك» عند كلّ استحقاق، حتى الاتفاق على تسوية ما تؤمّن المصالح والحصص.
وما زيارة الرئيس المكلف إلى البطريرك الراعي، إلا محاولة جديدة لعمي الأبصار عن الحقيقة الجارحة، لفشل هذه السلطة وعجزها عن عملية التأليف، ولا تعدو كونها شراء للوقت وإلهاء للناس، والإيحاء لهم، بأنّ تاليف الحكومة لن يتأخر، وأنّ الدخول على خط بكركي قد يفكفك العقد، ويفتح طريق الأمل والخلاص، خاصة أنّ البطريرك الراعي حمل هواجس الرئيس المكلف وشكواه، إلى رئيس الجمهورية على عجل، عله ينجح حيث فشل الآخرون. انها محاولة مشكورة من البطريرك الراعي، الذي يدرك تماماً، أنّ قرار التأليف أصبح خارج الحدود، وأن لا قرار للسلطة السياسية، بعد أن جيّرته منذ زمن بعيد إلى الخارج، المشغول بهمومه ومصالحه وحساباته وأجنداته. يبقى لسان حال البطريرك، اللهم أنني بلغت وحاولت، والبقية عند أفرقاء الصراع على المصالح، وانتظارهم، ما ستؤول إليه تطورات الإقليم والعالم.
هل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، التي أطاحت بها كورونا، هي لصالحه وقد نجّته من ألاعيب الطبقة السياسية التي لم تستجب لمبادرته؟
أم هي خدمت الطبقة الحاكمة وأنقذتها من مطب الهروب، مما تضمّنته المبادرة من شرط الإصلاح الحقيقي، الذي ترفضه هذه جملة وتفصيلاً، علها تكسب المزيد من الوقت، وينجو جلدها من السلخ، وتغطي فضائحها التي تتدفق كسيل جارف…؟