الوطن

حرب داحس والغبراء لن تنتج حكومة… والثمن يدفعه لبنان وشعبه

} علي بدر الدين

حرب البيانات بين تياري المستقبل والوطني الحر، بالأصالة أو بالوكالة، تزداد تفاقماً واشتعالاً، وتتمدّد مروحتها، إلى كلّ الملفات الخلافية المتراكمة والمزمنة، المعلوم منها والمجهول والمستور، وقد رفعت من منسوب الخطاب الطائفي، والإتهامات، وتحميل المسؤوليات المتبادلة، كأنها «أمّ المعارك» أو آخرها، في عملية غير مسبوقة، لتصفية الحسابات، وكأنّ الفريقين، أقفلا الباب على أيّ لقاء أو تسوية، وتناسيا التسوية الرئاسية الحكومية، التي حصلت سابقاً وشروطها، من دون الالتفات إلى أحد، لأنهما وجدا فيها ما يخدم المصالح المشتركة، التي تتيح لهما الإمساك بالسلطة والقرار، على أمل أن يطول عمرها وتؤتي ثمارها، ولكنها سقطت بالضربة القاضية، في لحظة سياسية داخلية وخارجية، بعد أن تحوّلت إلى عبء لكليهما أو لأحدهما، وربما انتهى مفعولها والغاية منها.

وعاد الوضع إلى طبيعته وأصله، ومربعه الأول، لأنّ هذه التسوية، كانت استثناء، ومولوداً غير طبيعيّ وغير مكتمل العناصر، وكانت مقتضياتها ظرفية، وشروط استمرارها خاصة جدا وغير وطنية، وليست لخدمة المصلحة العامة.

التاريخ يعيد نفسه معكوساً، مع اشتداد الأزمات التي تعصف بالبلد، حيث فشل عرابو التسوية وأصحابها، من تحقيق أهدافها على المستويين العام والخاص، اللهم باستثناء تأليف حكومة أولى، ثم حكومة ثانية بعد انتخابات 2018 استغرق تشكيلها أكثر من عشرة أشهر، لكنها سقطت عند انطلاقة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول 2019، أياً كانت غاياته وعناوينه وأجندات الذين تسلقوا عليه، لتمرير مصالحهم القريبة والبعيدة، لأنّ هذه التسوية لم تكن محصّنة أو قائمة، على أسس ومداميك وطنية، لولوج الحلول، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة أنّ لبنان يغرق، واقتصاده ينهار وماليته مفلسة، ودولته مديونة، ومؤسساتها مشلّعة ومصادرة، والعدالة مفقودة وشعبه يزداد فقراً وجوعاً. وكما يُقال «إنّ العرق دساس»، وقد عاد الجميع، الى وتده و»مضربه» وعاداته، وإلى تحاصصه وسجله في الشراكة والتقاسم والصفقات، وتغطية فضائحه، وإلى بيئاته الطائفية والمذهبية الحاضنة له كلما اشتدّ الخناق عليهم من الشعب أو المجتمع الدولي، لاعتقادهم انّ بقاءهم في مواقعهم السلطوية والوظيفية يوفر لهم الحماية والغطاء والحصانة.

أزمة تأليف الحكومة، التي أثبتت، أنّ المنظومة السياسية الحاكمة أو معظمها على الأقلّ، لا قرار لها فيها، ولا قدرة عندها للاتفاق على التأليف، لأنها هذه المرة مكبّلة، ومراقبة، ومشروطة من قوى إقليمية ودولية، ومن أهمّ شروطها، اعتماد الإصلاح الحقيقي، ومن أولوياته اجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة والمهربة، والإفراج عن أموال المودعين في المصارف. كلها عوامل أسقطت هذه المنظومة في شرّ أعمالها، وهي تعاني من ضياع وخوف وقلق على حاضرها ومصيرها وعلى أموالها، وكلّ ثرواتها، التي راكمتها على مدى ثلاثة عقود ونيّف، وحرمت منها الدولة والشعب، ودفعته إلى الارتماء في أحضان الفقر، والهجرة، وانتظار مساعدات غذائية، مغلفة بالذلّ والانحناء أمام «اللي بيسوا واللي ما بيسوا».

تحت عنوان الأزمة الحكومية العصية على التأليف والولادة الطبيعية تتقاذف هذه المنظومة كرة النار، ويحاول كلّ فريق رميَها في ملعب الآخر، بهدف حرقه، وتشويه سمعته وصورته وفضحه، محلياً وخارجياً، ولكنها بفعلتها اللئيمة، وسياساتها الاحتيالية وألاعيبها الملتوية، وللحفاظ على مواقعها السلطوية وامتيازاتها وما غنمته في معاركها المعلنة والخلفية، الوهمية والفعلية، حرقت الوطن والشعب والدولة والمؤسسات والدستور والقانون ووحدها سلمت دون غيرها، أقله لغاية الآن، لأنّ الآتي لن يكون في صالحها، ولن تكون الغلبة لها، مهما طال الزمن.

هذه المنظومة السياسية التي ابتلى الشعب بوجودها، وهو المسؤول الأول عن إعادة إنتاجها، بخياراته السياسية الانتخابية والتبعية، والطائفية والمذهبية الخاطئة، تحاول، بعد كلّ جولة من احتدام خلافتها وصراعاتها، أن تهدّئ الأمور، حتى لا يفلت» الملق» من يدها، وتفقد السيطرة، وينكشف مستورها الفضائحي، حيث وجدت اللجوء هذه المرة إلى الصرح البطريركي، علها تحظى بالرضى، وقبول الوساطة من سيده. ويبدو انّ ظنّها خاب لأنها عصية على التوافق، ولكن تدخله ترك أثراً إيجابياً للتهدئة حتى إلى ما بعد الأعياد. وهذا لا يعني على الإطلاق انّ الطريق إلى تأليف الحكومة أصبح آمناً وسالكاً، لأنّ البطريرك الراعي وغيره من القوى السياسية المعنية، يدركون تماما، أنّ التأليف بات في مكان آخر.

على أية حكومة وحقائب، يتحاربون، ويغرقون البلاد والعباد بمزيد من الأزمات والمعاناة، والآلام، والوعود الكاذبة المتكرّرة، وقرأت، «أنه في عام  2150 قبل الميلاد، في عهد سنوسريت الثاني، أنّ كل ما يمكن أن يُقال قد قيل من عهد بعيد، ولم يبق ما يُقال سوى التكرار، ألا ليتني، أجد ألفاظاً، لم يعرفها الناس، وعبارات، وأقوالاً بلغة جديدة، لم ينته عهدها، وليس فيها ما تلوكه الألسن، ومن أقوال لم تصبح تافهة ومملة، ولم يقلها أحد من قبل». فعلاّ هذا ما ينطبق على المنظومة السياسة التي، تكرّر وعودها، وأقوالها المملة والتافهة منذ عقود.

ونحن نسأل هذه المنظومة الحاكمة، بألسن الناس التي هي أقلام الحقّ، على أيّ حقائب تتقاتلون؟ على الداخلية، والفلتان هو السائد، أو على المالية والبلد مفلس، أم على الطاقة حيث لا كهرباء ولا ماء ولا نفط وغاز، أو على حقيبة العدل والعدالة مفقودة، أم على التربية والمدارس مقفلة، أو على الصحة وفيروس كورونا يفتك بالبشر، أم على البيئة والبلد ملوّث من أقصاه إلى أقصاه، أم على الخارجية ولبنان معزول ومحاصر ومعاقب! لماذا مواصلة احترابكم، كأنها حرب داحس والغبراء، أو حرب البسوس في عصر الجاهلية؟

فعلا، «اللي إستحوا ماتوا». وقد فقدتم الحياء.

قال حكيم: إياك أن تعاشر الكذاب والمنافق والظالم والمستبدّ والفاسد. ردّ عليه أحدهم بالقول: «الله لا يوفقك، أصبت الشلة كلها». ونقول من» تحت إبطه مسلة فلتنعره».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى