محاولات لاستكمال التطبيع من بوابة غزة!
} د. وفيق ابراهيم
اتضح لرعاة التطبيع الدوليين والخليجيين انّ تطوير العلاقات العربية – الإسلامية مع الكيان «الإسرائيلي» المحتل يحتاج إلى العبور السياسي من الضفة الغربية. وهذا أمر جرى تنفيذه بسرعة، بالاتفاق مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الموعود من السعودية بدويلة له في مكان ما من الضفة المحتلة.
لكن هذا التخطيط لم يتدحرج وفق الخطة المرسومة، فظلّ هناك في أكثر من جهة عربية وإسلامية تحفظات على الاسترسال في الاعتراف بـ «إسرائيل» والتطبيع معها.
والدليل موجود في باكستان التي قاومت ضغوطاً كبيرة عليها من الخليج العربي والاميركيين وأكدت أنها لن تعترف بـ «إسرائيل» إلا بعد الفلسطينيين.
لذلك اعتبر المخططون العرب انه لا بدّ من انهيار فلسطيني جديد، حتى تكتمل فصول التطبيع والاعترافات الدبلوماسية.
هنا بدا قطاع غزة، المكان المثالي لإنهاء قضية فلسطين التاريخية من جذورها.
لقد تبيّن لهم وبالتحليل انّ إسقاط منظمة حماس بما تشكله من القوة الأساسية في القطاع، هي الخطوة الأساسية للسيطرة عليه سياسياً وإلحاقه بموكب المطبّعين المنهزمين.
فبنوا على أساس انّ غزة مرتبطة بثلاث قوى دولية هي مصر اولاً بالجوار الجغرافي وما تمثله من منفذ وحيد لغزة نحو العالم العربي، وتركيا بعامل الانتماء المتماثل في إطار فدرالية الاخوان المسلمين. وهناك أيضاً إيران المموّلة الأساسية للقطاع بالسلاح والمال انطلاقاً من إيمانها بفلسطين عربية وإسلامية.
لقد أدرك المخططون استحالة إقناع إيران بالانسحاب من التزامها بدعم المجاهدين في غزة، فاستداروا نحو مصر وتركيا لتنفيذ مخططهم.
لجهة الأتراك، هناك مفاوضات تتسارع بشكل سري بين مندوبين من الأتراك والإسرائيليين لمنح شركات تركية أدواراً اقتصادية بين «إسرائيل» والخليج وخصوصاً من خلال مرفأ حيفا.
قد يعتقد البعض انّ انتماء حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا كاف لمنع الهرولة التركية من التنسيق مع «إسرائيل» وذلك لأنّ حماس وحزب العدالة والتنمية التركي فريقان اخوانيان، إلا انّ هذه المبدئيات سقطت منذ وقت طويل ولم يعد هاماً بالنسبة للدول إلا العلاقات الاقتصادية فقط.
هناك إذاً مشروع لتعزيز العلاقة التركية «الإسرائيلية». بشكل يرتبط بالإعلان الذي صدر عن مرجعيات الأزهر الشريف ومكة المكرمة باعتبار تنظيم الاخوان المسلمين إرهابياً لا يجوز التعامل معه تحت أيّ مسمّى.
وهذا يصيب حركة حماس مباشرة ويسحب منها دورها في مقاومة العدو «الإسرائيلي» أو يهزّه على الأقلّ كما أنه يرفع الغطاء عن المنظمات الفلسطينية الأخرى العاملة في غزة ويجرّدها من تحالفاتها مع حماس وعبورها من خلال مصر.
فإذا كانت حماس اخوانية ترتبط بتركيا فإنّ الجهاد ومعظم المنظمات الأخرى تتلقى دعماً إيرانياً هو بدوره موصوف في الخليج بالإرهاب. ما يغطي أيّ جرائم «إسرائيلية» في غزة وقد يعتبرها أعمال خير وبركة بتغطية من القيادات الدينية الحالية للأزهر الشريف والسعودية.
ماذا تستفيد كلّ من مصر والسعودية باعتبار الاخوان المسلمين إرهاباً موصوفاً؟
هذه خدمة متعدّدة الجوانب وأولها لجهة السعودية كسر التركي الذي ينافسها على زعامة العالم الإسلامي والحدّ من دوره العربي والإقليمي ودحر الدور الإيراني كما أنه خدمة للأميركيين في إطار دعم سياساتهم الموالية لـ «إسرائيل»، هذا بالإضافة إلى أنه يخدم الكيان المحتلّ بالقضاء على آخر مقاومة مسلحة في فلسطين المحتلة.
لجهة مصر، فإنّ مسارعة الأزهر لاتهام الاخوان المسلمين بالإرهاب، يمتلك أولوية مصرية على مستوى تصديع منظمة الاخوان المسلمين في مصر وما تمثله على استقرار النظام السياسي الحالي الذي يقوده الرئيس السيسي.
وهذا بدوره خدمة من السيسي للأميركيين الذين يردّون «الجميل» بحماية أكبر للنظام السياسي.
ويعتقد النظام المصري انّ وصف الاخوان بالإرهاب يحتوي على عيارات كبيرة من العرقلة للدور التركي عربياً ودولياً، فمصر تعتبر انّ هذا الاتهام مفيد لها في المعركة على الاستئثار بثروات البحر المتوسط.
وهو صراع بين تحالف يضمّ مصر واليونان وقبرص و«إسرائيل» وفلسطين مقابل تركيا، ويشمل صراعاً على مياه البحر وسواحله خصوصاً الليبية منها/ فهل يمكن استكمال التطبيع من خلال قطاع غزة؟
لا ترسل تركيا سلاحاً او دعماً الى المنظمات الفلسطينية التي لا تروّج بدورها لنشر الفكر الاخواني، بل تعمل على منع السقوط الكامل للقضية الفلسطينية وذلك بالاستمرار بالمقاومة وحمل السلاح لذلك يبدو المشروع السعودي – المصري – «الإسرائيلي» حركة عادية لن تنجح بالقضاء على القضية الفلسطينية، فهناك من يعمل على إعادة النبض المقاوم إلى الضفة الغربية، بما يؤدي لإعادة تعزيز مشروع المقاومة وعرقلة مشروع التطبيع وإنعاش أدوار الفلسطينيين في بلدان الشتات في الأردن وسورية ولبنان.