التدقيق الجنائيّ… بين الرئاستين الأولى والثانية
عاش اللبنانيّون خلال شهور مضت تحت وطأة مناخ إعلامي يصوّر التدقيق المالي الجنائي كقضيّة ينقسم حولها الوسط السياسي والنيابي وصولاً لانقسامات رئاسيّة، وجرى تصوير كل مشكلة تعترض طريق التدقيق بصفتها عقدة مفتعلة سياسياً، من الفريق المتهم بالعرقلة والذي كان يؤشر الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويعتبر تلميحاً وتصريحاً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صاحب المشروع وحامل قضيته يتعرّض لحملة تعطيل يقودها رئيس المجلس، وأن التيار الوطني الحر يخوض معركة نيابية لمواجهة التعطيل وأن وزير المال يحمل فخاخاً لتعطيل التدقيق في العقد الموقع وآليات تنفيذه لترجمة موقف رئيس مجلس النواب.
ما جرى في مجلس النواب قبل يومين من إقرار لتشريع وصفه التيار الوطني الحر بالاستجابة لرسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب يطرح السؤال حول حقيقة ما جرى، فإن صح تحليل التيار الوطني الحر وفريق الرئاسة بوجود قرار تعطيل من رئاسة مجلس النواب يفسّر العرقلة التي واجهها المشروع فما الذي جرى؟ هل نجح التيار بخلق توازن قوى نيابي تمكن بنتيجته من توفير أغلبية نيابية تفرض السير بالتشريع ـ وهذا ما تقول عكسه وقائع الجلسة النيابية، أم أن مناخاً توافقياً يسود العلاقة بين الرئاستين أدى إلى ولادة تفاهم حول ملف التدقيق وهو ما تنفيه وقائع العلاقة التي لا تزال محكومة بالتوتر بين الرئاستين، سواء بخلفية الكلام عن الملفات القضائيّة أو الملف الحكومي أو سواهما.
ما يظهره التشريع النيابي الذي تلاقى عليه نواب مؤيّدون للرئاستين الأولى والثانية وسواهم يقول إن القضية لم تكن بين مؤيد ومعارض للتدقيق وإن تذليل العقد التي أثارها موقف حاكم مصرف لبنان تمّ بجرعات نيابيّة تمثلت بما صدر عن جلسة قراءة رسالة رئيس الجمهورية وتوّج بالتشريع الأخير وإن التوتر الذي نجم عن توجيه الاتهامات بنيات التعطيل ومن خلفها الاتهام بالفساد وحماية الفاسدين بمنع كشف التدقيق لحسابات المؤسسات والوزارات كان تسرّعاً يحمل مسؤولية صناعة المزيد من التوتر السياسي والرئاسي ويستدعي من الذين تسرّعوا إيضاح تفسيرهم ما إذا كان الذي صدر من تشريع قاده رئيس المجلس النيابي المتهم بالتعطيل وما سيليه من عودة للعقد والتدقيق يتولاها الوزير نفسه المتهم بالتفخيخ، إنجاز كما يقولون، فكيف تمّ تحقيقه وماذا يعني في تفسير خلفيات القوى التي أنتجته؟ وكيف يستقيم مع تحليلاتهم واتهاماتهم السابقة؟