الشعارات المزعومة لحقوق الإنسان!
د. محمد سيد أحمد
يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حصاداً لنضال الإنسان عبر تاريخه الطويل فوق سطح المعمورة، في مواجهة الاستغلال والظلم والاستبداد وغياب العدالة وانعدام المساواة، تلك القيم التي ترسّخت عبر الصراع الذي شهدته المجتمعات البشرية منذ عرفت أول شكل من أشكال التقسيم الطبقي، الذي ترتب عليه وجود جماعات تملك وتحكم في مواجهة جماعات لا تملك ولا تحكم، وبالتالي كان عليها أن تخضع للقواعد التي صاغها من يملكون ويحكمون لتنظيم حركة المجتمع، وأثناء تلك العملية بدأت تظهر إلى حيّز الوجود بعض أشكال الاستغلال والظلم والاستبداد وغياب العدالة وانعدام المساوة، وولد ذلك حالة من الصراع بين الطرفين انتهت دائماً بظهور حلقة جديدة من حلقات انتهاك حقوق الإنسان، لكن مع كلّ مرحلة جديدة تكتسب الجماعات الضعيفة والمقهورة حقوق جديدة.
وبالطبع لم تتوقف عمليات انتهاك حقوق الإنسان عند المستوى المحلي بين الجماعات المختلفة الموجودة داخل حيز جغرافي محدّد، ولكنها كانت تتطوّر مع تطوّر المجتمعات وتبلور الحدود القطرية للدول الحديثة والمعاصرة، حيث أصبحت عمليات انتهاك حقوق الإنسان تتمّ وفقاً لدوائر صغيرة في حالة المجتمعات المحلية، ثم تتسع لتشمل الدولة بكلّ أقاليمها، ثم تنتقل لحدود دول أخرى مع ظهور المراحل الإمبريالية وغزو مجتمع لمجتمع آخر بهدف الاستيلاء على خيراته وثرواته، وظلت هذه الحالة مستمرة ويناضل المقهورين داخل التجمعات والمجتمعات البشرية المختلفة من أجل القضاء عليها وإقرار حالة من العدل والمساواة حتى قيام الحرب العالمية الثانية.
فأثناء الحرب اعتمد الحلفاء أربعة مبادئ من حقوق الإنسان التي كان يناضل المقهورون من أجلها وهي: حرية التعبير، وحرية التجمع، والتحرر من الخوف، والتحرر من الحاجة، وتمّ تضمينها في ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على ضرورة التزام الدول الأعضاء بتشجيع «الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز على أساس العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين»، وبعد انتهاء الحرب أصبحت الجرائم التي ارتكبها الجيش النازي واضحة، فتوافقت الآراء داخل المجتمع الدولي أن ميثاق الأمم المتحدة لم يحدّد بما فيه الكفاية الحقوق التي أشار إليها، وبالتالي كانت هناك ضرورة ملحة لظهور الإعلان العالمي الذي يحدّد حقوق الأفراد اللازمة لتنفيذ أحكام الميثاق بشأن حقوق الإنسان.
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة أشبه بخارطة طريق عالمية للحرية والمساواة، يحمي حقوق كل شخص في كلّ مكان، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تتفق فيها البلدان على الحريات والحقوق التي تستحق الحماية العالمية كي يعيش كل شخص حياته متمتعاً بالحرية والمساواة والكرامة، وبدأ العمل بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1946 بتشكيل لجنة صياغة مؤلفة من ممثلي عدد متنوع من البلدان، مما أتاح إمكانية أن تستفيد الوثيقة من إسهامات دول تنتمي إلى مناطق مختلفة من العالم متنوعة في خلفيتها السياسية والثقافية والدينية، ثم جرت مناقشة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل جميع الدول الأعضاء في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وأخيراً اعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948.
ويحدّد الإعلان 30 مادة تتضمّن الحقوق والحريات التي لا يجوز انتزاعها، والتي تشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان، أما الحقوق التي ينص عليها الإعلان فتشمل الحقّ في عدم التعرّض للتمييز، والحق في حرية التعبير، والحق في طلب اللجوء، والحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مثل الحق في التعليم والصحة والسكن اللائق والضمان الاجتماعي، ويعدّ هذا الإعلان صكاً عالمياً ينطبق على جميع البشر في كل بلدان العالم، ومع أنه ليس ملزماً من الناحية القانونية، فإنّ حماية الحقوق والحريات الواردة فيه أدمجت في العديد من الدساتير الوطنية والأطر القانونية المحلية.
وبالرغم من مرور ما يزيد عن 70 عاماً على ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا أنّ هذه الحقوق والحريات التي نص عليها لا تزال تنتهك في كلّ بلاد العالم دون استثناء، لكن وعلى الرغم من ذلك تحاول بعض الدول الإمبريالية فرض هيمنتها وسيطرتها على مجتمعات العالم الثالث عبر استخدام هذه الورقة، حيث يتمّ الضغط على الحكومات وتهديدها بورقة انتهاكات حقوق الإنسان، ولعلّ ما تمّ هذا الاسبوع من قبل البرلمان الأوروبي خير شاهد وخير دليل، حيث صوّت البرلمان على مشروع قرار ينتقد «أوضاع حقوق الإنسان المتردّية» في مصر على حدّ زعمهم، وجاء التصويت على المشروع بأغلبية أصوات 434 مقابل اعتراض 49 وامتناع 202 من أعضاء البرلمان الأوروبي، وكان ردّ فعل مجلس النواب المصري هو رفض واستنكار القرار «الذي تضمّن العديد من المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصري، ويعبّر عن أهداف مسيّسة، ونهج غير متوازن» وطالب البرلمان الأوروبي «بعدم تنصيب نفسه وصياً على مصر، والنأي بالبرلمان عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية وانتخابية».
وبالطبع ما تشهده حالة حقوق الإنسان في الدول الغربية التي تنصّب نفسها وصية على مجتمعاتنا يندى لها الجبين، فكلّ أشكال الانتهاكات لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتمّ داخل هذه المجتمعات، وقد شاهدنا ذلك وعلانية وعبر كلّ وسائل الإعلام المرئية خلال الأيام الأخيرة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه التحديد، وعلى الرغم من ذلك لم تصدر قرارات مماثلة في حقهما، هذا بالطبع بخلاف الانتهاكات اليومية التي تمارس من قبل العدو الصهيوني ضدّ شعبنا العربي الفلسطيني، والانتهاكات التي تتمّ ضدّ الشعب العربي في العراق سورية وليبيا واليمن دون أن يطرف جفن للمجتمع الدولي الذي يكيل بعدة مكاييل في ما يتعلق برصد حالة حقوق الإنسان حول العالم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.