شجرة ميلاد تضيء نفق الحداد
} هاني سليمان الحلبي
بعيون دامعة، ودموع جارية على وجوه المفجوعين بمَن فقدوا، يرفعون بأيدٍ تعبة صور الشهداء، بينما الشهداء في أعاليهم يبسمون..
تخلّصوا من عصف التفجير، من رائحة الدخان، من صراخ الجرحى، من أنين المحتضرين الذين توفّرت لهم هنيهات وداع للأنين. لكنّ بعضهم لم تتوفر له أية فرصة فالتحموا بالهواء غباراً في غبار.
ما زال محفوراً في وجوهنا هولُ تلك اللحظة الأخيرة من حياة ذلك الشهيد المجهول وهو يصوّر تلك اللحظة للقيامة قبل أن تتجمّد الصورة، مرة واحدة وإلى الأبد.
ما زالت الدهشة محفورة في عيوننا والآذان.. زلزال يفجِّر بيروتنا.. وما زال عصياً على الاعتراف. فبيروت هي آخر ورقة توت تستر عورة «عرب». فقرّروا رفعها ليبدأ زحفهم قوافل عيس بلا حديٍ ولا أهازيج إلى «أورشليمهم»، ما دمنا لم نستعدها إلى بيت مقدسنا.
لكن رغم اتشاح الصورة بوقار الحداد، رغم هول فاجعة الموت، هناك أمل بجيل زهرات التحف لباس بابا نويل، يتوهّج حباً وجمالاً وثقة. قادر هذا الجيل إن وعى حقيقته القوميّة أن يكشح كل حزن وأن يمسح كل دمع وأن يفتح كل ملف وأن يرفع مشانق الحساب في وقت ما، لكنه ليس بعيداً.
هذا الجيل – الأمل، أشبالنا الذين نعدّهم وعياً ونظاماً ونهجاً لسلامنا، استسلام أعدائنا لحقنا القومي. فلا تُغلق علينا حدود. ولا نُمنع من نفط العراق إلا بإذن مَن لا يملك، ولا من ياسمين دمشق، ولا من برتقال الخالصة، ولا من الحج إلى القدس ظافرين..
أما جيل المتراشقين جمرَ الحقيقة، بانتظار همس من هنا أو هناك، لا يوصل إلى حقيقة، بل يشوّه الحقيقة، كما شوّهت التحقيقات السالفة كل حقيقة.
جيلكم، جيل النصر الآتي والحساب، وحدَه مَن يفتح الطرق أمامنا والحدود، والمعابر إلى الفجر القومي الجديد.
كفكفوا دموعكم. افتحوا عيونكم. وصلّوا لشهدائكم، إنهم باقون شهادة ظلم على الظالمين مَن أساؤوا إدارة البلاد وأنتم رغم خراب عاصمتها أضأتم شجرة ميلاد، ليكون للقيامة ميلاد فلا يُهجَّر ما تبقى من شبابنا الهاربين من ملوك طوائفهم المتناحرة المستسقية دماءهم بقسمة عنصريّة ضيزى.
وكانت أول أمس، أضيئت شجرة ميلاد في محيط ما تبقى من مرفأ بيروت، بحضور أهالي شهداء في التفجير الفاجعة في 4 آب الماضي.