«ستراتفور»: توقعات 2021 في الاقتصاد والسياسة.. إلى أين يتجه العالم؟
نشر مركز «ستراتفور» للدراسات الاستراتيجية والأمنية «توقعات 2021» وهو موجز لتوقعاته السنوية. السمة المتوقع أن تهيمن على التركيز العالمي خلال العام المقبل، بحسب التحليل، هي: المحاولة شديدة التعقيد للخروج من مستنقع جائحة كوفيد-19. بالتوازي مع هذا التعافي، سيتولى قيادة الولايات المتحدة رئيسٌ جديد يسعى لاستعادة زمام القيادة الأميركية على الساحة العالمية.
وفي حين يرجح التقدير الاستشرافيّ أن تكون هاتان المهمتان (التعافي من كورونا واستعادة القيادة الأميركية) هما المحركان الرئيسيان لديناميكيات العام المقبل، فإنّ السرعة التي سيتبلوران بها، ويبدآن في إحداث تغييرٍ على أرض الواقع، ستكون رهينة مجموعة من الديناميكيات الجيوسياسية التي تهيمن على الساحة العالمية منذ فترة.
أولاً: «توقعات 2021»:
أبرز الاتجاهات العالمية المرتقبة
1 – بدء الانتعاش الاقتصادي العالمي
يتوقع ستراتفور أن يتواصل الأثر الاقتصادي السلبي الناتج عن الصدمة التي أحدثتها جائحة كوفيد-16 خلال عام 2021، حتى بعدما يؤدّي توزيع اللقاح إلى تخفيف القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي. ولذلك ستكون المهمة الرئيسية لصناع السياسات في العام المقبل، هي: تجديد انتعاش النشاط الاقتصادي، أو استدامته؛ نظراً للحاجة المستمرّة إلى زيادة دعم الدخل العام زيادة كبيرة بموازاة الارتفاع المتصاعد للديون.
سقف التفاؤل الذي يصل إليه التحليل في المجال الاقتصادي هو: أن يعود إجمالي الناتج العالمي إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية العام، وسيكون ذلك فقط بفضل الانتعاش الأقوى والأسرع في الصين وأجزاء من آسيا مقارنة ببقية أنحاء العالم. أما نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي فيتوقع أن يبلغ 4-5%، وهي نسبة ستسهم الصين بثلثها.
في بقية أنحاء العالم، يتوقع أن يكون مستوى التعافي متفاوتاً، وألا يعود الناتج المحلي الإجمالي في شطر كبير من العالم إلى مستويات ما قبل الوباء حتى عام 2022، دون استثناء الولايات المتحدة وأوروبا من هذا التقدير.
فضلاً عن ذلك، فإنّ الندبات التي خلفها نزيف الوظائف وحالات الإفلاس على جسد الاقتصاد العالمي ستسهم في زيادة التكاليف طويلة الأمد، وتفرض حاجة إلى مزيد من النفقات المالية الاستثنائية. ومع ذلك، يتوقع التحليل أن يظلّ معدل التضخم ضعيفاً؛ نظراً لبطء الانتعاش في الطلب، وعدم الإقبال في أسواق عوامل الإنتاج على الأيدي العاملة ورأس المال.
على صعيد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، لن يكون المستقبل أكثر إشراقاً؛ إذ تسبّبت الجائحة في تفاقم نقاط الضعف القائمة، لا سيما تلك المتعلقة بالديون السيادية وديون الشركات، وانزلق عدد كبير من الناس مرة أخرى إلى براثن الفقر، وتبدّدت المكاسب الإجمالية التي تحققت خلال عقد أو أكثر في العديد من البلدان الأكثر فقراً. والخروج من هذا المستنقع سيستغرق سنوات – بحسب التقدير – في ظلّ هذا المناخ العام المثقل ببطء النمو في جميع أنحاء العالم حتى قبل هجوم الجائحة.
2 – عودة الولايات المتحدة إلى عالم التعدّدية
يشدّد التحليل على أنّ الولايات المتحدة بقيادة إدارة بايدن سوف تولي تركيزاً كبيراً لإعادة بناء علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين في أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا والمحيط الهادئ، وذلك جزء من عودتها الأوسع لنهج أكثر تعددية على صعيد السياسة الخارجية.
وستحاول الإدارة الجديدة تعزيز النظام العالمي القائم على القواعد الغربية، وستسعى لعقد تحالف مع الدول التي تفكر بطريقة مماثلة، لإصلاح النظام العالمي بهدف الاستعداد الأفضل لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، التي من بينها صعود الصين وتغيّر المناخ وتحديات قطاع التكنولوجيا.
في سبيل القيام بذلك، يأمل مركز ستراتفور في «توقعات 2021» أن تتغاضى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن خلافاتهما حول بعض القضايا، مثل: الإنفاق الدفاعي والنزاعات التجارية، وأن تحاول الولايات المتحدة ترميم الشروخ في جدار العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية بعد التوتر الأخير بينهما. كما يرجح التقرير أن تعود الولايات المتحدة إلى المشاركة في عدد من الاتفاقيات والمؤسسات التي انسحبت منها إدارة ترامب، لا سيما تلك المتعلقة بتغيّر المناخ وحقوق الإنسان.
3 – استمرار الموقف الأميركي المتشدّد تجاه الصين
ترجح «توقعات 2021» التي أعدّها ستراتفور أن تواصل إدارة بايدن تبني الموقف الأميركي العدوانيّ تجاه الصين، بموازاة محاولتها بناء تحالف دولي أكثر تماسكاً ضدّها، وأن يكون التركيز الرئيسي لإدارة بايدن منصبّاً على قطاع التكنولوجيا في الصين.
ويتوقع أن يكون الرئيس المنتخب جو بايدن أقلّ تركيزاً على استهداف شركات معيّنة، مفضّلاً استهداف قطاعات واسعة. ومن المحتمل أن يتسع نطاق الحرب التكنولوجية بما يتجاوز مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والجيل الخامس، لتشمل المزيد من القيود المفروضة على الحوسبة السحابية والخدمات الرقمية والتكنولوجيا المالية.
على الرغم من أنّ الصين ستضطر اضطراراً إلى الردّ بالمثل، بفرض قيود على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، ستحاول بكين التعامل بلطفٍ نوعاً في بعض جوانب ما يعرف بدبلوماسية «الذئب المحارب»، وذلك بموازاة محاولتها إحباط المحاولات الأميركية لبناء تحالف دولي، والاستعداد للذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني عام 2021، ودورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022.
4 – انفتاح أميركي على المحادثات مع إيران
سيركز بايدن على الدخول في مفاوضات مع إيران، بحسب «توقعات 2021». وعلى الرغم من القيود القوية التي تثقل قدرة الولايات المتحدة على إعادة الانخراط ببساطة في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، يرجح ستراتفور أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق يتضمّن تعليقاً أميركياً لبعض العقوبات المالية على قطاع النفط الإيراني مقابل خفض إيران لأنشطتها النووية.
ويرجح التقدير أيضاً أن يؤدّي توسع إيران في النشاط الإقليمي خلال السنوات الأخيرة – بما في ذلك الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية – إلى إجراء مفاوضات أوسع نطاقاً تتجاوز إطار برنامج إيران النووي، عندما تصل المحادثات إلى شاطئ الاتفاق على صفقة بديلة لخطة العمل الشاملة المشتركة. لكن تلك المحادثات لن تكتمل خلال العام المقبل، بل ستتواصل إلى ما بعد عام 2021، هذا على افتراض أنها ستتبلور على أرض الواقع أصلا.
5 – التركيز على قضايا المناخ في خطط التعافي من أثر الجائحة
تشير «توقعات 2021» إلى أنّ الحكومات والشركات الوطنية، بما في ذلك الشركات المنتجة للطاقة وكبار مستهلكي الطاقة، ستدفع بقوة في عام 2021 لوضع أهداف قابلة للتحقيق على المدى المتوسط في ما يتعلق بخفض الانبعاثات، وستعدل إستراتيجيات أعمالها بما يسهم في تحقيق هذه الأهداف.
ومع زيادة المسؤولية، وارتفاع المخاطر، إلى جانب الضغط من مجالس إدارة الشركات؛ سيؤدي ذلك كله إلى تسريع هذه المبادرات خلال عام 2021. وستجعل معظم الحكومات أيضاً المشاريع الخضراء ركيزة أساسية لبرامجها الهادفة إلى التحفيز الاقتصادي، وسيواصل المستثمرون التركيز بقوة على جعل مشروعاتهم الاستثمارية خالية من انبعاثات الكربون، تجاوباً مع زيادة التدقيق في الصناعات التي تنتج انبعاثات كثيفة.
ثانياً: «توقعات 2021»:
أبرز الاتجاهات الإقليمية المرتقبة
1 – انتعاش ثنائي السرعة في أوروبا
بحسب «توقعات 2021» فقد تشهد أوروبا انتعاشاً اقتصادياً متفاوتاً؛ «ذو سرعتين»: ففي حين ستستعيد بلدان شمال أوروبا عافيتها من معظم الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها في عام 2020، على صعيد الناتج المحلي الإجمالي والعمالة والإنتاج والاستهلاك والاستثمار، فإنّ معظم مؤشرات النشاط الاقتصادي هذه ستظلّ دون مستويات ما قبل الجائحة في جنوب أوروبا.
وبينما ستكثف حكومات شمال أوروبا من تدابيرها التحفيزية تدريجياً من أجل تقليل عجزها المالي، ستحتفظ حكومات جنوب أوروبا بسياساتها التوسعية، أو حتى تقطع شوطاً إضافياً في ميدان هذه السياسات، لكن ذلك سيكون له ثمن يتمثل في زيادة العجز المالي وتراكم الديون المتزايدة. ونتيجة لهذين التوجهين، ستظل المخاطر المالية (التي تشمل أزمة الديون السيادية والأزمة المصرفية) مرتفعة في الجنوب، في مقابل انخفاض المخاطر في الشمال.
بيدَ أنّ الانتعاش الاقتصادي في الشمال، وإجراءات التحفيز في الجنوب، سيقودان إلى احتجاز الاضطرابات الاجتماعية ضمن هوامش مقبولة في كلا الجانبين، على الرغم من أنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الجنوب تُبقي الباب مفتوحاً أمام انفلات المشاعر المناهضة للتكتل، وربما تحوّل هذه المشاعر الساخطة إلى فعل. هذا الاختلاف بين الشمال والجنوب في الأداء الاقتصادي يجعل من الصعب أيضاً على أعضاء منطقة اليورو الاجتماع على رأي واحد بشأن التدابير الرامية إلى زيادة تقاسم المخاطر الاقتصادية والمالية داخل نطاق العملة الموحدة.
2 – ديناميكيات بحر الصين الجنوبي
بحسب «توقعات 2021» فستواصل الصين بهدوء ترسيخ وضعها العسكري المسيطر بالفعل في بحر الصين الجنوبي، كجزء من استراتيجيتها البحرية الإقليمية الأوسع، إلى جانب اعتمادها على الركائز الاقتصادية، حسبما يتوقع ستراتفور.
في المقابل، ستواصل الولايات المتحدة أيضاً جهودها الرامية إلى إحداث توازن في مواجهة صعود الصين إقليمياً، من خلال تعزيز مواقف المطالبين بأحقيتهم في بحر الصين الجنوبي من خلال التواصل الاقتصادي، وتقديم الدعم في المؤسسات الدولية، وفرض العقوبات على الكيانات الصينية، ونقل المعدات الدفاعية أو بيعها.
ستتواصل كلّ من الفلبين وفيتنام بوتيرة متزايدة مع الولايات المتحدة من أجل مدّ جسور التعاون، مدفوعين بأوضاعهما السياسية المحلية، لكن مع استمرار تحمّلهما وطأة الضرر الاقتصادي الذي لا يزال يلوح في الأفق بقوة، نتيجة جائحة كوفيد-19، ستحتاج البلدان إلى تجنّب تعريض علاقاتهما الاقتصادية مع الصين للخطر.
3 – المناورة الاقتصادية لتركيا
بحسب «توقعات 2021» ستحاول تركيا تَبَنِّي سياسة نقدية أكثر تقليدية، تساعدها في استقرار وضعها المالي خلال العام المقبل، مما سيساعد في حماية تركيا من الانتكاسات الاقتصادية السلبية الناتجة عن سياستها الخارجية الجريئة، على حدّ وصف مركز ستراتفور.
وبدافعٍ من مقتضيات الأمن القومي الصارمة، التي تتماشى جيداً مع قاعدة الدعم المحلي التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية الحاكم؛ ستواصل تركيا نشاطها المحموم في شرق البحر الأبيض المتوسط وبلاد الشام.
ويحذر ستراتفور من أنّ الإجراءات العدوانية التي تتخذها تركيا في هذه الساحات ستؤدي إلى تفاقم خصوماتها مع الدول العربية المؤثرة مثل مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وطالما لم تتعرّض تركيا لعقوبات مالية كبيرة، من شركاء مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب أفعالها، فلن تتردّد أنقرة في التدخل في نزاعات الشرق الأوسط لتعزيز موقفها الإقليمي.
4 – الاقتصاد الهندي يبدأ رحلة التعافي
بينما بدأ اقتصاد الهند رحلة التعافي خلال العام الحالي، ويمكن أن يشهد أحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، تخلص «توقعات 2021» إلى أنّ هذا التعافى قد لا يصل إلى مستوى الناتج الاقتصادي ما قبل الجائحة.
وكان الاقتصاد الهندي من أكثر الاقتصادات تضرراً من فيروس كورونا خلال عام 2020، حتى أنّ صندوق النقد الدولي توقع أن ينكمش لمدة عام كامل بأكثر من 10 في المائة هذا العام، وهو انخفاض يستبعد التقدير إمكانية التعافي منه بالكامل في غضون عام 2021.
صحيح أنه سيكون من السهل نسبياً على الهند تحقيق مستوى مرتفع من النمو على أساس سنوي بسبب عمق الركود الذي شهدته في عام 2020، لكن لكي يصبح نمو الهند أكثر استدامة، ينصح ستراتفور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتطبيق المزيد من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية.
لكن إجمالاً، ستظلّ هذه العملية بطيئة على مدار عام 2021، ولن تستطيع مواكبة الإطار الزمني الصارم الذي تصوره مودي. في غضون ذلك، سيتعيّن على الهند خوض غمار عملية معقدة لتوزيع اللقاح على نطاق واسع نظراً لعدد سكانها الهائل، والاختلافات الكبيرة في السياسة بين الولايات والحكومة الوطنية، وكثرة عدد سكانها الريفيين والفقراء، مما يؤجل التعافي الاقتصادي الكامل إلى عام 2022.
5 – استمرار مشكلات الأرجنتين المالية
لن تُبَدِّد شمس العام الجديد مصاعب الاقتصاد الأرجنتيني، بل سيتواصل النضال على مدار العام المقبل، بينما تواجه البلاد تأثيراً سلبياً متشابكاً؛ نتيجة جائحة كوفيد-19 والمشكلات الهيكلية مثل ارتفاع التضخم وانخفاض الإنتاجية وانعدام الثقة في البيزو الأرجنتيني والشكوك القوية المتفشية بين المستثمرين المحليين والأجانب على حدّ سواء حول قدرة الحكومة على خفض العجز المالي ومستويات الديون السيادية.
والحال هكذا، لا بدّ وأن تتوقع الشركات المحلية والأجنبية العاملة في الأرجنتين تطبيق سياسات تتيح للدولة التدخل بقوة في الشأن الاقتصادي، وفرض ضوابط على العملة لفترة طويلة، وحين يضاف إلى ذلك كله ضعف سيادة قانون، فإنّ هذا المزيج سيؤدّي إلى الإضرار بالثقة في الاقتصاد وتقويض النمو.
“ساسة بوست”