«التطبيع» حرب ضدّ الجزائر بعد إيران و المغرب «المستوطنة» الثانية بعد الإمارات…!
محمد صادق الحسيني
كان حلم الساسة والقادة العسكريون الفرنسيون، بعد احتلالهم للجزائر سنة 1830، ورغم تحدي الثورة الكبرى التي قادها المجاهد الكبير، الأمير عبد القادر الجزائري، ضدّ هذا الاحتلال… وكذلك أنظارهم تتجه غرباً، نحو المغرب الأقصى، الذي يعرف بالمملكة المغربية حالياً.
وقد تحقّق هذا الحلم الفرنسي فعلياً، بعد انعقاد مؤتمر برلين (Berlin Conference)، الذي عقد في الفترة ما بين 26/2/1885 حتى 15/11/1884 والذي جرى خلاله تقاسم أفريقيا، بين القوى الاستعمارية الأوروبية آنذاك. اذ اتفقت الدول المشاركة على ان تكون المغرب والصحراء الغربية من حصة فرنسا واسبانيا. وهو ما دفع مواطني المغرب الى رفض هذه القرارات والبدء بثورة مسلحةٍ ضد الوجود الاسباني، في شمال المغرب، وذلك سنة 1839، وهي الثورة التي اطلق عليها اسم: حرب الريف، خاصة أنّ اسبانيا كانت تحتلّ مدينة مليلة المغربية والواقعة على ساحل المتوسط منذ عام 1497، والتي تبعتها حرب الريف الثانية 1909 بعد ان بدأت القوات الاسبانية تتمدد خارج مدينة مليلة وتسيطر على محيطها، تمهيداً للسيطرة على كامل الساحل المغربي على المتوسط.
وفي ظل تصاعد المقاومة المغربية للاحتلالين الاسباني والفرنسي عقد اتفاق اسباني فرنسي، سنة 1912، لتقاسم الاراضي المغربية بشكل نهائي ومتفق عليه، بهدف توحيد جهود الدولتين الاستعماريتين، ضد قوات الثورة المغربية في الريف (شمال البلاد بشكل خاصة).
لكن هذه الثورة تواصلت وتصاعدت، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وزيادة النشاط الاستعماري في المغرب من قبل دولتي الاحتلال، فرنسا واسبانيا، الى ان وصلت تلك المقاومة ذروتها في ثورة 1921، التي يطلق عليها اسم: حرب الريف الثالثة، بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي واستمرت هذه الثورة حتى سنة 1926. ولَم تتمكن جيوش الاحتلال الاسبانية (في شمال المغرب) من قمع هذه الثورة الا بعد أن شنت حرب إبادةٍ جماعية، ضد الشعب المغربي في الشمال، مستخدمة الاسلحة الكيماوية وغاز الخردل بالتحديد، حيث قصفت بمدفعية الميدان ومدفعية البوارج الحربية، والطائرات الحربية أيضاً، كل شمال المغرب، قصفاً عنيفاً استخدمت خلاله ما مجموعه عشرة آلاف قذيفة من غاز الخردل، وذلك انطلاقاً من استراتيجية الأرض المحروقة، بحيث تصبح الأرض غير صالحة للحياة عليها لسنوات طويلة، الأمر الذي سيؤدي، حسب خطط المجرمين الاسبان وشركائهم الفرنسيين، الى فقدان الثوار للإسناد الشعبيّ وبالتالي للرفد بالمقاتلين.
وهو ما أدى الى أن ما يقرب من 80% من مرضى السرطان، الذين يعالجون في مركز السرطان الوطني في الرباط حالياً، هم من أهالي الأقاليم الشمالية، التي تعرّضت لهذا الكمّ الهائل من السلاح الكيماوي، قبل مئة عام. وهذا ما تثبته ليس فقط الجهات المغربية المعنية، وإنما هو مثبت رسمياً في أرشيف وزارة الدفاع الاسبانية، ولدى العديد من المنظمات الدولية المختصة (في الوقت الحالي وليس قبل مئة عام). وهذا ما يجعل من الضروري قيام حكومة المغرب بمطالبة اسبانيا بتعويضات مالية عن كل الخسائر المادية والبشرية، التي نجمت عن جرائم الحرب هذه.
وبالعودة الى الأحلام الفرنسية، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، بمتابعة الزحف من الجزائر غرباً، باتجاه المغرب، فإنّ هناك حالياً أحلاماً أميركية شبيهة بتلك الفرنسية، ولكن بالاتجاه المعاكس. أيّ الزحف من المغرب شرقاً باتجاه الجزائر، وذلك لأجل تحقيق أهداف المشروع الصهيوأميركي في المغرب العربي، او ما يسمّى حالياً عملية “التطبيع” الجارية بين المغرب و”إسرائيل”.
وهي في الحقيقة ليست عمليّة معزولةً، عن بقية المسار الاستراتيجي للخطط الأميركية، التي تهدف الى حصار الدول التي تعارض الهيمنة الأميركية في “الشرق الاوسط”، كـ إيران في الشرق والجزائر في الغرب، خاصة أنّ الولايات المتحدة قد أصبحت عاجزةً عن الدخول في مواجهة عسكريةٍ مباشرةً مع هذه القوى، لأسباب عديدة لا مجال للغوص فيها حالياً.
فما هي أهداف المشروع الأميركي الحالي، وأدواته الأعرابية والصهيونيّة والعثمانية، في منطقة “الشرق الأوسط” بكاملها؟
1 ـ محاولة خلق موجة جديدة من الفوضى الداخلية المسلحة، في عموم المنطقة، وذلك من خلال إشعال المزيد من الحروب والفتن الطائفية، يكون هدفها العاجل والمباشر إيران في الشرق والجزائر في الغرب، بحيث توكل إدارة وتسعير هذه الحروب الى “إسرائيل”، التي لن تزجّ جيشها ليقاتل على الجبهات، وإنما هي ستقوم بقيادة جيوش من المرتزقه المحليين، التي يطلق عليها اسم جيوش وخاصة في الخليج الفارسي، بحجة مواجهة الخطر الإيراني والتصدّي له!
وهذا يعني إشعال حربٍ “عربية” ضدّ إيران، خدمة للمشروع الأميركي، ولكن دون تدخل أميركي مباشر في هذه الحرب، مما يعني خوض حربٍ أميركيةٍ بالوكالة، ضدّ إيران ومحور المقاومة.
وما موجة التطبيع الخليجية الإسرائيلية، وما تبعها من توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين وفِي مختلف المجالات، إلا جزء من التحضيرات لنشر الفوضى، خاصة أنّ “إسرائيل” قد بدأت فعلاً ببناء قواعد تجسس وأخرى عسكرية لها، في الإمارات العربية والبحرين والأجزاء التي تحتلها السعودية والإمارات في اليمن وخاصة جزيرة سوقطرى ذات الموقع الاستراتيجي.
2 ـ وكما اخترعت القوى الصهيوأميركية عدواً وهمياً، لدول الخليج الفارسي في المشرق العربي، أسمته إيران، ها هي قد اخترعت بؤرة صراع جديدة في المغرب العربي، ترتكز الى الوضع الراهن في الصحراء الغربية، التي تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها الكامل عن المغرب.
وما اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باعتبار هذه المنطقة جزءاً من المملكة المغربية، وخضوعها للسيادة المغربية الكاملة، إلا الخطوة الأولى على طريق تصعيد عمليات التطويق الاستراتيجي لجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، التي ترفض الخضوع للمشروع الصهيوأميركي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية. وهي قد أعلنت موقفها هذا عبر أكثر الناصرين للقضية الفلسطينية من كبار المسؤولين الجزائريين.
وبنظرة سريعة، لخريطة الجزائر، يلاحظ المراقب انّ فلول داعش في دول الساحل الأفريقي، والتي تناور بهم واشنطن، عبر ما يسمّى أفريكوم / قيادة أفريقيا في الجيش الأميركي / وذلك على حدود الجزائر الجنوبية، في كلّ من مالي والنيجر وتشاد، حيث توجد غرفة عمليات أميركية/ إسرائيلية مشتركة في نجامينا، عاصمة تشاد لتنسيق تحركات عناصر داعش وتقديم الدعم والإسناد اللازم لها، لتنفيذ عمليات إرهابية، كتلك التي نفذتها هذه المجموعات، ضدّ أهداف نفطية ومحطات غاز طبيعي في جنوب الجزائر أكثر من مرة سابقاً.
ومن نافل القول التذكير بالخطر الإرهابي الذي يهدّد الحدود الجزائرية من ناحية الشرق، ايّ عبر الحدود الليبية الشرقية وعبر الحدود التونسية شمال شرق الجزائر. علماً انّ هذه الحدود تشهد اشتباكات شبه يومية بين الجيش التونسي ومجموعات من داعش وغيرها، تحاول بشكل دائم اختراق الحدود الجزائرية، التي بقيت مؤمّنة بالكامل نظراً ليقظة الجيش الشعبي الجزائري وقدراته القتالية العالية…
3 ـ وانطلاقاً من معرفة القوى الصهيوأميركيّة بالقدرة العسكرية الكبيرة للجيش الجزائري، وبالنظر الى انه يملك أكبر سلاح للجو والبحر في أفريقيا وبالنظر للتصريحات المتكرّرة لقادة حلف شمال الأطلسي، والمتعلقة بالمخاطر التي يشكلها سلاح الجو الجزائري وسلاح البحرية الجزائرية، على الحركة الجوية والبحرية لقوات الحلف، في البحر المتوسط، فإنّ قوى العدوان الأميركي الصهيوني قد لجأت الى اختراع صيغة الصراع الجديدة، المشار اليها في البند السابق، والتي تتضمّن تطويق الجزائر من الغرب أيضاً.
وهو ما بدأته هذه الدوائر قبل مسرحية التطبيع، بين المغرب و”إسرائيل”، وبالتحديد منذ أن اتخذ المغرب، بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب، من خلال مستشار ملك المغرب الخاص، اندريه أَزولاي، نقول منذ ان اتخذ المغرب قرار إنشاء القاعدة العسكرية العملاقة في منطقة لاوينات، التابعة لبلدية مدينة جراده، التي تبعد 38 كيلومتراً عن الحدود الجزائرية، وذلك حسب ما جاء في المرسوم الصادر عن رئيس الوزراء المغربي، والمنشور في عدد الجريدة الرسمية المغربية رقم 6884، بتاريخ 21/5/2020، والذي أعلن فيه استملاك الحكومة المغربية مساحة 23 هكتاراً (الهكتار يساوي عشرة آلاف متر مربع) من الأراضي الخاصه لإقامة هذه القاعدة عليها.
4 ـ ولا بد هنا من التأكيد على درجة الخطورة العالية، لهذه القاعدة على الأمن الوطني الجزائري، وذلك لسببين هما:
أ) انها ستدار من قبل عدد كبير من الضباط الإسرائيليين، من أصل مغربي، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، الجنرال غادي آيزينكوت، وهو ابن يهودية مغربيّة من مدينة الدار البيضاء وأبٌ يهودي مغربي من مدينة مراكش، هاجرا الى فلسطين بداية خمسينيات القرن الماضي، وذلك الى جانب ضباط الجيش المغربي.
علماً انّ العدد الإجمالي لليهود المغاربة وأبنائهم في فلسطين المحتلة يربو على مليون شخص. وقد تبوّأ العديد منهم مراكز عليا في إدارة دويلة الاحتلال، مثل وزير الخارجية الأسبق ديفيد ليفي، ووزير الحرب الأسبق عامير بيريتس، ورئيس الأركان السابق الجنرال آيزينكوت، ومستشار الأمن القومي الحالي مائير بن شابات، الذي ترأس الوفد الإسرائيلي إلى المغرب يوم أمس (الأول)، وهو مولود لأبوين مغربيّين هاجرا إلى فلسطين المحتلة، في خمسينيات القرن الماضي.
وبالنظر الى أنّ القانون المغربي يعتبر جميع هؤلاء اليهود، المقيمين حالياً في فلسطين المحتلة، مواطنين مغاربة أيضاً، ويحق لهم حمل الجنسية المغربية، فإنّ دمج عدد منهم، او خدمة عدد منهم، في الجيش المغربي سيكون “قانونياً” أيضاً. وهذا ما يضاعف الخطر الكارثي على الأمن الوطني الجزائري. وهو الأمر الذي كرّره العديد من المسؤولين الجزائريين، عندما أشاروا في تصريحات لهم، خلال الشهرين الماضي والحالي، بأنّ ما يقوم به المغرب، من عملية تطبيع، ليس إلا نقلاً للجيش “الإسرائيلي” الى حدود الجزائر.
ولا بدّ في هذا السياق من التذكير بأنّ سلاح الجو الإسرائيلي قد حاول، بتاريخ 10/8/1988، بالاعتداء على الأجواء الجزائرية، لقصف اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي كان منعقداً في العاصمة الجزائر، حيث صدرت التعليمات لتشكيل جوّي جزائري، مكوّن من مقاتلات اعتراض طراز ميغ 25، بالتصدّي للطائرات الإسرائيلية، من طراز F 16، والتي اكتشفتها وسائل الدفاع الجوي الجزائرية يومها وهي على بعد 400 كم من الأجواء الجزائرية. وكذلك الأمر فانّ بطاريات الدفاع الجوي، من طراز Buk -M 3، التي كانت قد وضعت في حالة تأهّب قصوى قبيل انعقاد المؤتمر، قد ضبطت الأهداف المعادية، ما أجبرها عملياً على أن تقفل راجعة الى قواعدها في فلسطين المحتلة، بعد اكتشافها انها في مرمى صواريخ الدفاع الجوي وطائرات ميغ 25 الجزائرية.
كما لا بدّ من التذكير أنّ سلاح البحرية الإسرائيلي كان قد نفذَ محاولة اقتراب، من الموانئ الجزائرية شرق العاصمة، وذلك بتاريخ 7/4/1984، بحجة أنّ مجموعة كوماندوز بحري تابعة لقوات العاصفة / فتح / قد انطلقت من تلك الموانئ الجزائرية. وقد تصدّت السفن الحربية الجزائرية ايضاً يومها لزوارق الصواريخ الإسرائيلية الأربعة، التي شاركت في محاولة العدوان الفاشلة، وردّتها على أعقابها من دون تحقيق أي هدف.
اذن فما نقوله ليس “هلوسات” متحمّس وإنما وقائع ميدان تاريخية، تثبت نيات العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً، ضدّ الجزائر، منذ زمن بعيد. وهو ما يجعلنا ننظر ببالغ الخطورة، الى موضوع إعلان التحالف المغربي الإسرائيلي العسكري، الذي يهدّد الاستقرار في كلّ منطقة المغرب العربي.
ب) اما مصدر الخطر الثاني، على الأمن الوطني الجزائري، والمنبثق من هذه القاعدة، فهو انها ستضمّ قاعدة جوية، تخدم الطائرات المسيّرة في المرحلة الأولى. ولعلّ المتابعين يتذكرون ما صرّحت به مصادر في البنتاغون الأميركية، يوم 19/12/2020، من أنّ الولايات المتحدة ستبيع المغرب أربع طائرات بدون طيار، من طراز MQ – 9، وهي من أحدث طائرات التجسّس الأميركية، التي لا يحتاجها المغرب للتجسس على الصحراء الغربيّة، وإنما للتجسّس على الجزائر، التي ترفض الانخراط في مشروع تصفية القضية الفلسطينية. أي المشروع الذي يُطلق عليه اسم “صفقة القرن”.
وغني عن القول طبعاً بأنّ “إسرائيل” سوف تلعب دوراً اساسياً، في تشغيل هذه الطائرات وغيرها من طائرات التجسس الإسرائيلية الصنع، والتي سيتمّ نشرها في هذه القاعدة، استكمالاً لدور طائرات التجسّس الأميركية، التي تعمل انطلاقاً من القاعدة الجوية التونسية الأكبر في البلاد، في سيدي أحمد، شمال غرب ميناء بنزرت التونسي، على البحر المتوسط، والتي تنكر وجودها (الطائرات الأميركية في جزء من القاعدة) كلّ الحكومات التونسية منذ عام 2011 وحتى الآن، والتي تسمّيها البنتاغون: القاعدة رقم 722، حسب ما نشرته مجلة “ذي ناشيونال انتريست” الأميركية في وقت سابق.
5 ـ وقد يقود العرض السابق، للمخطط الصهيوأميركي والدور الإسرائيلي في تنفيذه، الى طرح سؤال محقّ حول ما اذا كانت “إسرائيل” تملك جيشاً يوازي الجيش الأميركي في عدده وعدّته، كي تتمكن من الاضطلاع بهذا الدور الإقليمي الكبير، والجواب بالتأكيد هو: كلا كبيرة. إنّ “إسرائيل” لا تملك القدرات العسكرية، لبسط سيطرتها على كلّ هذا الإقليم او العالم العربي. كما انّ المخطط المشار إليه أعلاه لا يعطي الكيان الصهيوني دور نشر جيشه، وإنما مستشاريه العسكريين والأمنيين، في كلّ بلدان العرب التي دخلت نفق التطبيع معها.
كما أنّ من الضروري ان يفهم المرء انّ عملية التطبيع ليست هدفاً أميركياً إسرائيلياً بحدّ ذاته، وإنما هي وسيلة لدمج “إسرائيل” في المحيط العربي وجعلها كياناً مقبولاً، لا بل حليفاً، “يساعد” الحكام المطبّعين عسكرياً وامنياً، في التصدي للأخطار التي تواجههم سواء من شعوبهم او تلك الآتية من إيران وحلف المقاومة، كما يتصوّرون!
وهو الأمر الذي دفع بالقوى الخفيّة الداعمة لهذا المشروع، حتى قبل الانتخابات الأميركية، بالبدء بالتفكير في صيغة تسمح بضمّ الكيان الإسرائيلي الى منطقة صلاحيات او عمليات القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM). وهو الموضوع الذي يسمّى بلغة البنتاغون: Area of Operations او منطقة العمليات. الأمر الذي يجعل “إسرائيل” وجيشها في مقام جزء من القوات المسلحة الأميركية، وهو ما قد يُعتبر بديلاً لوجود عسكري أميركي مباشر في “الشرق الاوسط”، من قبل بعض المخططين الاستراتيجيين الأميركيين، خاصةً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار انّ تل ابيب سوف تبرم اتفاقيات تعاون عسكري وأمني، مع كلّ الدول العربية التي تعلن تطبيع علاقاتها معها. ما يعني عملياً، وضع القوات المسلحة لتلك البلدان تحت قيادة “إسرائيل” وبتصرفها، وبالتالي تحويلها الى قوات احتياط (بما في ذلك الجيش الإسرائيلي) بإمرة القياده المركزية الأميركية، التي مركزها الدوحة.
علماً انّ “إسرائيل” حالياً تعتبر جزءاً من القيادة الأوروبية في الجيش الأميركي (U.S. European Command) ولا علاقة لها بالقيادة المركزية، المسؤولة عن “الشرق الاوسط”.
وهذا ما دفع الضابط السابق في البنتاغون، وهو المدير الحالي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي (Jewish Institute for theNational Security of America – JINSA -)، ميخائيل ماكوڤسكي Michael Makovsky لكتابة مقال يطالب فيه بضمّ “إسرائيل” الى منطقة عمليات القيادة المركزية في الجيش الأميركي. وهو يقول إنّ هذا الموضوع قد بحث مرات عدة في السابق، لكن الظروف المحيطة به قد تغيّرت في “الشرق الاوسط”، خاصة بعد توقيع ما يسمّى اتفاقيات أبراهام!
وفِي إطار الاستعدادات لتنفيذ هذه الخطوة عملياً فإنّ القيادة المركزية قد نفذت ثلاثة تدريبات جوية مشتركة، مع سلاح الجو الإسرائيلي، هذا العام، مستخدمةً طائرات أميركية، من طراز F 35، مرابطةً في قاعدة الظفرة الإماراتية.
6 ـ لكن الأمر لا يقتصر على ما حدث حتى الآن، بشأن ضمّ “إسرائيل” الى منطقة عمليات القيادة المركزية في الجيش الأميركي، وانما يجب على الكونغرس الأميركي تضمين هذا البند، في برنامج المساعدات العسكرية الأميركية للكيان، بالاضافة الى ضرورة ان تقوم الولايات المتحدة بزيادة كميات الأسلحة الدقيقة الموجهة، التي تزوّد “إسرائيل” بها Precision – guided munitions وتختصر باسم (PG s)، يقول ميخائيل ماكوڤسكي، في هذا الصدد.
لكنه يضيف ان ضمّ “إسرائيل” لمنطقة عمليات القيادة المركزية، في الجيش الأميركي، سيسمح لها، في أوقات الحرب، باستخدام مخازن احتياط الذخيرة الأميركية، المخزنة في قواعد عسكرية متقدمة في “إسرائيل” لأوقات الحرب (بالنظر اليها من الولايات المتحدة)، التي تسمّى بالانجليزية: The War Reserve Stockpile Ammuntion – Israel (WRSA – I).
وهذا يعني، حسب ماكوڤسكي انّ هذه الأسلحة الأميركية تبقى تحت قيادةٍ أميركية في ظروف يسمح فيها لاستخدام هذه الذخائر، اذا ما وقعت حرب مع إيران او حزب الله.
7 ـ ويتابع قائلاً إنّ جعل “إسرائيل” جزءاً من منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية، التي تشمل العراق وافغانستان أيضاً، وهما دولتان لا تقيمان علاقات مع “إسرائيل”، إنما سيثير جدلًا، او بعض الإشكاليات، حول الدور الأميركي في هاتين الدولتين، خاصةً أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تواجه تهديدات إيرانيّة، عبر “الميليشيات” المدعومة من إيران، حسب زعمه. وربما تستخدم إيران هذه المسألة (ضمّ “إسرائيل” للقيادة المركزية) كحجة للقيام بتصعيد عسكري ضدّ القوات الأميركية في العراق.
ولكن الأمور ربما تتغيّر، نحو الأفضل، بعد تسلم الجنرال لويد اوستين (Lloyd Austin) وزارة الحرب الأميركية في ادارة الرئيس المنتخب بايدن، وهو الذي كان قائداً للقيادة المركزية الأميركية، في الدوحة، من سنة 2013 وحتى 2016، وتربطه علاقات وثيقة بـ “إسرائيل” ويعرف جيداً الأهمية التي تتمتع بها دويلة الكيان الصهيوني في المنطقة.
8 ـ وبناءً على كلّ ما تقدّم فإننا نكاد نجزم انّ جميع الزيارات، التي قام بها كبار العسكريين الأميركيين، خلال الشهرين الماضيين لكيان الاحتلال، قد تمحورت حول هذا الموضوع، وذلك لتحويله الى أمر واقع، قبل رحيل إدارة ترامب من البيت الأبيض، ايّ لوضع هذا المخزون الاستراتيجي الأميركي، من الذخائر (صواريخ) الموجهة الدقيقة تحت تصرّف “إسرائيل”، كي تقوم باستخدامه كما يحلو لها ويخدم مصالحها وليس لخدمة المصالح الأميركية. خاصة أنّ اهتمامات بايدن الاستراتيجية ستختلف تماماً عن اهتمامات ترامب، التي اقتصرت على عقد الصفقات المالية والاستعراضات الدبلوماسية، التي اطلق عليها اسم اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”. تلك الاتفاقيات التي لن تقود الى اية حلول لمشاكل المنطقة، وفِي المقدمة منها القضية الفلسطينية ولا تحدي محور المقاومة، الذي يُصرّ على مواصلة استراتيجيته، الرامية الى تحرير فلسطين وإنهاء الوجود الاستيطاني الاحتلالي الإسرائيلي فيها.
وفِي هذا الصدد، يكفي ان نستمع الى التصريحات النارية التي أطلقها بايدن في هذه الأثناء، ضدّ روسيا، والمتعلقة بالهجمات السيبرانية المتواصلة في كلّ أنحاء الولايات المتحدة ومؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية والصناعية بشكل فعّال!
ما يعني أنّ الرياح الآتية من واشنطن لا تأتي على هوى أشرعة سفن نتن ياهو، التي بدأت في هذه الأثناء بالغرق، وذلك بعد حلّ الكنيست وقرار إجراء انتخابات تشريعية جديدة، لن تأتي بنتن ياهو رئيساً للوزراء قطعاً. لا بل إنها ستمهّد الطريق لدخوله السجن لقضاء ما تبقى من حياته هناك.
وهذا يعني أنّ كلّ المؤامرات والألاعيب، التي مارسها ويمارسها نتن ياهو، مع جاريد كوشنر وأعراب النفط، مضافاً اليهم ملك المغرب، الذي يريد “تحرير” الصحراء الغربية، من سكانها العرب والأمازيغ الأصليين، بينما لا يحرك ساكناً لتحرير سبته ومليلة، المحتلتين من قبل اسبانيا منذ قرون، نقول إنّ كلّ تلك المسرحيات ليست لها علاقة بالواقع الميداني، المتعلق بالصراع الاستراتيجي الشامل، الدائر حالياً بين الدول الرافضة لاستمرار الهيمنة الأميركية في العالم، وفِي مقدمة هذه الدول، مع الصين الشعبية وروسيا، إيران وسورية وحلفاؤهما في المنطقة، وفي العالم مثل فنزويلا وكوبا وبوليفيا، في أميركا اللاتينية.
خلاصة نقول إنّ التطبيع حرب استنزاف فتنوية خاسرة بالتأكيد رغم كلّ مظاهر نجاحها الإعلانية البراقة…!
ذلك لأنّ العالم تغيّر كثيراً واهمّ متغيّراته تحوّل محور المقاومة الى لاعب دولي رئيسي بمقام دولة كبرى في المعادلات الدولية بعد أن ظلت منطقتنا مجرد تابع يتلقى الأوامر من سفراء وقناصل الدول الكبرى!
بعدنا طيبين قولوا الله…