المضاربون وحدهم استفادوا من الأرجوحة الحكوميّة
ناصر قنديل
– إذا وضعنا جانباً مضمون التجاذب السياسيّ الذي حال ولا يزال يحول دون تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة الجديدة، وتوقفنا أمام ما جرى بين أمس واليوم على الصعيد الإعلامي في المسار الحكومي، فإنه وبلسان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري وليس بتسريبات مصادر أو مقربين، أعلن للبنانيين ومن القصر الجمهوري وبعد جلسة مطوّلة بينه وبين رئيس الجمهورية مخصصة لبحث الملف الحكومي، أن المسار الإيجابي يشهد تحوّلاً نوعياً سيتبعه لقاء آخر خلال أربع وعشرين ساعة تحت عنوان مسعى جدي لولادة حكومية قبل عيد الميلاد.
– لا يمكن القول بأن رئيس حكومة وسياسي مخضرم وصاحب علاقات داخلية وخارجية، وخبرة في تشكيل الحكومات، ومضى له أسابيع من التشاور والمساعي لتشكيل الحكومة، بما يتيح معرفة وثيقة بكل التعقيدات التي تحيط بملف الرئيسي كرئيس مكلّف، يمكن له أن يخرج في توقيت حرج يعيشه اللبنانيون ويمنحهم هذا التفاؤل المفرط من دون أن يكون بين يديه ما يقول أن أمر الحكومة قد انتهى ولم يتبق إلا روتوشات خفيفة وشكلية وتفصيلية، سيتمّ بتّها حكماً خلال الساعات التالية للتصريح، بحيث إن القضية صارت بالمعنى العملي بحكم المنجزة وتنتظر الإعلان، خصوصاً أن الرئيس الحريري يعلم بأن لتفاؤله تداعيات ولإحباط هذا التفاؤل تداعيات عكسية، وهو يضع كرجل مسؤول ويعرف تفاصيل الوضع النقدي وأسواق الصرف، أمامه الميدان الأول لتفاؤله المفرط ولإحباط التفاؤل المأساوي، وهو سوق صرف العملات، الذي سيعرف هبوطاً حاداً في سعر الدولار مع موجة التفاؤل وسيذهب لانهيار دراماتيكي مع الإحباط اللاحق. ولا يحتاج شخص كالرئيس الحريري لمن يلفت نظره إلى أن المواطن اللبناني ومدخراته هما الخاسر الأول في الحالتين.
– عملياً هبط سعر الصرف للدولار الأميركي يوم أول أمس بعد تصريح الحريري، من 8900 ليرة الى 7700 ليرة وعاد للارتفاع أمس بعد تصريحه التشاؤميّ المحبِط إلى 8000 ليرة فوراً وينتظر ان يستعيد سعر الـ 8900 وربما يقارب سعر الـ 10000 ليرة، وبحساب بسيط فإن عمليات مضاربة بهامش ربح نزولاً وصعوداً بـ 1500 ليرة خلال أيام محدودة قام بها مضاربون محترفون فباعوا دولاراتهم بسعر مرتفع وأعادوا شراءها بسعر منخفض، ويحتسبون أرباحهم على السعر المرتفع الجديد، ويكون الدولار الواحد قد حقق 3000 ليرة أي 33% خلال أيام محدودة، تم جني أرباحها من مدخرات الذين صدقوا كلام الرئيس الحريري بأن الحكومة ناجزة وتنتظر الإعلان، واذا كانت بعض التقارير تتحدث عن مئة مليون دولار تمّ تحريكها في اليومين الماضيين فهذا يعني أنه تمّ سلب اللبنانيين أكثر من 300 مليار ليرة.
– كان بمستطاع الرئيس الحريري أن يظهر التفاؤل المحسوب وأن يقول سنعود للاجتماع خلال أربع وعشرين ساعة. وهذا وحده يكفي للاستنتاج بأننا نتقدّم و”نشالله خير”. وعندها يتحمل أصحاب المدخرات مسؤولية قرارهم بيع الدولار على قاعدة فرضيّة ولادة قريبة للحكومة، لكن عندما يقول الرئيس المكلف الذي يعرف جيداً مشكال التأليف، وبعد أسابيع من التكليف، أن الحكومة قبل الميلاد، فلا يُلام اللبنانيون إذا صدقوه، بل يلام هو لأنه ورّطهم، وفوق الفشل بتشكيل حكومة والفشل في تقديم حلول اقتصادية، أصابهم في آخر ما لديهم من مدخرات بكارثة تآكلت معها ثلث هذه المدخرات بضربة واحدة، وخرج رابح وحيد من هذه العملية الحكومية وتقلباتها وهو المضاربون.