سورية تمنع الانهيار الكامل للعالم العربيّ
} د.وفيق إبراهيم
مسلسل التطبيع العربي والاسلامي مع الكيان الاسرائيلي يتدحرج في محاولة لجعله امراً واقعاً قابلاً للتصاعد والالتحاق بمحور أميركي جديد.
هذا كلام عادي، لأنه لطالما كانت هذه الدول جزءاً من النفوذ الأميركي، اما جديده فهو ارتباطه بـ»اسرائيل» لمنع تشكل المحور الروسي الصيني الإيراني واستعماله لغايات تتعلق بإجهاض التوجهات القطبية لروسيا والصين، من دون نسيان الهند المتوثبة.
هناك معوقات تعرقل سهولة تطبيق المشاريع الأميركية وذلك لسببين: انطلاقتها الشرق اوسطية، وردود الفعل الصينية ـ الروسية ـ الهندية التي لن تبقى صامتة لمدة طويلة من الزمن، فهي بدورها لديها معادلات في منظمات البريكس وشنغهاي تنتظر بشوق مرحلة الخروج من العصر الأميركي نحو زمن أكثر تحرراً.
في العودة الى السبب الاول، تحضر بقوة سورية أمام العالم بأسره نموذجاً للتمرد على الكابوس الأميركي ونجاحها في اختراقه على الرغم مما بذله من تدخل تركي خليجي ارهابي اردني اسرائيلي بدعم من عموم الغرب، وبالاستناد الى الفتن المذهبية والعرقية. هذا الصمود جاء ثمرة تحالف بين الشعب السوري ودولته وجيشه في حلف مع الروس والإيرانيين وحزب الله.. ما أدى الى عرقلة المشروع الأميركي الذي كان يعمل على إسقاط سورية وبالتالي العراق فيصبح كل الشرق العربي مطواعاً له بشكل كامل.
لكن ما حدث قلب النتائج، لكن الأميركيين أصيبوا بذعر من إمكانية انتقال سورية الى حدودها مع العراق، وهذا يعني انكسار مشروعها في كامل الشرق بما فيه الكيان الإسرائيلي مع احتمال تهديد جدي بمنطقة الخليج.
فاصيب الأميركيون بجنون جعلهم يعاجلون تطبيق برنامجهم بالمقلوب أي من البلاد العربية نحو سورية وليس كما كان مرسوماً منذ 1990 اي من سورية والعراق نحو المنطقة العربية والإسلامية.
ان هذا الصمود السوري المستمر بقوة يمنح قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين المحتلة، الكثير من المعنويات والدعم المتنوع المقبل من بلدان صديقة لسورية.
هذا هو الدور الثاني لسورية في مرحلة الانهيار العربي، الأول صمودها والثاني رعايتها للفلسطينيين أما الثالث فهو حلفها مع حزب الله بما يعني ان الوقع السوري على الكيان الإسرائيلي لا يزال على حاله وقد يزيد.
أما الدليل فموجود في العراق الذي يعمل الأميركيون على إنهاكه بخلافات تقليديّة داخليّة، على أسس مذهبية حيناً، وعرقية حيناً آخر ومناطقية في بعض الأمور. بالإضافة الى الاحتلال الأميركي المباشر الذي ينتشر في 12 قاعدة على أراضيه يربط معظمها الاحتلال العسكري الاميركي لشرق الفرات السوري، ما يكشف عمق الاهتمام الاميركي بمسألتين اساستين: منع هاتين الدولتين من استكمال سيادتهما على كامل أراضيهما، واستمرار الاحتلال الاميركي فيهما، وربط قوات الاحتلال ببعضها البعض في البلدين.
إذا كان هذا هو المشروع الأميركي فهل هناك مشروع نقيض له ويواجهه في الميدان؟
إنه قيد التشكل، خصوصاً في الميدان السوري حيث بدأت عشائر شرق الفرات تتشكل على قاعدة حرب تحرير شعبية لطرد الأميركي ومعه قوات قسد الكردية.
أما في العراق فيبدو ان فصائل الحشد الشعبي لن تتأخر في إطلاق حركة تحرر وطني ضد الاحتلال الأميركي بالاتفاق مع قوى وطنية من مناطق الوسط، بذلك يصبح مشروع دحر الاحتلال وطنياً، يعبر كل المعوقات المتنوعة.
بذلك يظهر الأثر السوري في الدفع نحو مقاومة رأس الأفعى الأميركي وإرباكه في الشرق، إلى أن يتضح ان الحركة الثانية المعادية للأميركيين، ذاهبة الى الجزائر الذي رفع علناً شعار العداء للتطبيع رافضاً مغربية «الصحراء الغربية» التي قدمها الرئيس الأميركي ترامب على جاري عادته هدية للمغرب، فدفعه الى تطبيع مع «اسرائيل»، أي تماماً كما فعل السودان بأسلوب الهدايا والإمارات والبحرين بطريقة الدفاع عن نظاميهما.
الجزائر إذاً على النمط السوري يرفض الانصياع للمشروع الأميركي، بدعم روسي علني، ومقصياً أي إمكانية لتطبيع مع «اسرائيل».
اهذا مشروع حرب؟
ظروف هذه الحرب الجزائرية تأييداً للبوليساريو مع المغرب مشكلة لا تحتاج الا الى إطلاق بضع رصاصات.
بذلك يصبح مشروع التطبيع مع «اسرائيل» غير ذي جدوى وهو الذي يجابه الفلسطينيين اصحاب القضية في الضفة وغزة والسوريين قلب الشرق والجزائر محور المغرب العربي الكبير.
إن هذا الموقف الجزائريّ كفيل بتجميد أي حركة تطبيعية في الدول المجاورة وهذا ما أعلنته تونس وليبيا، كما أن الإعلان العراقي الفعلي عن بدء حركة تحرير بلاده من الاحتلال الأميركي كفيل بإرباك الاميركي ودفعه نحو مهادنات إقليمية في أكثر من محور.
التطبيع الى أين؟ السؤال الفعلي هو سورية الى أين؟ وبناء عليه يمكن تحديد مستقبل التطبيع، وبما أن سورية عازمة على استكمال مجابهة الغزاة وحلفائهم، فلا يبقى إلا العراق الوحيد القادر بتحالفه مع سورية من حشر الأميركيين للفرار نحو بلدان مجاورة مؤيدة لهم.
بذلك تلعب سورية وحلفاؤها دوراً أساسياً في إعادة تحريك المنطقة في وجه المشروع الأميركي الذي لا يعاني في سورية والعراق فقط بل في اليمن أيضاً، ولن تتأخر تيارات عربية أخرى عن الالتحاق بالمحور السوري لإنقاذ المنطقة من احتلالات تريد ان تبقى لقرون عدة، ويصرّ السوري الفلسطيني العراقي اليمني والجزائري على طردها في أسرع وقت ممكن.