تهويد لا تطبيع…
} شوقي عواضة
بسرعة البرق تمّ الإعلان عن توقيع اتفاقات سلام بين الإمارات والبحرين ولاحقاً المغرب على أن تنضمّ السعودية إلى الحلف الجديد. وما جرى واقعاً هو إعلان عن هذه العلاقة القديمة التي تربط أنظمة وحكام تلك الدول بالكيان الصهيوني لا بل أنّ إنشاء الكيان السعودي كان له دورٌ وظيفيٌّ منظم على مراحل.
تفيض الذاكرة العربية بمشاهد الذين استرزقوا على حساب القضية الفلسطينيّة وبينهم من باع واشترى باسمها وفاوض أحياناً على التفريط بالحقوق الفلسطينيّة سراً وعلانية تحت شعارات الدّفاع عنها، ورُسمت له أدوارٌ وعُقدت صفقات التنازل عن الحقوق فقدّم وعوداً بتصفية ما تبقى من رمزيّة للقضية، وتبجّح بالتشفي من العرب برفع شارات النّصر المزعوم عليهم وعلى حقوقهم ووجودهم ومصيرهم، ليستكمل أعراب بني قريضة جريمتهم الكبرى من خلال محاولة تزوير التاريخ وتشويه الحقائق، وهو الدور التآمري الذي لعبوه تاريخياً منذ إعلان عبد العزيز آل سعود، نفسه ملكاً على السعودية في أيلول عام 1932، أول خيوط تلك المؤامرة تجلّى بعد تعيين الصهيوني البريطاني جون فيلبي مُستشارا خاصاً للملك عبد العزيز آل سعود وقد ذكر فيلبي في مذكَّراته التي كتبها في تموز/ يوليو عام 1955 في بيروت في الفصل الأول الصفحة 97: (إنه في مؤتمر العقير الذي انعقد عام 1922 قام عبد العزيز آل سعود بكتابة تعهّد كتابي لـ برسي كوكس المُقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي يُقرّ فيه بأنه (لا يُمانِع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود المظلومين)، وبناء على تعهّد عبد العزيز بدعم إعطاء فلسطين للصهاينة قامت بريطانيا بدعم عبد العزيز بشكلٍ كبيرٍ بالمال والسلاح، إلى أن انتصر على الشريف حسين في عام 1925 وأخرجه من الجزيرة العربية، وأيضاً اتفاق كوينسي الذي انعقد في 14 شباط/ فبراير عام 1945 وذلك على متن الطرَّاد الأميركي (يو أس أس كوينسي) بين الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت وعبد العزيز آل سعود. عن هذا الاتفاق يقول مُستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبغنيو برجينسكي في كتابه «خارج السيطرة» أنّه (في اتفاق كوينسي كان المُعلَن عنه أنه بين روزفلت وعبد العزيز ولكنّه في السرّ حضر فيه كلّ من رئيس المنظمة الصّهيونية العالميّة آنذاك حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون وفيها تعهَّد عبد العزيز لكلّ من بن غوريون ووايزمان أن يدعم إقامة دولة إسرائيل بمقابل حمايته وحماية أسرته). وهي نفس الرّسالة التي أوردها الشهيد ‘’ناصر السعيد’’ في كتابه (تاريخ آل سعود) التي استبقت وعد بلفور فكانت تعهّداً واضحاً إذ تعهّد فيه الملك عبد العزيز بمنح ما لا يملك من خلال إعطاء فلسطين وطناً لليهود ومضمون نصّه كالتالي: (أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود، أُقرّ وأعترف ألف مرة للسير بيرسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى أن لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما ترى بريطانيا العظمى التي لا أخرج عن رأيها حتّى تصيح الساعة) منذ ذلك الوقت أسّس نظام آل سعود بدعم من بن غوريون الذي منح عبد العزيز عشرين ألف جنيه من تبرّعات يهود بريطانيا وأوروبا، لتبدأ مهمة الكيان السعودي الوهابي بتفتيت الصّف العربي وتقديم المزيد من التنازلات وصولاً حتى يومنا هذا حيث لم تكتفِ تلك الأنظمة الوظيفيّة بهتك أقدس قضايا الأمّة بل لجأت إلى تقديم بعض نخبها كصورةٍ نموذجيّة عن الشعوب من خلال إرسال بعض البعثات الإعلاميّة والوفود كما فعلت الإمارات بإرسالها مجموعة من نخبة المتصهينين من مواطنيها إلى الكيان وفتحت أبوابها للعديد من المغتصبين المستوطنين وأقامت الاحتفالات وافتتحت كنيساً وأقامت حائط مبكى للصّلاة… كلّ ذلك يجري والإعلام ما زال يتحدّث عن التطبيع بين الكيانين الإماراتي والصّهيوني بينما الواقع أنّ ما يجري تخطى التّطبيع بدرجاتٍ كبيرةٍ وتحوّل إلى تهويد بكلّ ما للكلمة من معنى. وما مشاركة بعض نخب نظام آل زايد في صلاةٍ يهوديةٍ والمشاركة في الاحتفالات وكذلك الصلاة على حائط مبكى برج خليفة وتبادل الزّيارات بين الجانبين سوى إعلانٍ عن يهوديّة ذلك النّظام وصهيونيته التي يتباهى بها أمام وسائل الاعلام محاولاً إظهار مشهدٍ واحد ليثبت بأنّها ثقافة وقناعة شعوب الخليج بينما الواقع يقول إنّ على من يدّعي السلام أن يكون مسالماً مع شعبه المضطهد والمقموع والقابع في سجونه السريّة والعلنيّة، ومن يفشل في تحقيق السلام الحقيقي لشعبه بالتأكيد سيسقط ويتهاوى أمام زيف السّلام مع عدوٍّ زائلٍ…