الحنين لزمن العصبيات العنصرية… «والتطنيش» على ذلك!
} السيد سامي خضرا
يطمئن المرءُ بأنّ الكائن الخطر عندما يكون مُخدَّراً لن يُؤذيَهُ لو اقترب منه، لكن إذا ارتفع أثر التخدير وعادَ إلى نشاطه فقد أصبح الخطر وشيكاً.
هكذا هي بعض الشخصيات اللبنانية التي تُمثلُ توجُّهات يمينية خطرة تعاونت مع العدو وخاضت في دماء اللبنانيين وحياتهم وأمنهم ومستقبل أولادهم وجاهرتْ بالولاء لأفكارٍ خرافية وأساطير هادفة.
فمنذ أيام تناقلتْ وسائل التواصل تعليقات للبنانيين لهم موقعٌ في أحزاب ويُمثِّلون توجُّهاً سياسياً كانوا في سُباتٍ عميق فإذا بهم هذه الأيام يَستيقظون من سُباتهم.
وهذا مؤشرٌ سيّئ وللأسف ولا يُبشِّر بخير!
ومِمَّا أثاروه مُجدّداً قديمهم في التبشير بعنصرية يُسمُّونها «القومية أو الأمة اللبنانية»!
والمؤسف أنه بعد هذه العقود وبعد الانتصارات التي سجَّلها لبنان بواسطة مقاومته الفريدة تجاه العدو ضدّ وديعة الغرب في منطقتنا عاد هؤلاء ليَنفُثُوا سمومهم فيتكلمون عن «أمة لبنانية» عنصرية وبلغة خاصة وتفوُّق «جيني» بل يعتبرون أنّ خلاص لبنان لا يكون إلاَّ بالتبرّؤ العلني من كلّ ما ينتمي للعرب والعُروبة وبلاد الشام الكبير لصالح العيشِ بسلام مع المحيط والجيران الواقعيين!
بل إنّ بعضهم يذهب بالتنظير أبعد من ذلك فَيتَوعَّد ويُهدِّد أنه آن الأوان لضرب المقاومة وقيام النظام الفيديرالي وإحياء اللغة الخاصة بهم بحسب ما يعتقدون، ويعتبرون أنّ «الجنس اللبناني» ما زال فينيقياً نقياً صافياً، مع أنّ العالم كله بات اليوم مختلط الأصناف والأجناس بعد طفرة الإتصالات والمواصلات التي قرَّبت المسافات فتناسل الناس من الدول المجاورة فضلاً عن الدول البعيدة… والصورة واضحة للجميع.
ويُصرَّح هؤلاء أنّ لغتنا الأساسية هي السريانية وهي لغة جبل لبنان «الأزلية» ويتوعَّدُون أن تكون هي السائدة مع الفيدرالية الموعودة وأنها سوف تعود لِتُدرَّس في المناهج التربوية.
والمهمّ في الأمر أنّ المرجعيات السياسية لهؤلاء لم يُحرِّكوا ساكناً!
بل إنّ هؤلاء الذين يتحدثون بإسم «القومية اللبنانية» يُبشِّرون بأنّ العروبة بكلّ تفاصيلها تلفظ أنفاسها ولا مُبرِّر لوجودها أصلاً ويُذكِّروننا بسقوط الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 – 1961 والتي كانت على يد جمال عبد الناصر كما يستهزؤون ببلاد العرب من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر وبشعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر!
ويُعلِّمون الأجيال الجديدة أنّ العروبة لم تجلب إلى لبنان إلا المآسي والدماء والدموع وأنّ القومية العربية حاربت «القومية اللبنانية»!
ويفتخرون أنهم قاوموا انضمام لبنان إلى الوحدة المصرية السورية وانتصروا بعد تدخل الأسطول السادس الأميركي بطلب من كميل شمعون!
ويَذْكُرون للأجيال أنّ كلّ أنواع المقاومة التي مرَّت على الجنوب اللبناني هي عصاباتٌ إرهابيةٌ دمويةٌ وحشية ولم نر منها إلا التدمير والتنكيل.
والسؤال هو:
هل هذا هو لبنان الذي يُرادُ له أن يستمرّ ويعيش؟!
وأين هو الموقف الواضح من المعنيين… وإلاَّ فإنَّ سكوتهم يعني الكثير ويُنْذر بشَرَر مُستطير.
على كلّ حال:
إنّ إحياء العصبيَّات من جديد يتطلَّب من الدولة اللبنانية قبل غيرها ومن الأحزاب وسائر الزعامات والشخصيات الأساسية في البلد والمواقع الرسمية رأياً واضحاً صريحاً لأنّ مجرد طرح مثل هذه الأمور هو بحدّ ذاته خطرٌ على ما اصطُلِحَ بتسميته «التعايش» فهناك سعيٌ حثيث لضربه بشتى الطرق خاصةً أننا نتعرّض اليوم لأخطار وجودية شتَّى.
يجب أن يكون هناك موقفٌ حازمٌ من هذه التصرفات المُشينة لأنّ إثارة النعرات وفي هذه الفترة بالذات هو مطلب الأعداء.