ما هو وَقعُ مقابلة سيّد المقاومة على الوضع اللبنانيّ؟
د. وفيق إبراهيم
الرسائل التي وجّهها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في مقابلته منذ أيام عدة، بدت وكأنها موجّهة لحلف الأميركيين والاسرائيليين والمطبّعين لإجهاض أي هجوم على أي محور من محاور المقاومة.
إلا أن المتعمّق فيها يلحظ انعكاساتها الإضافية على الوضع اللبناني بمشهديّته الأخيرة التي ربطت بإحكام بين مبادرات فرنسيّة تدفع بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الى اختيار وزراء مستقلين ترضى عنهم السياسة الأميركية. وهذا يعني استبعاد أي تمثيل ممكن لحزب الله أو حتى حلفائه.
فهل تستمرّ المبادرة الفرنسيّة لإنتاج حكومة لبنانيّة موالية لهم على قاعدة استبعاد حزب الله أم تتجه الى الاعتراف بموازنات القوى التي ثبّتها السيد نصرالله على المستويات الأميركية والعربية والفلسطينية؟
لا شك في أن أبا هادي لم يقترب من الجانب السياسي اللبناني إلا من ناحية إبداء كل الاستعدادات للتعاون الإيجابي بتشكيل الحكومة.
إلا أنه من المستبعَد أن يكون هناك تنظيم له عدد وازن من النواب، ويشارك عادة في الحكومات، حائزاً على اهم تمثيل شعبي لبناني، وممسكاً بالدفاع عن بلاده في وجه الكيان الإسرائيلي والإرهاب، وأن تقوم معادلة فرنسية وداخلية لاستبعاده من الحكومة المقبلة.
فهل من الممكن أن يعلن سيد المقاومة أن حزب الله استكمل بناء منظومة قوّة متنوّعة جواً وبحراً وبراً بما يؤكد جاهزية المقاومة على دحر مشاريع الهجمات التي تتصدّر وسائل الإعلام او المعلومات المتسللة من أروقة المخابرات الاسرائيلية والاميركية او المتدحرجة من دول التطبيع؟
فهذا يؤكد محورية دور المقاومة في الدفاع عن لبنان واستعدادها للقضاء على الهيمنة الأميركية على توقيت إنتاج الغاز اللبناني، لان كل القوى الداخلية تعلم أن الأميركيين الذين منعوا السودان من إنتاج القمح يتحكمون الآن بإنتاج المادة الوحيدة اي الغاز، الكفيلة بإنقاذ لبنان من الهاوية القابع فيها.
لذلك فإن السؤال هو كيف يمكن لبعض الداخل اللبناني أن يتفق مع المعادلة الغربية على إبعاد حزب الله عن دوريه في الجنوب عند الحدود مع فلسطين المحتلة، او في وجه الإرهاب في لبنان وسورية؟
وهل يقبل جمهور الحزب الشديد الاتساع بهذه الألاعيب التي لا تنطلي على شخص عادي فكيف على لبيب؟
إن هذه المقابلة أعادت تزخيم جمهور واسع لم تتراجع قناعاته بحزب الله ولو للحظة واحدة، لكنها كانت ضرورية لإعلام القاعدة الشعبيّة بأن مشاريع الاعتداءات قد تندرج في إطار التهويل، حتى لو كانت مشاريع حقيقيّة فإن لدى المقاومة ما يكبحها ويردعها ويردّها خائبة من حيث أتت بذلك التكامل في الاسلحة البحرية والجوية والبرية.
والدليل أنها تسببت بقلق إسرائيلي كبير، جعل سلاح الطيران الإسرائيلي يخترق أجواء لبنان مرات عدة في اليوم الواحد، بالإضافة الى محاولات استقراء قوة حزب الله البحرية، باختراق بوارج إسرائيلية لمنطقة الناقورة البحرية مرات عدة حتى الآن. وهذا يعني محاولة إسرائيلية للكشف عن السلاح البحري للمقاومة.
بأي حال، فإن المجال البري هو المدى الوحيد الذي لم تخترقه «اسرائيل» لأنها تعلم مدى انتشاره وتمكّنه، وكانت تراهن على تقدّمها في المجالين البحري والجوي.
إذاً كان هذا هو حال الاسرائيلي والاميركي فماذا عن الحريري وجعجع والمبادرة الفرنسية معهما؟
تخضع الحسابات السياسية الداخلية في الدول الى موازنات القوى الانتخابية والتمثيل الجماهيري.
لكن الطائفيّة المعتمَدة في لبنان تقلّصُ حدود القوى الشعبيّة وذلك باللجوء الى العامل الطائفي لعرقلة حركة القوى الشعبية.
هناك آليّة أخرى أكثر خطورة وتتّجه الى استعمال المعادلة الخارجيّة للاستقواء على المعادلات الشعبية وقوى المقاومة.
هذا حال لبنان السياسي بشكل تظهر فيه أحزابه الوهميّة التي ليس لديها إلا الخارج وقوة الخطابة الصوتيّة، وكأنها مساوية للمقاومة. وهذا أمر مثير للسخرية والتهكّم.
فما هو وقع مقابلة سيّد المقاومة على الوضع الداخلي اللبناني؟
لا شك في أنها تشكل صفعة صغيرة لكل الذين تملّكهم الغرور معتقدين بإمكانية المبادرة الفرنسية إبعاد حزب الله عن الحكومة المقبلة. ومتوهمين بقدرتهم على الإمساك بالدولة وحالمين بتطويق المقاومة ضمن أضيق معادلة ممكنة. لذلك فإن المبادرة الفرنسية تدخل حالياً في نفق مظلم وأصبح متعذراً عليها الاستمرار إلا بعد عودتها الى تموضعات منطقيّة ترتكز على موازين القوى الداخلية مع شيء بسيط من التصرف المقبول.
وإذا كانت هذه المبادرة تستند الى مرحلة ترامب الأميركي، فإن هذه المرحلة على وشك الاختفاء والى الأبد، ما يعني أن قسماً كبيراً من حيويتها أصبح مفقوداً كما صار قسم أساسي من قوتها في مرحلة الاندثار.
ضمن هذه المعطيات يمكن للمبادرة الفرنسية أن تستمر بعد مرحلة ترامب، في اطار الدفع نحو حكومة فيها الاطراف اللبنانيون الاساسيون وفي طليعتهم حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، وإلا فإن بلاد الأرز قد تنتظر أشهراً عديدة بانتظار تفاهمات إقليمية دولية تنعكس على لبنان.
اما اذا لم تنجح هذه التفاهمات، فإن لبنان متجه نحو مصاعب أكثر خطورة قد تجعل الأوضاع فيه مأساوية وإلى حدود كثيرة الصعوبة.