لافروف يكشف عن توجّهات روسيا السياسيّة وكيفية تطوّر العلاقات بين روسيا والإدارة الأميركيّة الجديدة
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: أن «روسيا لا تسترق النظر باتجاه طرف معين على الرغم من أن غالبية سكانها يعيشون في الجزء الأوروبي، فروسيا هي أكبر قوة أوروبية آسيوية وأكبر قوة في منطقة اليورو والمحيط الهادئ، وهي أحد الضامنين الرئيسيين للنظام العالمي المتمركز حول منظمة الأمم المتحدة والتي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. سياستنا الخارجية مستقلة وذات أبعاد متعددة. ونحن مهتمون بالحفاظ على علاقات جيدة مع الشركاء الأجانب في جميع المناطق الجغرافية من دون استثناء – على أساس مبادئ القانون الدولي والمساواة والاحترام المتبادل ومراعاة المصالح».
مبادرة لتشكيل الشراكة الأوروبيّة الآسيويّة الكبرى..
وتابع في حوار مع وكالة «سبوتنيك» أمس، أن بلاده «في الوقت نفسه، تأخذ في الاعتبار التحولات في الحركة التكتونية التي تحدث في المشهد الجيوسياسي العالمي. فقد انتقل تركيز السياسة والاقتصاد العالميين من المنطقة الأوروبية الأطلسية إلى أوراسيا، حيث تتطوّر المراكز العالميّة الصاعدة ديناميكياً. واكتسبت المنطقة السيادة الاقتصادية والتكنولوجية وتقوم بتعزيزها استناداً إلى تقاليدها التي تمتدّ إلى قرون عدة. ولديها توجّه سياسي خارجي مستقل. ما يسمح لها تحقيق تقدم رائع في مختلف المجالات. في هذا السياق، يبدو من المنطقي أن يكون توجهنا نحو بناء تعاون متبادل الإثراء مع دول الشرق، بما في ذلك دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يحمل طابعاً استراتيجياً طويل الأمد ولا يعتمد على تقلبات الوضع الدولي».
ونوّه إلى أنّ «منطقة أوراسيا اليوم ليست مجرد مساحة جغرافية ذات إمكانات هائلة في ما يتعلق بالموارد والتي يمكن وينبغي استخدامها لصالح الشعوب التي تعيش هناك. بل هي الأكثر تطوراً ديناميكياً من حيث إنشاء ممرات نقل ولوجستيات جديدة، وتحسين اتصال البنية التحتية وأنواع أخرى من التعاون متعدد الأطراف. وتؤيّد روسيا تنسيق عمليات التكامل التي تكتسب الزخم في المنطقة. وتهدف مبادرة الرئيس بوتين لتشكيل الشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى إلى تنفيذ هذه المهمة. ويستمرّ العمل في هذا الاتجاه بحماس كبير، بما في ذلك من خلال اقتران خطط التنمية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي والمبادرة الصينية «حزام واحد، طريق واحد».
التعاون العسكريّ ما بين موسكو وطهران
وبما يخص التعاون العسكري بين موسكو وطهران، أوضح لافروف، أنه «في الوقت الحالي، لا توجد قيود على التعاون العسكري التقني مع إيران في إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ودولنا تملك كل الحق بالتعاون في هذا المجال. وتلتزم سياسة التعاون العسكري التقني الروسية تمامًا بمعايير القانون الدولي ويتم تنفيذها وفق الامتثال الكامل للتشريعات الروسية لمراقبة الصادرات، والتي تعدّ واحدة من أكثر التشريعات صرامة في العالم».
وشدّد على «التزام روسيا أثناء عمليات التعاون العسكري التقني مع جمهورية إيران الإسلامية، التي يحق لها بلا شك ضمان قدرتها الدفاعية، بشكل صارم بالتزاماتها الدولية وتسترشد بأولوية الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة».
معاهدة ستارت..
وعن تمديد معاهدة ستارت، نوّه الدبلوماسي الروسي إلى حقيقة أنّ «الإدارة الأميركية ستشارك الرؤية الروسية لضرورة تمديد معاهدة ستارت من دون شروط ولأقصى مدة تقدر بخمس سنوات ما من المفروض أن يلبي السلامة الأمنية لكلا بلدينا والمجتمع الدولي بأسره.
وتابع بالقول: «إذا حكمنا من خلال تصريحات وسائل الإعلام، فإنّ فريق الرئيس المنتخب بايدن، على عكس شركائنا الحاليين في الحوار، ليس مهتماً بتحويل ستارت إلى رهينة طموحاتها ومحاولة تمديد (المعاهدة) تحت شروط غير واقعية. وإن كان هذا هو الوضع بالفعل، فإن فرص التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد المعاهدة قبل انتهاء صلاحيتها في شباط 2021 لا تزال قائمة».
الحد من التسلح..
وفي ما يتعلق بالتعامل المحتمل مع الولايات المتحدة في مجال الحد من التسلح، أوضح لافروف بأن «أيّ مفاوضات، لن تؤدي إلى نتائج ملموسة إلا إذا كان الجانب الأميركي مستعداً لمراعاة المصالح والاهتمامات الروسية»، مضيفاً: «يجب أن يكون الاتفاق كما يسمّيه الشركاء الأميركيّون شارع ذا اتجاهين. وروسيا، بالطبع، منفتحة على السير في الجزء الخاص بها من الطريق للتوصل إلى اتفاقيات تمت مناقشتها على أساس المساواة ومقبولة للطرفين. في الوقت نفسه، سيكون من السابق لأوانه الحديث عن معايير محددة للاتفاقيات. ومن المهم هنا أن روسيا قدمت رؤيتها لإطار الاتفاقيات المحتملة للولايات المتحدة، والتي تفترض تطوير معادلة أمنية جديدة وتشمل جميع العوامل المهمة للاستقرار الاستراتيجي».
كما أكد لافروف أن «محتوى الموقف الروسي لا يتحدث عن الامتناع عن المراقبة على الامتثال للاتفاقات المحتملة في المستقبل. بل على العكس تماماً، لقد دافعنا وما زلنا ندعو إلى الوجود الإلزامي لعنصر مراقبة في أي اتفاقيات للحد من التسلح».
وأوضح بأنّ «نظام التحقق يجب أن يتوافق تماماً مع موضوع ونطاق المعاهدة. وهذا بالضبط ما لم ننجح في حله مع الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها. فقد تجاوزت شروط نظام التحقق التي قدّمته الولايات المتحدة بالإضافة إلى تمديد قصير الأجل لمعاهدة ستارت إطار إمكانية التوصل إلى أي اتفاقية سياسية. واقترحت الولايات المتحدة إجراءات رقابة غير مقبولة بالنسبة لنا في ما يتعلق بالجوانب التكنولوجية الحساسة للغاية لتشغيل مجمع الأسلحة النووية. والجانب الأميركي، من بين أمور أخرى، يريد من خلال نظام التحقق الكشف عن إمكاناتنا للأسلحة النووية غير الاستراتيجية من دون إحراز تقدم في حل المخاوف الروسية في هذا المجال والمجالات ذات الصلة»، آملاً أن «تتخذ الإدارة الأميركية الجديدة خطوات أكثر عقلانية وواقعية».
معاهدة الأجواء المفتوحة..
وعن معاهدة الأجواء المفتوحة وعدم نقل البيانات إلى الولايات المتحدة والسماح لتفتيش أراضيها، أوضح لافروف بأنّ «رد الفعل الأول للدول المشاركة في الاتفاقية على مطالبة موسكو بتقديم ضمانات قانونيّة واضحة للوفاء بالتزاماتها كان غامضاً. وأيضاً، كان الرد غامضاَ في ما يتعلق بطلبنا الثاني بضمان إمكانية رحلات المراقبة فوق كامل أراضي الدول المشاركة، بما في ذلك مرافق الدول غير الأعضاء في معاهدة الفضاء الخارجي، الموجودة في هذه الأراضي. ولدينا بيانات تفيد بأن الولايات المتحدة لن تحب هذا كثيرا وتسعى من حلفائها لعرقلة عملنا».
ونوّه بأن «روسيا حذرت شركاءها في معاهدة الفضاء الخارجي من أن المواقف المتوسطة غير مقبولة هنا. وإذا اتبعت الدول المشاركة المتبقية خطى الولايات المتحدة، فلن تتأخر إجراءات روسيا الردية الصارمة»، مؤكداً «الاستعداد لمواصلة التعاون في إطار اتفاقية الأجواء المفتوحة، فقط على أساس الفهم بأنه في المستقبل القريب جداً، ستمنح جميع الدول المتبقية في المعاهدة ضمانات قانونيّة مباشرة وثابتة لاستعدادها للامتثال لمتطلباتها… ولم تتلق مثل هذه الضمانات حتى الآن، وبالتالي فإن مصير اتفاقية الأجواء المفتوحة موضع التساؤل الكبير».
آفاق التعاون الثنائيّ في ظل الإدارة الأميركيّة الجديدة
أما عن آفاق التعاون الثنائي في ظل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن، فردّ لافروف بأنه «لا يمكن توقع تصحيح سريع أو حتى استقرار في العلاقات المتدهورة مع الولايات المتحدة. والهستيريا المعادية لروسيا التي اجتاحت أميركا لا تترك فرصة تذكر، لأن نشهد قريباً عودة الأمور إلى طبيعتها… وحوارنا تبين أنه رهينة للصراع السياسي الأميركي الداخلي الذي لا يساهم بالطبع في بناء تعاون بناء».
وأضاف «هناك سلسلة كاملة من القضايا، بعضها ذات طبيعة ملحة تراكمت على الأجندة الثنائية، والتي سيتعيّن على الإدارة الجديدة في واشنطن التعامل معها. بدءاً بمهمة تطبيع عمل البعثات الأجنبية، وحل القضايا الإنسانية، وانتهاءً بقضايا الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي».
ونوّه إلى أنه «ليس من الضروري محاولة حلّ المشاكل بضربة واحدة، يمكن التفاعل انطلاقاً من منطق (الخطوات الصغيرة)، ونحن مستعدّون لمثل هذا العمل. ولكن مع الفهم بأنه سيبنى على مبادئ الصدق والاعتبار المتبادل للمصالح، وليس على أساس نظام عالمي أميركي تفرضه واشنطن تمشيا مع مقولة الأقوى هو الصحيح».
أبرز أحداث السياسة الخارجية الأكثر أهمية
وعن أبرز أحداث السياسة الخارجية الأكثر أهمية التي مرت خلال العام، قال لافروف: «تبيّن أن العام المنصرم كان صعباً على العلاقات الدولية. ومن الصعب تحديد نتائجه وفق مفاهيم نقاط النجاح أو الفشل الرئيسية. في الوقت نفسه، من الواضح أن جائحة فيروس كورونا كان لها تأثير سلبي على السياسة والدبلوماسية العالمية، فقد أثار أزمة عميقة في الاقتصاد العالمي، الذي يواجه الآن فترة انتعاش طويلة وصعبة. كما أنه، لم تختف التحديات والتهديدات القائمة، على سبيل المثال، الإرهاب والاتجار بالمخدرات وأنواع أخرى من الجريمة عبر الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الأزمات الطويلة الأمد في الاشتعال، وظهرت بؤر توتر جديدة».
وتابع بالقول: «لسوء الحظ، فإن وجود مشاكل مشتركة، بما في ذلك جائحة (كوفيد-19) التي لا تزال موجودة، لم يؤد بعد إلى حشد المجتمع الدولي من أجل مكافحة المشكلة بشكل فعال. والسبب الرئيسي، وقد تحدثنا عن هذا أكثر من مرة، هو عدم رغبة عدد من دول الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، في إقامة تعاون بناء ومنصف مع لاعبين دوليين آخرين. فواصل الزملاء الغربيون استخدام مجموعة واسعة من الأدوات غير المشروعة بنشاط، بينها الضغط القوي وحروب المعلومات. وتجاهلوا دعوات الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان لتعليق، في ظل حالة الطوارئ الإنسانية في العالم، العقوبات أحادية الجانب على إمدادات الأدوية والمعدات والمواد الغذائية اللازمة لمكافحة الفيروس والمعاملات المالية ذات الصلة. كما لم يتم الاستماع إلى مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين بإنشاء (ممرات خضراء) في التجارة الدولية، خالية من الحروب التجارية والعقوبات. ولم يضف موقف واشنطن بشأن استمرار انهيار هيكل الاستقرار الاستراتيجي العالمي واتفاقية الحد من التسلح أياً من التفاؤل».
وأضاف: «في ظل هذه الظروف، فعلنا كل ما هو ضروري لضمان حماية المصالح الوطنية، وفي الوقت نفسه واصلنا تعزيز تعاون دولي بناء وموحّد، والعمل من أجل ضمان الأمن المتكامل بكل أبعاده. واسمحوا لي أن أذكركم أنه بفضل الجهود الشخصية التي بذلها فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين إلى حد كبير، كان من الممكن وقف الأعمال العدائية في قره باغ. كما ساهمنا بنشاط في التسوية السياسية والدبلوماسية للأزمة في سورية. وشاركنا في الجهود الدولية لكسر الجمود في المواجهة الليبية الداخلية».
وأوضح بأنه «من أجل تحسين الوضع في العالم، استخدمنا إمكانات عضويتنا في دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون إلى أقصى حد. ودعمنا تنفيذ العديد من مشاريع التكامل في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وتشكيل الشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى. وبالطبع، واصلنا العمل بنشاط في إطار المنظمة العالمية، وعلى وجه الخصوص، طرح الرئيس الروسي مبادرة لعقد قمة تضم خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من قيود الجائحة، فقد تفاعلنا بشكل مثمر مع الغالبية العظمى من الشركاء الأجانب في أوراسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، على المستوى الثنائي وفي مختلف المنصات المتعددة الأطراف».
وختم بالقول: «سنواصل اتباع سياسة خارجية عملية ومسؤولة في عام 2021، وسنساهم في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وديمقراطية. وسنكون منفتحين، كما في السابق، على التعاون متبادل المنفعة، بدرجة جاهزية شركائنا لذلك نفسها، وبالطبع مع الاحترام غير المشروط للمصالح الوطنية الروسية».