إدارة بايدن والمفتاح الإيراني… هل تُحل شيفرة الاتفاق النووي؟
} د. حسن مرهج
بداية لا بدّ من التنويه إلى أنّ الإطار العام للاتفاق النووي الإيراني، يتمحور حول محاولات الغرب الحدّ من قدرة إيران النووية، ومحاصرة برامجها النووية والصاروخية عبر الأطر الدبلوماسية، لكن في المقابل وفي حيثيات هذا الاتفاق، فإنّ إيران باتت قوة إقليمية يُخشى منها على الصعيد الدولي، لجهة قدراتها وسياساتها الإستراتيجية بعيدة المدى، إذ لا يمكن لأحد أن ينكر لإيران هذه القوة، وهذا التكتيك الاستراتيجي في جُلّ القضايا والملفات الإقليمية والدولية.
ضمن ذلك تدرك الدول الغربية أنّ إيران قادرة على امتلاك سلاح نووي، فضلاً عن الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية، والتي تمتلك مواصفات قد لا تمتلكها بعض القوى العظمى، من هنا نجد السعي الأوروبي لإيقاف مثل هذه البرامج الصاروخية تحت ذريعة عدم تهديد الأمن الإقليمي أو الدولي، والمتابع للمسار الأميركي في عهد دونالد ترامب حيال إيران، يعي تماماً أنّ سلاح العقوبات الاقتصادية، وممارسة الضغوط القصوى ضدّ إيران، لم تكن إلا وسيلة لإجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ذات العناوين الأميركية، لكن جلّ ما دأبت واشنطن على هندسته حيال إيران، باء بالفشل الذريع، إذ تمكنت إيران وعبر سياساتها الإستراتيجية من قلب الوقائع والمعطيات لصالحها، فها هي الجمهورية الإسلامية تتخطى سلاح العقوبات الأميركية، وتستأنف نشاطها التكنولوجي والنووي والصاروخي، ضاربة عرض الحائط كل تهديدات ترامب.
عطفاً على ذلك وكرسالة قوة لكلّ القوى الإقليمية والدولية، فقد صرّح وزير الدفاع الإيراني أنّ طهران تتفاوض مع عدة دول لشراء وبيع أسلحة بعد رفع حظر التسلح عنها. وعليه فإنّ قدرة إيران لا يمكن الإحاطة بها او تأطيرها بسلاح العقوبات، وعلى الرغم من التزام إيران لبنود الاتفاق النووي، إلا أنّ واشنطن نكثت بتعهّداتها وسارت في ركبها غالبية الدول الموقعة على الاتفاق، لكن في المقابل، فإنّ الدول الأوروبية أدركت ولو بشكل متأخر، أنه لا يمكن الاستغناء عن إيران في غالبية الملفات الإقليمية، وبالتالي لا بدّ من مدّ جسور جديدة تصل إلى اتفاق نووي جديد، لا سيما أنّ هناك مؤشرات متعددة جاءت عبر تصريحات جو بايدن، والتي تمحورت حول الرغبة الأميركية بإعادة هذا الاتفاق مع إيران.
وبالتالي فالصورة واضحة لجهة أنّ إيران باتت مركز ثقل إقليمياً وفاعلاً مؤثراً في جلّ القضايا الإقليمية، حتى أنّ غالبية الملفات الإقليمية باتت إيران تمثل فيها بيضة القبان، لتكون إيران مركز أيّ توازن إقليمي، سواء اتفق الجميع مع إيران وتوجهاتها أم اختلفوا معها في هذا الإطار.
جميع القوى الكبرى ترغب باتفاق جديد مع إيران حيال الاتفاق النووي، لكن السؤال الجوهري هل تريد إيران ذلك؟ وإذا ما أرادت ذلك فما هي شروطها؟ وهل تريد طهران ضمانات جديدة بعد خروج ترامب من الإتفاق النووي.
هذا يقودنا إلى نتيجة مفادها بأنّ إيران اليوم هي صاحبة النفوذ الأقوى إقليمياً، باتت في موضع يحقّ لها وضع الشروط وطلب الضمانات، وقبل ذلك يحقّ لها قبل أن توافق على أيّ اتفاق جديد، أن تطالب برفع كلّ العقوبات عنها، وربما عن حلفائها لا سيما الدولة السورية.
وبالتالي فإنّ الاجتماع الأوروبي الذي حصل قبل أيام، للتباحث في الملف الإيراني، لا يعدو كونه تهيئة لمرحلة ما بعد ترامب، وبالأصحّ اتفاق بايدن مع إيران إنْ صحّ التعبير. لكن وفق شروط إيران. فالضغوط القصوى التي مارستها إدارة ترامب تجاه إيران لم تؤتِ ثمارها، وكلّ الاستفزاز الذي وجّه إلى إيران أيضاً لم يجلب نتائج، فقد أثبتت إيران أنها تملك صبراً استراتيجياً وستكافأ بانتصارات سياسية واستراتيجية على هذا الصبر.
وفي جانب آخر فإنّ إيران تدرك أنّ توقيت أيّ معركة سياسية أو عسكرية، قد لا يكون في صالحها في هذا التوقيت الحساس الذي فرضه ترامب، لكن سياسة تمرير الملفات التي تعتمدها القيادة الإيرانية ستكون لها نتائج غاية في الأهمية ستتبلور في عهد بايدن.
إذن إيران تملك أوراق قوة متعدّدة، وتملك أيضاً مقوّمات القوة الإقليمية، وبهذا ستجبر الغرب على احترام رغبتها في اتفاق نووي جديد، وحتى ذلك التوقيت فإنّ معطيات المرحلة المقبلة، ستكون حساسة ودقيقة خاصة مع تهديدات ترامب، ورغبته في خلط أوراق المنطقة ومحاولة العبث في الداخل الإيراني، ما يعني إمكانية حدوث تفجيرات دون بصمات في العمق الإيراني، وحتى عمليات اغتيال جديدة تطال رموزاً إيرانية وربما رموز محور المقاومة، وبالتالي ما بين نهاية مرحلة ترامب وبداية مرحلة بايدن فإنّ الشيطان يكمن في التفاصيل.