أين العاصمة الإعلامية للعالم العربي؟
} مريم بليبل
لم يعد خافياً على أحد الوضع الحرج الذي يمرّ به الإعلام التقليدي عموماً والورقي خصوصاً من جراء صعود الإعلام الرقمي، في عموم البلاد. أما عن لبنان فإنّ الصحف فيه تعرّضت لصفعتين، أولها ثورة المعلومات الرقمية التي جرفت ما جرفته من أدوار كان الإعلام التقليدي يتفرّد في إتقانها، وثانيها شحّ التمويل الخارجي الذي كان رافعتها على مدار سنين نشأتها.
بات خلق موقع إخباري على الأنترنت هواية كُثر، أما عن خلق الابتكار فهو ليس بالأمر اليسير. غزارة في الكمية وضعف في الجودة، هكذا يمكن لنا وصف واقع الإعلام الرقمي، لا سيما المواقع التي نشأت أساساً في العالم الافتراضي.
وفي نظرة عامة على نماذج المواقع الإخبارية اللبنانية نجدها تصنّف ضمن نمطين، تلك التي تهدف إلى جذب القرّاء ومن خلفهم الإعلانات ومن خلفهم الإيرادات (مثل أن تبحث عن أخبار مثيرة أو تكتفي بنشر المُتداول دون إنتاجات خاصة). ونجد تلك المُوجَّهة بأموال داخلية من الأطراف التي لم يُتح لها امتلاك وسيلة إعلامية تقليدية (لصعوبة الحصول على رخصة وللتكاليف العالية التي تتكبّدها والمخاطر المُتوقعة)، أو بأموال خارجية لرمي سهامها صوب وجهة واحدة دون سواها بما يحقق أجندة خارجية معينة. أما ما يجمعهم فهو افتقادهم لميزة الإعلام الرقمي- أيّ متعدد الوسائط – المتمثل بتنوّع أساليب تقديم المعلومة عبر تقديم القصص ووضعها بطريقة أكثر تفاعلية وجاذبية للقارئ كاستخدام الصور المتحركة المدموجة مع النصوص والصوت، حيث أنه يطغى على المواقع اللبنانية المحتويات المكتوبة. وهذا يعود عموماً لسبب أنّ القائمين على هذا المحتوى لا يملكون خلفية عميقة عن خصوصيات وميزات محتوى الإعلام الرقمي، إما لأنهم قَدِموا من خبرة الإعلام التقليدي أو لأنهم شباب تخرّجوا من الجامعات التي إلى اليوم لم تسجّل تطويراً مهماً في برامج تعليمها قادراً على تمكين الخرّيجين من إنشاء مشاريعهم الخاصة المتميّزة في هذا المجال.
يكمن خطر الإعلام الرقمي، بقدرته على التخفي، إخفاء مصدر تمويله والأجندة التي يعمل لصالحها.
لا يمكننا سرد الأمثلة، لكن يتوجب إضاءة عقولنا لواقع نغفل عنه في زحمة أزماتنا الكثيرة. فكما ذكرنا في مُقدّم المقال أنّ أزمة الإعلام التقليدي في لبنان تعود إحدى أسبابها إلى شحّ التمويل الخارجي (وهو في واقع الأمر يخمد ويقوى بحسب واقع الحاجة له) فهذا الشحّ هناك يُعوّض عنه بالدرِّ هنا. والمفارقة أنّ هذه المواقع تحظى بمتابعة الشباب واهتمامهم على اعتبار أنها تقدّم بديلاً عن الإعلام التقليدي المدعوم سياسياً، بما يتنافى مع الواقع.
قد لا يستحيل إيجاد مواقع إخبارية مستقلة، ولكن يصعب إيجاد مواقع إخبارية مستقلة مؤثرة، أو تقدّم مضامين ومحتويات مغايرة عما يفعله الاعلام التقليدي. وفي هذه النقطة، إننا إذا ما نظرنا إلى الوسائل التقليدية اللبنانية المختلفة، مُجتمعةً، نجد أنّ هناك تمثيلاً ودعماً لمختلف وجهات النظر وتوجيه الانتقادات لمختلفها، إذن سيكون الإعلام الرقمي اللبناني قد حُرم من ميزةٍ يلعبها سواه في بلدان أخرى من حيث كسر احتكار جهات محدودة لوسائل الإعلام.
في ظلّ ما طرحناه عن قصور المواقع الإخبارية من تقديم شيء مختلف، يمكننا أن نتوصّل إلى مخارج مؤقتة ريثما يأتي الجيل الذي سينهض بهذا الإعلام، وهي بالبحث عن المدوّنات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الموجودة بكثرة لأشخاص يملكون رأياً حراً- وفي أحيان تحليلاً – يضعونه على حساباتهم، مع إبقاء فكرنا صاحٍ ولا سيما التفكير النقدي لكلّ ما يوضع أمام أعيننا، في هواتفنا.
إزاء مشهد محزن كهذا، من تهاوي الإعلام التقليدي، مقابل نموٍ متكاسل لما يُفترض أن يشكّل بديلاً له. نقول أين سيصبح لبنان من صفة لازمته «العاصمة الإعلامية للعالم العربي»!