الأمين لـ «البناء»: اعتراف ترامب باطل والمغرب تنصّل من التزاماته
ممثل جبهة البوليساريو أكد أنّ فلسطين ليست ملكاً لأحد حتى يبيعَها أو يبادلَها...
حاورته: سماهر الخطيب
عادت أزمة الصحراء الغربية لتطفو إلى السطح من جديد بعد أن قامت القوات المغربيّة باختراق خط وقف إطلاق النار في منتصف شهر تشرين الثاني المنصرم، وما تلى ذلك من اشتباكات بين الصحراويين والقوات المغربيّة، بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على التهدئة العسكرية. وما أن رُفعت القضية إلى الأمم المتحدة حتى كشف الستار عن النيّة المغربيّة بالتطبيع مع العدو الصهيونيّ وكانت جائزة التطبيع المذل تقديم صك ملكية الصحراء الغربية للمملكة المغربية، وفق ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أيام قليلة من قيام المملكة ودولة الاحتلال الصهيونيّ بتوقيع اتفاق الذل والتطبيع لتلحق المغرب بركب الانبطاحيّين من الحكام العرب، خاصة الخليجيين، وتعلن التطبيع العلني بعد عقود من العلاقات السريّة بينهما.
للحديث عن ملف الصحراء الغربيّة ومدى قانونية مطالب الصحراويين وأحقيتهم في إنشاء دولتهم «الصحراوية الغربية»، كان لـ «البناء» حوار مع ممثل جبهة البوليساريو مصطفى الأمين الذي أشار إلى «أنّ نقطة الصفر بدأت في 31 تشرين الأول عام 1975 حين اجتاحت قوات المغرب أرض الصحراء المغربية، وفي ما بعد تمّ توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا في 14 تشرين الثاني 1975، وبموجب هذا الاتفاق اقتسمت الأرض بين المغرب وموريتانيا على أن تستفيد إسبانيا من خيراتها الاقتصادية، لاغين وجود أهل الأرض فلم يسألوهم أو يسألوا عنهم لأنهم يريدون الأرض أما شعبها فلا يعني لهم شيئاً»، وفق ما قاله ممثل جبهة البوليساريو.
ونوّه إلى أنه «في هذه الاتفاقيّة المنسجمة مع ما كانوا يرفعونه من شعارات الوحدة والقوميّة والعربيّة والإسلام وغيره، تمّ تقسيم العائلة الواحدة إلى ثلاث جنسيات بموجب اتفاق (الساعة الصفر)، وعند التنفيذ تنقسم العائلة الواحدة: الأب مغربيّ والأم موريتانيّة والإبن الذي كان يقاتل في الجبل يبقى بلا جنسية أو هارباً إلى الجزائر»، موضحاً أنّ «هذه (الوحدة) الجميلة التي كانوا يسعون إليها تُشتّت العائلة الواحدة فكيف ستوحّد أمة»؟
وأضاف: «ثمّ بدأت الحرب وهي دوماً فعل مكروه، خاصة أنّ القتيل والقاتل عربيان ومسلمان، ولكن نحن بحاجة إلى الدفاع عن أرضنا وهم ارتكبوا الفظائع بنا»، مستشهداً بقول الحسن الثاني حينما كان يوصي المغاربة الذين استقدمهم إلى الصحراء الغربيّة عبر ما سمّاه «المسيرة الخضراء»: «إذا لقيتم الإسبان فعانقوهم واقتسموا معهم الخبز وإذا لقيتم غيرهم تعلمون ماذا ستفعلون»!
ولفت الأمين إلى أنّ «المغاربة اعتمدوا سياسة الأرض المحروقة ضدّ الصحراويين تنفيذاً لتوجيهات الحسن الثاني»، مشيراً إلى وجود «وثائق تؤكد هذا الكلام والدلائل موجودة وقدّمها خبراء دوليّون».
وتابع: «استمرّت الحرب مع المغرب 16 سنة، وعندما توقفت تمّ تبادل الأسرى، حيث كان لديهم 66 أسيراً من المقاتلين الصحراويين وكان لدينا 3 آلاف أسير عسكريّ مغربيّ واستمرينا بالعملية السلميّة بإشراف الأمم المتحدة».
وذكّر بأنه «منذ عام 1988 تمّت جهود سميت آنذاك (مساعٍ حميدة) رعتها الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، قبل أن تتحوّل إلى الاتحاد الأفريقي، وبعد مفاوضة الطرفين كلّ على حدة قبل الطرفان بمخطّط سمّي (مخطط تسوية) لإجراء استفتاء صحراوي مغربي، وقد رُفع مضمون الاتفاق إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن وصادق عليه بالإجماع في قرار مجلس الأمن 690 الذي تمّ بموجبه وقف إطلاق النار عام 1991».
وأوضح أنّ «قرار وقف إطلاق النار عام 1991 كان مبنياً على شرطين: يتم وقف إطلاق النار وبعد ستة أشهر يتم إجراء استفتاء لتقرير المصير».
تواطؤ الأمم المتحدة وتنصّل المغرب
وقال الأمين: «حتى الآن لم نرَ استفتاء ولم نرَ شيئاً، كلّ ما رأيناه تنصُّل المغرب من كل التزاماته، وقال لنا: لا حلّ إلا ضمن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ولو كنا نحن نعترف بسيادة المغرب ما قاتلناه أصلاً. نحن نرفض الحكم الذاتي ولا نعترف بالسيادة المغربيّة على الصحراء المغربية، والعالم لا يعترف بها، وهناك محاكم أوروبية وأمميّة لا تقرّ بها، إنما أصدرت أحكاماً عام 1975، وفي الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية عام 2002 وفي كل المحافل الدولية وقرارات الجمعية العامة أنّ المغرب قوة محتلة للصحراء الغربية».
وأضاف: «تعتبر إسبانيا القائمة على الإدارة، لكنّ الموجود فعلياً هو الإدارة المغربية والجيش المغربي في الصحراء الغربية. الإدارة المغربية موجودة فقط لنهب الخيرات، لأن عائدات الأرض المعلن عنها والمعترف عليها على الأقل التي تصرّح بها الدولة المغربية الرسمية تتعدى 3 مليارات ونصف المليار سنوياً من نهب الخيرات من السياحة ومن المعابر على الطرق».
اقتصاد الصحراء
وعن اقتصاد الصحراء الغربية، أوضح الأمين «أنّ الصحراء لديها شاطئ طوله 1500 كلم على المحيط الأطلسي وفيه حوض سمك من أهم الأحواض الموجودة في العالم اليوم ويدرّ الملايين من الأرباح على الدولة المغربية والشركات الأوروبية، وفيها مناجم فوسفات من أجود فوسفات العالم على مساحات شاسعة تتجاوز 300 كلم مربع وهي على وجه الأرض واستخراجها يتم بتكاليف زهيدة جداً، وهناك أيضاً السياحة البحرية والتزلّج على الماء وغيرها وفيها الطرق لأنّ الصحراء الغربية تربط بين المغرب وموريتانيا وأفريقيا».
مواقف دول الجوار وأدوارها
وبالنسبة إلى موقف دول الجوار من القضية الصحراوية ودور هذه الدول، أجاب الأمين: إنّ «دول المغرب العربي مكوّنة حالياً، كمنظمة رسمية، من خمس دول (ليبيا موريتانيا تونس الجزائر والمغرب). ليبيا وموريتانيا تعترفان بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، أما تونس فإنّ موقفها حيادي وباقي الدول المجاورة موقفها مع الشرعية الدولية ومع إقرار حقّ الصحراويين. أما المغرب فالنظام فيها نظام عدائيّ له مشاكل مع كلّ جيرانه»، موضحاً: «معنا احتلال منذ عام 1975 ومع الجزائر الحدود مغلقة منذ عام 1994 ومع إسبانيا لديه مشاكل، ولو أنها مشاكل ذات طابع ابتزازي، وإذا نظرنا مثلاً إلى سبتة ومليلة، كمدينتين مغربيتين تحت السيطرة الإسبانية، نجد أنّ المغرب لا يناضل ولا يقاتل ولا يكافح من أجل تحريرهما وإنما يبتزّ الإسبان حتى يستمروا في الدفع له أو يبتزهم بالهجرة أو المخدرات.. المغرب دولة مخدرات، وهذا معروف عالمياً، وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإنّ 25 % من الدخل المغربي من المخدرات، والحشيش المغربيّ معروف في مناطق شاسعة وكلها مرتبطة بالقصر في إدارة المخدرات».
وأضاف: «بعدما جاء الاتفاق بين الصحراويّين والمملكة المغربية والأمم المتحدة بقي وقف إطلاق النار لمدة 29 سنة في انتظار أن يتخذ مجلس الأمن قراراً لوضع مخطط التسوية حيّز التنفيذ لإجراء استفتاء في الصحراء وبقي الانتظار 29 سنة ومجلس الأمن لم يقدّم ولم يؤخر إنما بقي كالأخرس والأعمى والأبكم».
وتحدث الأمين عن الموقف الروسي واصفاً إياه بأنه «إيجابي إنما ليس لحدود أن يلجم الأميركي والفرنسي، وعدوّنا اللدود في مجلس الأمن هو فرنسا بالدرجة الأولى»، موضحاً أنّ السبب هو أنّ «المغرب محمية فرنسية لكونها كانت تحت الاستعمار الفرنسي وكلما حاول مجلس الأمن أن يتقدّم خطوة يجد الموقف الفرنسي الرافض وأحياناً يجد الفيتو، وجاءت بعض الاقتراحات لمجلس الأمن أن تراقب بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية ما يجري، خاصة موضوع حقوق الإنسان، لكنّ الفرنسيين هدّدوا باستخدام حق الفيتو ضدّ هذه الاقتراحات، وبالتالي فإنّ الأمم المتحدة ورغم وجود بعثتها في الصحراء الغربية لا تراقب حقوق الإنسان ولا يعنيها سحل النساء في الشوارع وضرب الأطفال وسجن الرجال، فأعضاء البعثة لا يملكون صلاحية التحدّث عن أيّ شيء، والتالي أصبحوا بعثة لوقف إطلاق النار لا أكثر وحتى هذا لم يستطيعوا الحفاظ عليه عندما قرّر المغرب إنهاء وقف إطلاق النار يوم 13 تشرين الثاني باختراق خط وقف إطلاق النار وبالهجوم على المواطنين الصحراويين بعد 29 سنة من وقف إطلاق النار».
الأوضاع الاجتماعيّة
وتحدث الأمين عن الأوضاع الاجتماعية المأساوية للسكان الذين ينقسمون إلى قسمين: «الأول تحت الاحتلال المغربي يعاني الأمرّين من تنكيل وتعذيب وسجون وبالتالي يشعر هؤلاء بأنهم غرباء في بلادهم، والثاني إما في اللجوء أو في الأراضي المحرّرة ـ وهم بدو الأرياف ورعاة الإبل ـ أو في المخيمات يعانون مأساة اللجوء».
وعن سبب تجدّد القتال، قال: «تذرّعوا بأنّ الطريق تجاري وبالتالي لا يمكن إغلاقه، ولكنه طريق تجاري غير شرعي والأمم المتحدة لم تحرك ساكناً والبعثة كذلك. الصحراويون تظاهروا سلمياً لإغلاق هذه الثغرة، والمغاربة بما أنهم كانوا يحضرون للتطبيع مع «إسرائيل»، فربما قاموا بفتح هذه الثغرة في الخفاء حتى لا يقع عليهم اللوم ويتم تحميلهم المسؤولية.
الاعتراف الأميركيّ بالسيادة المغربيّة على الصحراء..
في رأي الأمين، إنّ الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء «لا قيمة له على مستوى القانون الدولي لأنّ هذه القضية مسجلة في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، وبالتالي لا قيمة له على مستوى الولايات المتحدة لأنه ليس قرار مؤسسات بل هو قرار من شخص منتهية ولايته، الصحراء ليست أرضه ولا أسهماً في شركاته، وبالتالي لا حقّ له بأن يهديها لأي كان. والواقع نفسه ينسحب على إهدائه الجولان لـ«إسرائيل» واعترافه بالقدس عاصمة لها، وها هو يعترف بالصحراء الغربية جزءاً من المغرب».
الموقف الصحراوي من فلسطين
وعن الموقف الصحراويّ من القضية الفلسطينية، قال الأمين: « هي قضية حب ومشاعر وتاريخ عمره أكثر من 1500 سنة من العقيدة الإسلاميّة وثاني الحرمين موضوع فوق المشاعر».
ولدى سؤاله عن موقف الصحراويين إذا ما طلب منهم الاعتراف بـ»إسرائيل» مقابل الاعتراف بالصحراء كدولة، قال الأمين: «نحن أصحاب مبادئ وعقيدة وفلسطين ليست ملكاً لنا أو لغيرنا حتى نبيعها أو نبادلها مقابل شيء، ونحن تربّينا على قضية فلسطين كقضية حقّ قبل كلّ شيء غير قابل للتقادم ولا يمكن التطاول عليه ولا يمكن تجاوزه ولا يمكن المساومة عليه».
وأشار إلى ما يسمى «الحدود الحقّة» في الدستور المغربي، متسائلاً: «الحقة هي على مزاجهم وقد تمتدّ إلى النيل وقد تمتدّ جنوباً إلى أفريقيا. فالمغرب كـ «إسرائيل»، مستشهداً بقول مؤسّس البوليساريو: «لن تتحرّر الساقية الحمراء ووادي الذهب وتونس مستعمرة والمغرب مستعمرة وموريتانيا مستعمرة، فالتبعية للاستعمار لا تحرّر الشعوب».
وختم الأمين متسائلاً عمّا استفاده المغرب من التطبيع، معتبراً أنّ المملكة «لم تستفد شيئاً كبلد واقتصاد، بل إنّ وضعها سيكون مهدّداً بالانهيار إذا تمّ إلغاء كل شيء وبات البلد تابعاً في كل شيء».
ورأى أنّ الحلّ «بمواصلة المقاومة حتى ننتصر لأنّ سنة الحق أن ينام قليلاً ثم يصحو في عالم حتى ينتصر. مهما طال الظلم، الحق ينتصر ولا يمكن أن تبنى الأمور على باطل وإذا ما بُنيت فإنها ستنهار».