حاتم علي… مخرج الأزمات العربيّة رحل بعيداً عن دمشق المُلهِمَة!
} جهاد أيوب
وداعاً حاتم علي…
وداعاً مرحلة مهمة في الإخراج العربي…
وداعاً للفنان الملمّ، والباحث، والمقتدر، والحالم…
ذاك المبدع صاحب الرؤية الإخراجية الأول في الوطن العربي، في دراما بمجملها من دون رؤية إخراجيّة، ومن دون مخرج!
رحيل عملاق قدّم مسؤولية لمفهوم الإخراج… وقيمة نعتز بما قدم، وبما كان يحلم… ورؤية تجعلنا نعجب، نحترم، نقدر، نناقش… رحيل الصديق الحاضر المخرج المبدع حاتم علي…
أزمة قلبيّة قضت على حياته الإبداعيّة، كما حال ازماتنا العربية… وكم كنا نشتاق لجلساتك لرأيك لاحترامك لكل ما نكتب…
رحيل مفاجئ في مصر للمخرج السوريّ العربي الموهوب عن عمر ناهز 58 عاماً!
«الزير سالم» عرفنا عليه، وهذا العمل جعله يقتحم السوق الخليجية بقوة تاركاً بصمة جعلت الجميع يتنبّه إليه، وإذ بنا أمام منهجية واعية وفاهمة ومبادرة ومقتدرة في فهم لعبة الإخراج، ومع حاتم لم تعد الدراما التلفزيونية العربية مجرد ثرثرات إذاعية والسلام، مع حاتم اختلفت الصورة والرؤية والمتابعة، والدراما السورية!
هو حالة خاصة في عالم الفن، وهو مغامرة ثبت إنها صحيحة تصبّ في صالحه حتى بعد غيابه عن الشام التي عشقها، والتي عشقته!
قال لي ذات جلسة شامية: «للشام نكهة خاصة تجعلك تقترب إلى الإنسان فينا، لديها السحر على عكس بيروت المنشغلة بسحر الجنون… أشعر الشام وبيروت حاجة لكل فنان، والتضاد فيهما يخدم أفكارنا كما لو كانا التوأم»!
أذكر حينما قرّر أن تصوَّر سيرة حياة الاسطورة صباح درامياً أصرّت هي أن يكون المخرج حاتم علي سيّد مسلسلها!
تقول الكبيرة صباح لكاتب هذه السطور: «حاتم علي شغلة كبيرة في الإخراج، يجعلك تجلس أمام التلفاز من دون كلل، حبيت أعماله، وطلبت يكون هو المخرج، بوجوده قصة حياتي ستنفذ صح.
اجتمعت معه أكثر من مرة، وآخر جلسة كانت ثلاث ساعات واتفقنا على كل التفاصيل، يومها تركني أتحدث، وهو يستمع بشغف… من هنا أدركت أنه المخرج المطلوب… اعتقد جلس أمامي يستمع ويفكر بالتنفيذ لكن الشركة المنتجة رفضت أن توقع العقد معه لأسباب مالية، لو كان المال متاحاً معي لكنت أنا دفعت الفرق…»!
بدوري اتصلت بحاتم للحديث عن هذا الموضوع، فأكد أن الخلاف مع الجهة المنتجة كان مادياً، وبأنه تمنّى أن يخرج هذا العمل عن قيمة وأسطورة، لو أخرجته كنت ركزت على أسطوريّة حياة صباح..!
نعم رحيل حاتم علي خسارة للدراما، وللحوار المحبب، والنقاشات الثرية وللضحكة، وللحسم، هو يشتغل على السينوغرافيا، وعلى الممثل، وعلى الإضاءة، وعلى المجاميع، والمكان، وعلى أصغر التفاصيل في المشهد النص العمل ككل.
المخرج الراحل من مواليد العام 1962، ومنذ صغره كان يعشق الأدب الصورة والكتابة، وبالفعل بدأ حياته الفنية باقتحام الكتابة المسرحيّة، وكتابة النصوص الدرامية والقصص القصيرة.
ودخوله معهد الفنون زاده بحثاً عن ذاته وقلقه في فن الصورة، كان مشاكساً ومعاكساً ولطيفاً طيلة دراسته، حصل على إجازة في الفنون المسرحية من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق قسم التمثيل 1986.
منذ البداية توجّه إلى الإخراج التلفزيوني كما كان يحب ويتمنى ويرغب، ويبحث عن إبداعاته، وكان ذلك في منتصف التسعينيات، يومها قدّم عدداً كبيراً من الأفلام التلفزيونية الروائية الطويلة، ولكنه كما أخبرنا أنه ميال إلى الدراما التلفزيونيّة مع حلمه الكبير أن يقدم الفيلم الذي يحلم به!
في بداياته قدّم العديد من الثلاثيّات والسباعيّات، وفي مرحلة متقدّمة قدّم مجموعة هامة من المسلسلات الاجتماعية والتاريخية، ومن أهم ما قدّمه مسلسل “الزير سالم» الذي يُعدّ نقطة تحول في مسيرته… ومن أعماله نذكر “عمر» و»أهو دا اللي صار»، و»كأنه إمبارح»، و»أهل الغرام»، و»تحت الأرض»، و»حجر جهنم»…
في رحيل حاتم علي خسرنا زنبقة الدراما السورية المتوهجة، وسنديانة المخرج العربي المتأصل بأرضنا وبفهم مشاهدنا، وحواراتنا ووجوهنا ودموعنا وأفراحنا!
في غياب حاتم نكون قد أسدلنا الستارة عن مدرسة كانت ستعطي الأهم لو بقيت دمشق من دون طعن وسيوف الغدر وسكاكين الأخوة الأعداء!
في رحيل حاتم علي الصديق، النشيط، الكسول في العلاقات الاجتماعيّة، الوفي في حضورك وفي غيابك خسرنا حديقة غناء قتلتها الأزمات العربية المتكالبة المتراكمة ضد المبدع العربي أينما وجد!