الأزمات السياسيّة في تونس 2020.. الوباء وملفات الفساد أبرز العناوين
اقترب عام 2020 من النهاية، محمّلاً بأحداث مثقلة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي في تونس. سنة كانت ولازالت حتى الأيام الأخيرة تعجّ بالأحداث والمفاجآت.
انطلقت سنة 2020، بعد أشهر قليلة من تنصيب مجلس نواب ورئيس جمهورية جديدين. كان الخلاف أبرز العناوين التي طغت على المشهد السياسي، إذ تعثرت المفاوضات حول تشكيل الحكومة التي أعلن عنها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي آنذاك، وفشلت في نيل ثقة النواب خلال جلسة عامة عقدت يوم 11 كانون الثاني/يناير.
حكومات متعثّرة
ولأن دستور البلاد التونسيّة يمنح رئيس الدولة قيس سعيد صلاحية تكليف شخصية ثانية، اختار الرئيس الوزير الأسبق الياس الفخفاخ الذي تمكن بعد مفاوضات عسيرة من كسب ثقة النواب، وأدّت حكومته اليمين الدستورية في 27 شباط/فبراير 2020.
وجدت حكومة الياس الفخفاخ نفسها في أيامها الأولى أمام اختبار صعب، انتشر فيروس كورونا في البلاد ما حتّم على الفخفاخ الإعلان عن إجراءات كانت موجعة بالنسبة للاقتصاد التونسي، منها غلق الحدود البرية والبحرية، وفرض الحجر الصحيّ الشامل الذي امتدّ قرابة الشهر.
ولم يكتب لحكومة الياس الفخفاخ عمراً طويلاً، فبعد 5 أشهر على توليه المنصب، قدّم الفخفاخ استقالته لرئيس الجمهورية، إثر إعلان حركة النهضة أنّها قررت سحب الثقة من الفخفاخ على خلفية اتهامات في ملف تضارب مصالح.
وفتحت الاستقالة الباب أمام الرئيس التونسي من جديد لقيادة المشهد السياسي، واختيار شخصيّة جديدة غير منتمية للنهضة وتكليفها بتكوين حكومة.
بقي الياس الفخفاخ رئيساً لحكومة تصريف أعمال إلى أن كلف رئيس الدولة شخصية جديدة. وقام الفخفاخ في تلك الفترة بإقالة 9 وزراء من حركة النهضة ثم إقالة العميد شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد.
وفي 25 تموز/يوليو، أعلن رئيس الجمهوريّة تكليف وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ، هشام المشيشي، بتشكيل الحكومة الجديدة شريطة أن تكون حكومة غير سياسيّة.
وفي أوائل أيلول/سبتمبر 2020، صوّت البرلمان على منح الثقة لحكومة هشام المشيشي، لاعتبارات عديدة أهمها تخوّف الأحزاب من حل البرلمان، ذلك أن المفاوضات حول تشكيل الحكومة لم تكن بالأمر السهل، إذ تراوحت مواقف الأحزاب بين مرحّب ومعترض وغاضب.
ولم تهنأ حكومة المشيشي بالنعيم السياسي ولا الاستقرار الاجتماعي، فقد واجهتها منذ البدء احتجاجات آلاف التونسيين الذين سئموا وعود الحكومات السابقة والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم. وشهدت تونس احتجاجات واعتصامات، طالت المنشآت الاقتصادية الحيوية بعدد من محافظات البلاد كقابس والقصرين وتطاوين وقفصة، بلغ حد إغلاقها.
كما شهدت محافظات أخرى إضرابات عامة كالقيروان وجندوبة، بالاضافة إلى الإضرابات القطاعيّة، على غرار إضراب القضاة والمحامين والصحافيين والصحة وغيرها. ولا زالت إلى اليوم تواجه حكومة المشيشي موجة هائلة من التحركات الاحتجاجيّة، من أجل التنمية والتشغيل والوضع الاقتصادي الصعب، إذ ارتفعت نسبة البطالة في 2020 إلى حدود 18%، كما شهد الاقتصاد التونسي انكماشاً بنسبة 21.6% خلال الثلاثي الثاني من السنة باحتساب الانزلاق السنويّ وبنسبة 20.4% مقارنة بالثلاثي الأول من السنة نفسها.
برلمان منقسم
ولم تقتصر التجاذبات السياسية على الحكومة، بل طالت أيضاً البرلمان، حيث تقدمت 4 كتل نيابية وهي الكتلة الديمقراطية، وكتلة الإصلاح، والكتلة الوطنية، وكتلة تحيا تونس، بلائحة لسحب الثقة من رئيس المجلس، وعقدت في 30 تموز/يوليو، جلسة للتصويت عليها وانتهت ببقاء الغنوشي على رأس البرلمان.
كما شهد البرلمان التونسي تبادلاً للعنف بين نواب ائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي، تسبب بجرح أحد النواب وتعرّض زميلته للإغماء، وذلك على خلفية تطرق بعض النواب لتصريح النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس، الذي أساء فيه للمرأة التونسية، وتطور النقاش إلى تراشق ومن ثم صراع بالأيدي بين نواب ائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي.
كما تسبّب تصريح محمد العفاس، الذي انتقد مبدأ حرية المرأة، معتبراً أنها «سلعة رخيصة»، ووصف الأمهات العازبات بـ»العاهرات» في موجة استنكار واسعة في صفوف المنظمات النسوية والقوى التقدميّة، التي نفذت وقفة احتجاجية أمام البرلمان.
قضايا فساد
ولم تكن قضية شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، الأولى أو الوحيدة، إذ أصبحت ملفات الفساد الحدث البارز بشكل يومي في تونس، فقد أثارت فضيحة النفايات المنزلية الإيطالية الرأي العام المحلي، بعد أن كشف برنامج تلفزيوني في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، شحنة تضم أطناناً من النفايات المنزلية المشحونة من إيطاليا نحو ميناء سوسة (شرقي تونس)، بهدف التخلص منها بطريقة غير قانونية في إطار صفقة توريد فاسدة تحت غطاء النفايات القابلة للتدوير.
هذه القضية التي أثارت الدنيا وأقعدتها في تونس، أطاحت بمستويات عليا في الدولة، فقد تمّ إعفاء وزير الشؤون المحلية والبيئة مصطفى العروي، من مهامه، كما تم إيقاف 12 شخصاً تحفظياً، من بينهم مدير الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات ومدير ديوان وزارة البيئة ومديرين في الوكالة الوطنية لحماية المحيط، ومسؤولين في الجمارك، وصاحب مخبر كيميائي خاص.
وقبلها فتح القضاء التونسي «ملف القمح الفاسد» المستورد من الخارج، وذلك بتوقيف موظفين تابعين لوزارة الصحة، بسبب عدم إجرائهما التحاليل الضرورية على شحنة القمح المستورد، قبل نقلها خارج الميناء للاستهلاك، في انتظار الكشف عن أطراف أخرى على علاقة بالقمح الفاسد، ومن بينهم مورّدون خواص، وموظفون كبار في الدولة.
وفي هذه الأثناء، سلّمت دائرة المحاسبات رئيس الجمهورية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الانتخابية لسنة 2019، وطالبت باستغلال مخرجاته التي بينت تجاوزات عديدة لمختلف المترشحين.
وفي كل مرة تتالى في تونس الحوادث التي تعيد إلى الواجهة ملف الفساد واستهتار المسؤولين، على غرار سقوط شابة في منشأة مائيّة لتصريف مياه الأمطار، وقبلها حادثة سقوط الطفلة فرح في بالوعة للصرف الصحيّ، لتستفيق تونس مجدداً يوم 4 كانون الأول/ديسمبر، على خبر صادم تمثل بوفاة طبيب مقيم في مستشفى جندوبة بدر الدين العلوي، نتيجة سقوطه جرّاء عطب في المصعد، لينتفض على إثرها القطاع الصحي في يوم غضب ومسيرة انطلقت من كلية الطب في تونس نحو قصر الحكومة في القصبة.
ويبدو أن 2020، أبى أن ينتهي من دون أن يثير قضايا جديدة تتعلق بشبهات فساد، ففي 24 كانون الأول/ديسمبر، صدر قرار قاضي التحقيق بالقطب القضائي والمالي بإيداع رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي السجن، في قضية التهرب الضريبي وتبييض الأموال التي رفعتها ضده منظمة «أنا يقظ» في سنة 2016، على خلفية رصد 143 مليون دينار مجهولة المصدر.
كما تتالت الأخبار مؤخراً حول طلب قضائي، برفع الحصانة عن عدد من النواب تتعلق بهم قضايا فساد.