مقالات وآراء

لصوص الهيكل والقرض الحسن

} شوقي عواضة

لم يكن من باب المصادفة استهداف موقع القرض الحسن ومحاولة تهكيره والسّيطرة عليه من خلال هجوم سيبراني لا سيّما بعد الهجوم المقرصن على موقع جريدة «الأخبار» اللّبنانية على أيدي مقرصنين محترفين. حدثان يحملان دلالاتٍ كبيرةً وعنوان لمرحلةّ جديدةٍ لاستهداف بيئة المقاومة تحديداً، بخاصّة على المستوى الاقتصادي إذ تعمد تلك الجهات إلى استهداف القرض الحسن الذي شكّل منذ تأسيسه نافذة أمل للمعسرين من مختلف الطّوائف والمذاهب في لبنان، وعلى ما يبدو أنّ الغلّ والحقد الأميركي الصهيوني الخليجي وأدواته في الداخل لم يكتفِ بتدمير بعض مراكز القرض الحسن إبّان عدوان تموز عام 2006 حيث قامت تلك المؤسّسة بدفع كلّ ما عليها من مستحقات المودعين من ذهب ونقد بالرّغم من الخسائر التي لحقت بها. لم تصادر أيّ حساب ولم تنقص غراماً واحداً من قيمة الذهب المرهون. وفي نيسان من العام 2016 أدرجت وزارة الخزانة الأميركية جمعية «القرض الحسن» على قائمة العقوبات، لكن ذلك لم يؤثّر على أداء الجمعية ونشاطها، بل أعطى دفعاً للمزيد من الثقة مع عملائها وارتفعت نسبة وقيمة القروض التي قدّمتها الجمعية عام 2016 من 159 ألف قرض لتصل إلى 197 ألف قرض في العام 2018، وبالتالي أدّى ذلك إلى ارتفاع قيمة القروض المقدّمة من الجمعية من 371 مليون دولار إلى 476 مليون دولار في عام 2018. وهذا يعني أنّ العقوبات الأميركيّة فشلت في استهدافها للجمعية فشلاً ذريعاً وبقيت عاجزة عن تحقيق هدف العقوبات التي ازدادت عليها مع بداية العام 2019 من قبل وزارة الخزانة الأميركية وهذه العقوبات لم تحدّ من تقديمات الجمعية بل أعطتها دفعاً أكبر لا سيّما في ظلّ سيطرة المصارف على أموال المودعين ممّا أدى إلى رفع عدد القروض التي قدّمتها الجمعية في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا والعقوبات الأميركية المفروضة التي طالت معظم طبقات المجتمع وإخضاع المصارف لقوانين وزارة الخزانة الأميركية بتوجيهات من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وعلى مدى سنوات طوال شكّل القرض الحسن طاقة انفراج كبيرة لا سيّما خلال السنوات الأخيرة حيث قدّم عام 2019 مئتي ألف قرض بقيمة أربعمئة وثمانين مليون دولار لمختلف المواطنين وبدون أيّة فوائد، تلك هي تهمة القرض الحسن الذي لعب دوراً في الحدّ من الأزمة الاقتصادية حين أطلق في العام 2020 مشروع قروض تيسير للمشاريع الصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة وحتّى على مستوى الأفراد حيث بلغت قيمة القرض الواحد للمؤسّسات ثمانين مليون ليرة وأربعين مليون ليرة أو ستة آلاف دولار قيمة القرض الفردي.

عملية أسهمت في دعم صمود المجتمع في مواجهة العقوبة الأميركيّة والأزمة الاقتصادية ونشطت من حركة الدّورة الإنتاجيّة على مستوى الزراعة والاقتصاد والتّجارة، وكأنّ الأمر أزعج أميركا والكيان الصّهيوني وأدواتهما في الداخل تلك الأدوات التي تقود ثورة الإصلاح ضدّ الفساد! وهم أكثر النّاس فساداً وإفساداً، أرادت أن تكون جمعية القرض الحسن بئراً من ذهب كوزارة المهجرين أو كغيرها من الوزارات والمؤسّسات التي كانت بؤراً للفساد وعمليّات الاختلاس والهدر التي كانت سبباً أساسياً في انهيار الاقتصاد اللبناني. ولعلّ قراصنة الوطن ولصوص الهيكل لم يدركوا أنّ ما عجزت عن تحقيقه العقوبات الأميركيّة لن تحققه أدواتها الفاسدة مهما امتلكت من إمكانيّاتٍ وتقنياتٍ أنّ تعاطي المقاومة وجمهورها مع عملية القرصنة التي قامت بها مجموعة تطلق على نفسها اسم سبايدرز لن يكون بأقلّ من التعاطي مع أيّ معركة مع العدو لأنّ المواجهة واحدة مهما تعدّدت وجوهها. ولكي لا يسجّل القراصنة وداعموهم من المغرّدين بالانتصارات على الفقراء موقفاً متقدّماً على إحدى مؤسّسات المقاومة لا بدّ أن يدركوا أنّ ما حصلوا عليه من معلوماتٍ وأسماء مغلوطة أو حساباتٍ قديمة لن يقدّم ويؤخّر، كما أنّ الرسائل التي أرسلت لبعض عملاء الجمعية لم تؤثّر على سمعتها بل ستزيد ثقة عملائها في المزيد من الإيداعات والاستثمار، والسبب في ذلك بالدرجة الأولى هو موقف وردّ على عقوبات أسيادكم من الأميركيين وغيرهم، والسبب الآخر هو أنّ جمعية القرض الحسن تدار بأيد أمينة ويشرف عليها أخلص وأكثر الناس حرصاً على أمانات المودعين، وبالتّجربة أثبتت هذه المؤسّسة مصداقيتها خلال عدوان تموز وبعد فرض العقوبات الأميركية عليها، أمّا عملية القرصنة فما هي إلّا مقدّمة لمرحلةٍ جديدة من الصّراع السيبيري الذي ستنهزم فيه أميركا بأدواتها وعقوباتها وأزلامها الذين كان الأولى بهم المساهمة في إعادة حقوق الناس الذين أذلّوهم على أبواب المصارف وسرقوا لقمة عيشهم وصادروا حقوقهم وأحلامهم وما زالوا يصرّون على سرقة ما تبقّى من أمل لأبناء الوطن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى