مقالات وآراء

مسعد حجل…
لا فصل بين الحياة والنضال

} سليمان بختي

التحية مستحقة اليوم وأمس وغداً، وحضورا ًوغياباً للذي تفانى في خدمة المجتمع والإنسان في لبنان وتحت أيّ سماء وفوق أيّ أرض. ويشهد بذلك الزمن والتاريخ والنهضة.

للعمر حكايات لا بدّ يوماً أن تُروى. منذ تعرّف الأمين مسعد حجل إلى سعاده الفكر والسيرة والقدوة والرفقة أدمن النظر الى الأعمق والجوهر والحق. أدمن صناعة الأمل. صناعة الحياة الجديدة كما تستحق أن تُعاش وتروى. ولبث يطلّ على الناس من حيث نهض به إيمانه وسما به خلقه بأدب وعطاء ومروءات ومناقب اؤثر فيها الوفاء والالتزام.

في حياة مسعد حجل أكثر من همّ وأكثر من سرّ وأمل واحد ومواعيد كثيرة. همّه أن يبدع من بلاده بلاداً جديدة. ومن إنسان بلاده إنساناً جديداً. ومن حياة مجتمعه حياة جديدة. ومن المعرفة قوّة له وللآخرين. ومن الحرية جذوة كلّ صراع. ومن حياته سيرة لتحقيق كلّ ذلك.

كان سرّه في النهضة والتغيير. أما أمله الوحيد ففي النصر والعودة وعلمنة المجتمع وعقلنة الحضارة. أما مواعيده في الحياة وفي نشأته وشبابه ونضوجه فهي المواعيد التي يهنأ لها وجه الزمن. وهكذا لا تجد فصلاً بين الحياة والنضال كمن يدخل البيت من غرفة الى غرفة. والبيت في جل الديب مركزاً للحزب ومقراً للزعيم ومكتباً للقيادة المركزية وفرعاً لمؤسسة أسر الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة.

يعيشون حيث الأمل زهرة طبيعية لا تحتاج الى دليل أو برهان والى جانبه الصامدة الوديعة كما الريح رفيقة العمر والكفاح الأمينة ناديا. روى لنا غير مرّة الأمين مسعد حجل كيف كانت الأمينة ناديا في المراحل الدقيقة وزمن الكبسات تطبخ الفاصولياء للحزبيين وغير الحزبيين (اللي أقسموا اليمين واللي ما أقسموا اليمين، للمعزومين واللي مش معزومين).

روى لي غير مرّة أنه كان نائماً وكان الفجر يشقشق حين لمح سعاده ينهض ويمرّ بين الأجساد وأصلح له نومته والحريّ القول أنه أصلح أحلامه وأحلامنا. استعاد غير مرّة كيف أنه أقسم اليمين في البستان تحت الأشجار وكانت والدته تحمل القنديل لتضيء له مساحة القسم. حكاية وصورة كأنها أسطورة أو حدث في الرسالات الكبرى.

روى كذلك قصة الباب المفتوح بينه وبين مكتب الزعيم والذي لم يقفل ابداً ولن. وانّ الأحاديث التي سمعها او تناهت اليه لا تزال محفوظة كالأسرار المقدسة. وظلّ ينظر الى الزعيم نظرة الأمل في الحضور والغياب لا بل وازدادت مع الأيام رسوخاً وتقديراً. لم يسعَ الأمين مسعد حجل في حياته كلها الى المناصب والرئاسات بل هي سعت اليه لتحتمي بقيمه ومناقبه. كلما هبّت واختلفوا يأتي مسعد حجل ويتصدّى بصدره لرياح الفرقة ويشعل جذوة النهضة.

في المهجر أضاء مصباحه بكلتا يديه وجعل من فكره القومي الاجتماعي منهاجاً للنجاح ومن الصدق في التعامل المعيار الوحيد، وجعل من الحنين فاكهة، ومن الألم لما يجري على أرض الوطن وينال من الأمة وصاله السري الأثير.

كان يذهلك الأمين مسعد في هذا الودّ واللطف والدفء ومعها كلّ الصلابة والالتزام والوفاء. ومن فرط رهافة ضميره يكاد يعتذر من الحزب والحزبيين لما آل إليه الوضع، ولأنه لم ينجح في توحيده، ولم يرتقِ به إلى مستوى النهضة. وفي كلّ ذلك هو طالب حريات وإرادة التزام.

كان من عمره المئوي يرعى حرمة العهد وحرمة الهوى وشرعة العقل وكرامة الإنسان. الرأي لديه صواب منزّه. وكلما رأيناه صدّقنا أنه رمح في غابة الأسنّة وأنه ابن الحياة الحر، وابن النهضة البار، والمدافع عن المبدأ، والرافع لواء القضية والمنافح عنها، كمن يدافع عن استمرار النوع الإنساني.

أخيراً قالها فولتير صادقاً «رب كلمة حلوة استوقفت أجلي»، وحاله يقول «رب نضال جديد أطال في عمري» وكلّ ذلك من الحب والى الحب، والحب لعمركَ، نعت الله الاول. والدعوة لا تزال ترن بصوت سعاده لنا جميعاً «عودوا إلى ساحة الجهاد».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى