أن تدرك متأخّراً خير من العيش بالوهم
سعاده مصطفى أرشيد _
إطلالتان إعلاميّتان في بضعة أيام، تجمع بينهما خيوط دقيقة ومتينة، مقابلة قناة فضائية مع أمين عام حزب الله، شيّقة برغم طولها، ومهمة لما ورد فيها من معلومات وما أطلقت من رسائل، ثم مقالة لرئيس تحرير صحيفة محسوبة على المقاومة، تحدثت عن زيارة رئيس مكتب حماس السياسيّ لبيروت الأخيرة، وما قاله لجلسائه في أكثر من لقاء، مرسلاً الرسائل ومحدّداً مواقف حركة حماس. مقابلة السيد حسن، أعلن فيها وبشكل صريح عن قطع العلاقة مع السعودية، التي اتهمها بالسعي لاغتياله جسدياً، بالتعاون مع أميركا و»إسرائيل»، محمّلاً إياها مسؤولية أيّ عمل ينال منه شخصياً بالمستقبل، لكن هل سيقطع هذه العلاقة أيضاً مع جماعة السعودية في لبنان؟ أم أنه يفصل ما بين الوضع اللبناني والوضع الإقليمي؟ وهل ستضع السعودية قيوداً ومحدّدات على جماعتها في لبنان بخصوص التعامل مع حزب الله، الأمر الذي سيعيق تشكيل حكومة ترث حكومة حسان دياب. أكد السيد حسن أنّ حرب اليمن ستتواصل إلى أن تحقق أهدافها في هزيمة السعودية، وهو أمر حيوي وبالغ الأهمية. فهذه الحرب ستشغل السعودية وتستنزفها مالياً وسياسياً ودينياً وأخلاقياً، ثم أنّ محمد بن سلمان الذي لا يملك إلا الحقد والمال وطاعة سيده الأميركي، ستُفقده الحرب مشروعيّته وتستنزفها في أن يصبح ملكاً.
تحدّث عن المقاومة اللبنانية، وقدراتها المتعاظمة، في البر والبحر والمجال الصاروخي، وأكد امتلاكها أضعاف ما كان بحوزتها في العدد والمدى والدقة، وانتقل إلى المقاومة في المحور على امتداده من العراق إلى غزة وما بينهما، ثم تحدث بالتفصيل عن دور سورية والرئيس الأسد في دعم المقاومة عموماً والمقاومة في غزة خصوصاً. فالرئيس الأسد هنا يفرّق ما بين المقاومة في غزة وحركة حماس والإخوان المسلمين.
في الإطلالة الإعلامية الثانية، تناولت الأخبار ما تحدّث به الشيخ هنية في أكثر من مناسبة جمعته بأطياف لبنانية مقاومة، ومثلت بالسياسة تكاملاً مع المقابلة التلفزيونية مع السيد حسن، فقد أكد أنّ حركة حماس ليست جزءاً من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهي حركة فلسطينية في الهمّ والاهتمام على حدّ سواء، ثم أنّ أية مسألة سياسية إقليمية تحدّد حركة حماس موقفها منها بنظرة فلسطينيّة، وبمعزل عن حركة الإخوان المسلمين، هكذا تكلم الشيخ هنية، ولم يصدر عن الشيخ هنية أو حركة حماس ما ينفي ذلك. يمكن قراءة هذه التصريحات، بأنها إشارة لمحاور عدة ومنها المحوران المصري والسوري، فحماس تدرك أنّ مصر تبقى قوة إقليمية برغم ضعفها وهوانها في الفترة الحالية، وهي على علاقة بالغة السوء بالإخوان، وصلت بدائرة الإفتاء المصرية العريقة أن تسير على خطى العلماء السعوديين باعتبار الإخوان المسلمين حركة إرهابية، لا شأن لها بالإسلام، وإنما تتبع مبادئ مخالفة لهدي الدين الحنيف، ومع ذلك فحركة حماس تدرك أنّ مصر هي الرئة الوحيدة التي تستطيع غزة التقاط أنفاسها من خلال وجودها في مجالها الحيوي، وأنها لا تستطيع الصمود والبقاء من دون هذا المجال الجيو – بوليتيكي (الجغرا – سياسي) الضاغط. من هنا ستحافظ حماس على علاقتها بمصر، بكلّ حال من الأحوال، وهي أمام صراع البقاء لن تلقي بالاً، أو تصبح طرفاً في الصراع الدائر بين مصر السيسي والإخوان المسلمين. المحور السوري كان أكثر أهمية واستفاضة في ما هجس به الشيخ هنية، فقد أكد لجلسائه على ضرورة طي صفحة الخلاف مع دمشق وتجاوز الأخطاء التي ارتكبتها حماس بحق سورية.. فموقف سورية أصيل، حسب قوله، في الالتزام بدعم فلسطين والمقاومة الفلسطينية سابقاً وحاضراً، ويستذكر أنّ ما حصلت عليه حماس خصوصاً والمقاومة الفلسطينية عموماً من دعم وإسناد سوري، لم تحصل على مثله من أية دولة عربية أو إسلامية، في سائر المجالات من تدريب وتمويل وتطوير ودعم سياسي ومعنوي وتوفير أجواء آمنة من دون ضغط أو إملاء أو تقييد. فالنظام حسب قوله لم يعكس مشاكله مع الإخوان المسلمين على حماس، فيما باقي العرب والمسلمين – والقول لا زال لهنية – يضيّقون علينا، واختتم بأن سورية لو كانت لا تعاني من حربها الطاحنة، لما تجرأ المطبّعون على الذهاب إلى العلانية في تطبيعهم. ما يجري على أرض الواقع من تطبيع عربي، وتوجس من ضربات ترامب الراحل، وتقدير بين متفائل ومتسائل عما ستقوم به إدارة بايدن القادمة، يعشش القرار الرسمي في حالة كمون وانتظار، ولكن مع متغيّرين أخذا في الظهور والإعلان عن نفسيهما: المتغيّر الأول أنّ جهات إسلامية عديدة ومنها حركة حماس قد أخذت بإجراء مراجعات تقود باتجاه استقلالها عن حركة الإخوان المسلمين الأمّ، وذلك لأكثر من سبب، منها ضغوط وضرورات الجغرافية السياسية، ومنها مواقف بعض الأحزاب الشقيقة والمنضوية تحت العباءة الاخوانية، التي تشارك وتبارك تطبيع حكامها كما في الحالة المغربيّة، أو الحالة التونسيّة حيث يقف الشيخ راشد الغنوشي في حالة وسطية، أو في اليمن عندما يقف حزب الإصلاح داعماً العدوان السعوديّ على أهله وشعبه. المتغيّر الثاني الموقف المعلن لحماس وغيرها من الأحزاب والحركات التي ظنّت انّ «النظام السوريّ» سيسقط سريعاً، وأنّ الرئيس والقيادة السورية يحضران حقائبهما للرحيل، بات هؤلاء يدركون خطأهم وسوء تقديرهم، فالنظام باق برغم تلك الحرب الكونية والتي شاركت بها أكثر من ثمانين دولة، عدا عن الجماعات الإرهابية، وشركات المرتزقة، ومع ذلك فسورية لم تفقد البوصلة، وبقيت برغم انشغالها لاعباً إقليمياً، قادراً على مقارعة الخصم من خلال دعم حركة حماس وتزويدها بمقدرات استراتيجية، هذا ما أدركته حركة حماس مؤخراً كما يتضح مما قاله الشيخ هنية لندمائه في بيروت.. المهمّ أن تدرك ولو متأخرة، خير من أن لا تدرك أبداً.
*سياسي فلسطيني مقيم في جنين – فلسطين المحتلة